القتل بـ"الدرونز" تكشف البعد الدموي للتكنولوجيا

محاولة اغتيال الرئيس الفنزويلي.. سيناريوهات الماضي تتكرر في سماء كاراكاس

...
...
...
...
...
...
...
...

 

يرتبط اسم مادورو في الذهن بالأزمة الاقتصادية الفنزويلية، حسب الكميات التي تمَّ تجرعها من المواد المكتوبة والمسموعة والمرئية التي ضخَّتها وتضخها الميديا العالمية، والآن اقترن بمصطلح الأزمة محاولة الاغتيال التي قُوْبلت برد فعل دولي غريب.

مُحَاولة فهم تفاصيل المشهد الماليزي قد تَكُون أسهل عند تذكُّر مشهد أزمة اليونان التي وصلت لهاوية الإفلاس، عِنْدَما تمَّ الإعلان عن أنَّ اليونان لم تكُن مُؤهلة منذ البداية لتكون ضمن المصرف النقدي الأوروبي الموحَّد؛ وذلك لأنَّ البيانات الاقتصادية التي أُعطيت للجهات الأوروبية المسؤولة آنذاك تم تزويرها، إلا أن الغرب بوجه عام تعامل برحمة وعطف، وقدم دعماً كبيراً لكي تخرج اليونان من أزمتها، دون أن يتهم رئيس حكومتها بالدكتاتورية والاستبداد، رغم أنه يصنف على أنه يساري مثل الرئيس الفنزويلي، ولم يتحول في وسائل الإعلام الغربي إلى لوحة تنشين، كما يحدث مع مادورو منذ صعوده للسلطة.

الرؤية - خالد أحمد

 

 

في مشهد آخر، إفريقي هذه المرة، تتصدره نيجيريا أكبر دول القارة من حيث عدد السكان، وهي الأكثر إنتاجا للنفط؛ حيث تُواجه الدولة -التي كانت تُوصف بأقوى اقتصادات القارة- أزمات متعاقبة؛ أبرزها يتعلق بتهاوي أسعار النفط (تعتمد على عائدات البترول بنحو 70% من الإيرادات، و90% من عائدات التصدير)، فيما يُشبه أزمة فنزويلا إحدى أهم دول العالم في إنتاج النفط.

إلا أنَّ نيجيريا -كغيرها في إفريقيا- غَرقت في أزماتها وانكشفت احتياطاتها النقدية وزادت فيها معدلات الفساد، والأسعار ارتفعت بشكل جنوني، بينما تهاوت عملاتها، ولم تجد أيٌّ منها نصيباً في الميديا الغربية التي لا تلتفت إلى القارة الإفريقية إلا عندما تبث خبرًا في عُجَالة عن مصرع عشرات على أيدي متطرفين أو عسكريين أو ما شابه.

 

البستاني والحديقة الخلفية

دَرج المحللون منذ عُقود على وصف أمريكا اللاتينية بالحديقة الخلفية، والولايات المتحدة بالبستاني الذي يَرْعَى الحديقة، ويتحكَّم في مصائر أشجارها وتربتها، إلا أن البستاني لم ينجح في تشذيب كل الأشجار ولم ينته من تطويع الفروع إلا بجهود تمثلت في محاولات للتدخل المباشر بالقوة، أو التدخل المباشر بالدعم المالي والسياسي والمخابراتي.

وفي مارس قبل عامين، قال الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما: إنَّ بلاده -وبعد التورط في دعم الانقلاب العسكري في الأرجنتين عام 1976- "تعلمت الدرس من أخطاء الماضي"، مُحَاولاً خلال زيارته للأرجنتين، طمأنة دول أمريكا اللاتينية، بأنَّ الولايات المتحدة الأمريكية، لم تعُد الدولة نفسها التي دبرت انقلابات بالجملة في دول مختلفة بالقارة.

بعد شهر واحد من هذه الطمأنة، كُشف النقاب عن دور الولايات المتحدة الأمريكية، في دعم الإطاحة برئيسة البرازيل المعزولة ديلما روسيف، ليتضح حقيقة عدم نأي الولايات المتحدة عن التدخل في شئون القارة الجارة الجنوبية.

ومن هذه النافذة، يُمكن أن نطل على المشهد الفنزويلي؛ في محاولة لقراءة ما ينتظره من تطورات قادمة.

 

البرازيل

خواو جولارت كان رئيساً للبرازيل، ووصفته الميديا الغربية بأنه شيوعي، عام 1963 عملت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية على الإطاحة به، بعد سلسلة من الأحداث، تولى إدارتها قائد أركان الجيش البرازيلي أومبرتو كاستيلو برانكو. وحصل الجيش البرازيلي على دعم كافٍ من الولايات المتحدة الأمريكية؛ للإطاحة بجولارت.

اعترفتْ الوكالة أنها مولت التظاهرات في شوارع البرازيل، وأنها قدمت الوقود والأسلحة للجيش؛ كي يتمكن من حسم المعركة، ثم تولي زمام الحكم حتى عام 1985.

وقبل عامين، عندما قرَّر مجلس الشيوخ البرازيلي عزل "ديلما روسيف"، كان الأمر أشبه بانقلابٍ ناعم، أنهى حكم حزب العمال اليساري، المستمر منذ 13 عامًا. كان ذلك بدعم من الصندوق الوطني للديمقراطية الأمريكي، وكذا الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، كما وقفت وراءها شركات وول ستريت المالية؛ إذ دخلت هذه المؤسسات من باب الأزمة الاقتصادية للبرازيل، ولكي تعمل على فتح الطريق أمام الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات، لشراء الشركات الحكومية البرازيلية.

فروسيف خرجت عن خط الولايات المتحدة الذي رسمته لحديقتها الخلفية، وحاولت الاقتراب من قوى دولية ضد الاحتكار الأمريكي، فانضمت لمجموعة بريكس مع روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا، تلك المجموعة التي تعمل على كسر الهيمنة الأمريكية، على الاقتصاد العالمي، كما اتخذت موقفاً مسانداً للقضية الفلسطينية وانتقاد اعتداءات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وسحبت سفير بلادها من الأراضي المحتلة احتجاجا على الاعتداء على قطاع غزة. كما انتقدت مواقف البلدان الأوروبية من اللاجئين السوريين. إلا أنها كرئيسة دفعت الثمن.

روسيف انتُخبت رئيسة عام 2011، وهي أول امرأة تُنتَخب للمنصب، عرفت بكفاحها المسلح ونضالها السياسي ضد النظام العسكري الذي حكم البرازيل حتى العام 1985. لقَّبوها بـ"المرأة الحديدية". لم تكمل ولايتها الرئاسية وعُزلت من منصبها في 31 أغسطس 2016.

 

الأرجنتين

قبل 42 عامًا، دعمت الولايات المتحدة انقلابًا عسكريًّا، أدى إلى إبادة جماعية في الأرجنتين، في 24 مارس 1976، عندما استولى الجنرال جورج رافائيل فيديلا، على السلطة، بعد إطاحته بالرئيس إيزابيل بيرون.

استمرَّ الانقلاب حتى 1983، مُتسببًا في مقتل نحو 30 ألف شخص، وزُجّ خلاله بالآلاف من الأرجنتينيين في السجون، دون محاكمات، وتعرضوا للتعذيب، وقد عُرفت هذه الفترة باسم الحرب القذرة.

ورغم وفاة فيديلا، عام 2013، أثناء قضائه عقوبته في السجن؛ بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن الأرجنتين كانت، وما زالت، تصب غضبها على الولايات المتحدة الأمريكية التي دعمت انقلابه.

لم تترك الولايات المتحدة الأرجنتين في حالها، فهي نقطة ارتكاز نحو الحديقة الخلفية إلا بعد فوز موريسيو ماكري، مرشح يمين الوسط، في الانتخابات الرئاسية الأرجنتينية قبل 3 اعوام؛ إذ إنَّ فوزه يعني بالنسبة لأمريكا، إنهاء 12 عامًا من تاريخ حكم الأحزاب اليسارية.

بعض المحللين اعتبروا أن فوز ماكري انقلاب ناعم؛ إذ تمكنت أمريكا من إزاحة الرئيسة الأرجنتينية كريستينا كوشنر، في انتخابات قادتها الميديا الأمريكية، فكوشنر أعلنت انحيازها للشعوب المقهورة على منبر الأمم المتحدة، واتهمت الولايات المتحدة بدعم الإرهاب، بينما جعل ماكري تطوير العلاقات الأرجنتينية الأمريكية ضمن أهدافه الرئيسية.

 

فنزويلا

عام 1998، تمكن الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز، من الوصول إلى الحكم، بحصوله على أغلبية ساحقة من الأصوات الانتخابية، ومباشرة، بعد توليه السلطة، بدأ اليساري تشافيز في العمل على إحداث تغيرات جذرية، أبرزها فرض قانون جديد للبترول.

وسياسيًّا، نال تشافيز من الولايات المتحدة الأمريكية، التي وصف سياساتها بـ"الإمبريالية الفاضحة"، وهو ما لم يرق للولايات المتحدة، لذلك عملت حكومتها آنذاك (الرئيس جورج بوش ووزير دفاعه رامسفيلد)، على تأليب الطبقة المتوسطة في فنزويلا على تشافيز، ودعمت ضباط الجيش الفنزويلي المعارضين له.

بدأت الخطة بإضراب في شركة بترول فنزويلا، التي يعتمد عليها تشافيز بشكل أساسي، ثم انقلاب من ضباط في الجيش، لكن تشافيز، الذي جرى اعتقاله، استطاع التواصل مع ضباط في الجيش موالين له، ومن ثم تشغيل شركة بترول فنزويلا، وأخيرًا العودة إلى منصبه من جديد، بعد 73 ساعة فقط.

ولأنَّ الولايات المتحدة لم تصفح عن فنزويلا، والرئيس اليساري الحالي نيكولاس مادورو، فقد أعلن الأخير في فبراير قبل عامين، عن محاولة انقلابية يقف وراءها عدد من ضباط سلاح الجو، كانوا ينوون مهاجمة بعض النقاط الإستراتيجية في العاصمة كاراكاس بواسطة طائرة حربية.

وقال مادورو صراحة إنَّ "مجلسًا في السفارة الأمريكية هو من كلف بوضع سيناريو الانقلاب". بينما نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، بعد ذلك أن مادورو "مُعرض لانقلاب عسكري"؛ إذ نقلت عن مسؤولين استخباراتيين أمريكيين القول: إنه "من الممكن أن يُقال من منصبه، سواء في انقلاب داخل قصره، يقوده مساعدون مقربون منه، أو حتى في انقلاب عسكري".

وفي بادرة لا تتكرَّر في الأدبيات السياسية الدولية، أعلن رؤساء الدول والحكومات فى مجموعة السبع في مايو الماضي، بالإجماع، رفضهم نتيجة الانتخابات الرئاسية فى فنزويلا، مطالبين حكومة نيكولاس مادورو بـ"إعادة الديمقراطية الدستورية"؛ مما يتيح إجراء "انتخابات حرة وعادلة".

واتهمت المجموعة مادورو بتشديد سيطرته على فنزويلا! لافتة إلى أن السكان "لا يزالون يتعرضون لانتهاكات حقوق الفرد".

 

محاولة للفهم

هل يُمكن الآن الاقتراب من تحديد المتهمين بمحاولة الاغتيال الفاشلة لمادورو، وتوقع أين خُطِّط لها في الخارج! وكيف نُفذت! وبأي أدوات في الداخل! أو على الأقل، فهم الأسباب التي تؤدي لتواصل الاهتمام الإعلامي العالمي بالمظاهرات التي تشهدها فنزويلا منذ مجيء مادورو.

الكاتبة الكندية جويس نيلسون، تقول -في مقال مهم لها، نُشر في أغسطس العام الماضي: يشعر معظم الناس بالرعب عندما يشاهدون ما يجري في فنزويلا، وأنها على ما يبدو على شفا حرب أهلية صريحة، أو ما هو أسوأ من ذلك، غزو القوات العسكرية الأمريكية!

وقد استمر عدد القتلى في الارتفاع مع تواصل احتجاجات الشوارع العنيفة التي قادتها المعارضة اليمينية؛ وذلك في أعقاب تصويت 30 يوليو على الجمعية التأسيسية لإعادة كتابة الدستور. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد هدد باتخاذ المزيد من "الإجراءات الاقتصادية" غير المحدَّدة إذا مضى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو قُدما في التصويت، وأضاف ترامب إنَّ الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي "بينما تنهار فنزويلا".

وكان مؤتمر السلام الكندي قد أصدر بيانا -بتاريخ 29 يوليو- قال فيه: إذا فشلت المحاولة في الثورة المضادة الداخلية، سيتم وضع خطط للتدخل العسكري المباشر من قبل الولايات المتحدة، ربما تحت غطاء منظمة الدول الأمريكية (OAS).

إن أحد أسباب كراهية المعارضة لمادورو هو أنه يرفض اتباع النظرية الاقتصادية النيوليبرالية القائلة بالتقشف، والخصخصة، ورفع القيود...إلخ.

وهذا الرفض يجعل فنزويلا شبه فريدة في أمريكا اللاتينية الآن.

ومن الغريب أن تلقي الصحافة السائدة باللوم على "الاشتراكية" في مشاكل الغذاء في فنزويلا، بينما يظل توزيع الأغذية في أيدي الشركات الخاصة الذين يشعلون تخريبًا عامًا للنظام.

وقد اتخذ هذا التخريب من جانب القطاع الخاص شكل اكتناز لعناصر مختارة، ومضاربة في الأسعار، وإبقاء رفوف المتاجر الكبيرة فارغة، وإرسال شحنات الأغذية إلى البلدان المجاورة.. هذه الندرة المتولدة عن قصد تخلق الفوضى والاستياء؛ مما يزيد من تقويض الحكومة.

المعارضة قامت بتخريب اقتصادي، وتهريب للشركات، وتلاعب في سوق العملة السوداء، واكتناز كامل للأغذية والمنتجات الأساسية. كما أغلقوا الطرق السريعة، وأحرقوا المباني العامة بما في ذلك مستشفى للولادة، كما أسقطوا قنابل يدوية من طائرة هليكوبتر على مكاتب المحكمة العليا، إنها معارضة عنيفة غارقة في العنصرية والطبقية ضد شعبها وفي خدمة القوى الأجنبية وشركات النفط الكبري.

يُجادل الاقتصادي مارك ويسبروت قائلاً: لقد كانت واشنطن أكثر التزامًا بتغيير النظام في فنزويلا من أي مكان آخر في أمريكا الجنوبية، وليس من المستغرب، بالنظر إلى أنها تجلس على أكبر احتياطيات نفطية في العالم؛ حيث تسعى الولايات المتحدة والمعارضة الفنزويلية إلى خصخصة شركة النفط الحكومية.

لكنَّ النفط ليس المورد الوحيد؛ فالوضع الاقتصادي الحالي الذي يعيشه الفنزويليون نتيجة الإجراءات السياسية التي يقوم بها أولئك الذين يريدون الاستيلاء على السلطة في بلد لديه أكبر احتياطي نفطي، ثاني أكبر احتياطي للغاز، وأكبر احتياطي للمياه العذبة، الذهب والكولتان في العالم. إنهم يعتزمون إعاقة نجاح نظام آخر غير الرأسمالية.

ويكشف كتاب جديد للفنزويلى باسكوالينا كورسيو كورسيو -يُدعى "اليد المرئية للسوق: الحرب الاقتصادية في فنزويلا"- بشكل أدق الكيفية التي يتم بها القيام ببعض التخريب الاقتصادي؛ من خلال الشركات متعددة الجنسيات ذات الأسماء التجارية الشهيرة.

وعلى سبيل المثال: شركة "بيج فارما" مسؤولة عن استيراد وتوزيع 50% من المستحضرات الصيدلانية في فنزويلا، بينما تتحكم شركات مثل بروكتر آند جامبل، وجونسون آند جونسون، وكولجيت، كمبرلي-كلارك في السوق الفنزويلية للأغراض المتعلقة بالنظافة والأشياء الشخصية.

ويبدو أن هذه الشركات متعددة الجنسيات تحجب المنتجات، أو تتجاوز فنزويلا بالكامل.

تعليق عبر الفيس بوك