نقد الخطاب الدّيني: قراءة في قصيدة (استووووا) لـ"عمر هزّاع"


د. أمل سليمان - بغداد


كان لتراجع الخطاب الديني وانزوائه وألتزامه موقف الصّامت المُتفرج إزاء ما يجري من أحداث على السّاحة العربية من أحتلال وتهجير قسّري وَقتل على الهُوية وضيّاع وتشّرد ،وزيف وخداع أنْ تصدّى له مجموعة من الأدباء والمفكرين ،كان من بينهم الشّاعِر السُّوري عمر هزاع،الذي شَهِد بنفسه مِحْنَّة الإنسان العربي وذاقَ مرارة التٌهجير وعذاباته بعد تّدمير الوطن وتشّريد الأهل والأحبّة،فنظم أجمل القصائد وأبدعها تلك التي تحكي المعاناة والتأزم والضياع، ولا عجب، ،فما من مقاومة على وجه الأرض استغنت بالمقاتل عن الشاعر ،وقصيدته هذه المعنونة بـ استوووووووا واحدة من تلك القصائد المُتفرّدة في حرفِها وإحساسِها ،إذ يُمكن أن نُدرجها ضمن الأدب السَّاخر الذي يخفي مدلولا نقديا وراء سطحه الظاهر اتخذتْ من السّخرية وسيّلة في فضح التناقض في الخطاب الديني واصبحت عنصرا بؤريا فيها .تمكّن المبدع من توحيدهاأسلوبيا مع المفارقة ،وهذا لا يكون إلا من صفات الشعر الرفيع على نحو ما أكد النقد الحديث .يضاف إليهما الرمزية العالية في المعالجة ،فالعنوان بحدِّ ذاته إشارة سيميائية ،فقد جاء على صيغة فعل الأمر الحقيقي ،الذي يدل على طلب القيام بالفعل على وجه الاستعلاء والإلزام ،فالآمر أعلى منزلة من المأمور والأخير مُلزم بتنفيذ الأمر أو يعاقب ،وفي هذا إشارة واضحة إلى فاعلية الخطاب الديني وسُّلطِته فضلا عن ،تكرار ضمير الجماعة الواو سبع مرات ،فظهرت وكأنها الصّدى للفعل الذي يسود الأقطار العربية كافة .ثم إن الفضاء النصي الذي تدور القصيدة فيه يشير إلى المكان المُقدّس الذي تجري الصلاة به وهو الجامع أو المسجد ..لنستمتع معا بالقصيدة
وقال استووووووا
فاستقامَ الأنامْ
فكبَّر..
تمتمَ بعضَ الكلامْ
ولحَّن شيئا غريب المَقامْ
وناخ َعلى ركبةٍ
واستقامْ
وعادَ
فمدَّد كفَّيه نحو الوراء
ومدد رجليه نحو الأمام
ونامَ الإمام
كما نام ؛من قبلُ! عن ذكر
صنعا،وبغداد،والقدس ثم الشام !!
فنهضت القصيدة على أساس المحاكاة الهزلية التي اعتمدت على وصف سلوك شخصية ذلك الإمام وردّها إلى مجموعة من الحَركات والتّصرفات الشّكلية بحيث بدتْ وكأنها شخصيةٌ كاريكاتورية،بفعل المفارقة الناتجة من تضاد الصورة الحقيقية التي ينبغي ان يكون عليها الإمام والصورة المخلوقة التي رسّمها المُبدع التي لامستْ الواقع وجسّدته ،وقد استعان المبدع بسلسلة من الافعال الماضية التي جاءت لغرض الأخبار فقط ودلّت على ثبوت الدلالة من قبيل ،(قال،واستقام،وكبَّر،وتمتم ،ولحَّن ،وناخ ،وعاد ،ومدد، ونام ),اتسقت بروابط معجمية من قبيل حروف العطف ،الواو والفاء وثم ،الأمر الذي أدّى إلى اتسَّاع رقعة السَبْك واتحاد الدّلالة ،وإذا كان الإمامُ قد نامَ عن ذكر العواصم العربية المُتخمة بالوجع فإنه لم ينم عن أشياء أخرى.
يقول الشاعر :
ولكنَّهُ لم ينم ْحين ألقى
_على الحاضرين _
مزايا الصّيام !
وفضل الرّئيس
وفضل النّظام
فاستدرك المبدع نوم الإمام بصحوه على قضايا أُخرى من قبيل ،مزايا الصيام ،وتمجيد الزعيم ،وفضل النظام ،إذ وظّف الطرفَ المثبت وهو نوم الإمام ثم اتباعه بالطرف المنفي فولّد علاقة دلالية تسمى بالايجاب /السلب تمنح النص التلاحم والتماسك وتضفي نوعا من الشّمولية وذلك من خلال أظهار الشئ ونقيضه وتكمن وظيفتها في الحركة المتضادة التي تنبعث نتيجة تلازم المتناقضات وتنتقل معها حركة الذهن من الشئ إلى ما يقابله او يخالفه.نام /لم ينم
ويتجرأ المبدع أكثر بعدأن لمس الأطمئنان عند المتلقي بكشفه زيف الإمام الذي مثل الخطاب الديني ليجلده بكلّ ما أوتي من قوة، بالدعاء عليه وشتمه بأقذع الألفاظ واوجعها في ختام قصيدته بعد ان ختم الإمام خطبته ايضا وأطمئن هو الأخر بتخدير المتلقين وشراء صمتهم وسكوتهم فقال :
فأضفى،على الجوّ ،مِسّك الختامْ
بمعنى السّكوت
وشدّ اللّجام ْ
فلا طابَ نومُك!يا ابن الحرام ْ
وقد امتزجت عناصر السبك الصوتي في هذه القصيدة من سجع مطرّف في الألفاظ (الأنام،والكلام،والمقام ،والأمام،والإمام،والشام،والصيام،والنظام،والختام،واللجام،والحرام )،وجناس غير تام كما في الألفاظ (الأنام ،والأمام،والإمام)،فيكون دعم العنصر الصوتي للجوانب الدلالية للنص اكبر وأوضح ؛لانه أذا كان السجع يظهر الموسيقى من خلال نهايات التراكيب فيخلق لدّى المتلقي إحساسا بالأئتلاف مع النص ،فإن الجناس يظهر بعض الكلمات المهمة ،بما يعني وضوح معان معينة يرغب الكاتب في تكثيف تواجدها دلاليا .ومن ثم كان هذا الخطاب متسق البناء معجميا وصوتيا منسجم الدلالة وكان بمثابة الصرخة المدوية لغياب وعجز المؤسسات الدينية .

 

تعليق عبر الفيس بوك