كأن الشعر يقف هنا


عمارة إبراهيم – شاعر من مصر


قرأت ودققت في العديد من المقالات والأطروحات النقدية لكثير من الشعراء والنقاد،وكانت آخرها مقالة مبدعة من الناقد "الدرعمي" الكبير الدكتور.هشام المنياوي  نشرت علي ظهر صفحته "الفيس بوك"؛ تتحدث عن مدارس شعرية مستجدة، ورواد يتبارون بتحليق خيالاتهم الواسعة في ابتكار لهذه المدارس الساطعة في بناء القصيدة العربية.
ورغم أنني لم أعلم عنها شيئا، غير أن بعض شعراء ينظمون الشعر في معظمهم  يتسيدهم شاعر، أو آخر يرى في نفسه أنه أشعر من امريء القيس والمتنبي.
ورغم أنني من المتابعين جيدا لحركة الشعر العربي علي  مدي مساحات الخريطة العربية من موريتانيا والمحيط الأطلسي وحتي الخليج،فلم أسمع عن مدارس جديدة للشعر العربي تجدد، أو تؤطر، أو تنظر، أو توثق، أو تؤرخ، أو.....إلخ، غير المتعارف عليها، وتم التأطير لها "الشعر الحر"، وحتي تجتهد في تصحيح أوضاع مسيرة الشعر العربي التي توقفت لأسباب سياسية واجتماعية وأيضا أسباب لا يمكن أن نغفل عنها هي من صنع الشعراء أنفسهم حيث "الأنا" تفوقت لديهم وأصبحوا لا يقرأون غير أنفسهم، ولا يرون غير أنفسهم، إلا من بعض شعراء يؤمنون بالقصيدة، وتدفق مزاجها، وتحليق خيالها في واقع لابد وأن ترصده ومن قبل تنتج منه رونقها وشهوتها في ابتكار الجمال.
ثم كثرت المنابر وحجيتهم عليها، واختلط الحابل بالنابل وكأن العرب جميعهم أصبحوا شعراء ،فنجدهم يقيمون مؤسسات وصالونات ومنابر إلقاء لأشعارهم المنظومة، ينافسون بها المنابر الحقيقية للمشهد الشعري العربي الراهن، وكأنهم البعث الجديد للشعر العربي وباتوا في شللية أرهقت القصيدة وتسيدوا اللغة ومشتقاتها وإيقاعاتها في رسوم حسابية لا يتحقق منها غير الإيقاع الباهت، ولم يمروا علي أنساق الإنسان وأفعاله وإبداعه،رغم أن اللغة خلقت لصالحه ولابد هو أن يتسيدها ويبدع فيها ومنها وهي الماعون الذي يحمل رقيه وجماله وعبقريته،  وكانت الساحة تخلو من المهتمين - إن وجدوا- ومن الجادين من أصحاب المواهب الشعرية بعدما أرهقتهم إرهاصات فاجرة،كانت ولا تزال منهجيتها المصدرة واضحة.
وعند النظر والتدقيق في مبادئ هذه المدارس المزعومة، ومن دون الدخول في تفاصيل لها، ليس لشيء غير أن هذه المبادئ التي استجدوها وأنتجوا من خلالها مدرسة أو أخري هي "الوهم" بعينه، وأن هذه الأسس التي يقومون عليها في الإبداع أي إبداع لهم  وكأنهم هم من صنعوها، ومعهم من ناصرها حيث توقفت رؤيتهم عند نقطة أولي للذائقة لديهم، وقفوا عندها ولم يجدوا الفضاء في مخيلتهم حتي يتأملوا مستحدثات الكتابة الشعرية وتطورها حسب معطيات ومستجدات جمالية طرحتها واقعية الزمان والمكان وأفعال الإنسان وتطورها.
** الشاعر ابن حاله:
ونسوا أو تناسوا، أن الشاعر الحقيقي هو ابن حاله كما هو ابن جمال شاعريته، ولا يمكن أن يقاس الشعر الحقيقي بإيقاع حسابي يضع موت روح الشعر في موسيقا ثابتة لا تتحرك مع تحرك أفعال الحال إن وجدت.
واللغة هي ماعون الشعر
أما الشعر هو الطعام الذي يتذوقه الإنسان وليس آخر
فعندما تتفوق اللغة "الماعون" علي فحوي ما تملكه بداخلها فيظهر جمال هذ"الماعون"
واعتقد أن النص القرآني هو وحده الذي منح للغة جمالها من حيث اللغة ووحدانية الله في آياته، ولن يستطيع من البشر علي مر الوجود أن يمنح اللغة منحة النص القرآني لها.
ومن ثم توجب علي المبدعين أن يؤسسوا لجمال الفعل في اللغة،فهو الذي يمنح لها بعض قدرها
لكن القدر المتعاظم في جماليات الأفعال الدالة في المشاهد الإنسانية التي تبقيه كذكري وتأريخ وجمال، وأيضا الاستدعاءات التي تتوافق مع أحوال النص وما أروع أن يكون السياق فيه جلال الشعر ورقيه،لينال منزلة جديدة تختلف عن منزلته في تاريخه العربي.
وما أحوج الشعر لمعطيات جمالية جديدة لا تجدها في غير الشاعر الموهوب الذي يبحث عن نفسه في مستجدات جمالية لنص شعري جديد، حتي تأخذ الشعرية العربية مكانتها التي أوقعوها في شراك الجمود الشعري وقد استنزف كل جماليات ماضيه بسبب العطب الذي لم يخرج من جلود السلف.
** التطور المستحدث:
مع هذا التطور الذي أصاب الزمن والبشر في تجليات فائقة وقد تجده في قصيدة النثر مثلا،- في  القليل من شعرائها الحقيقين - وهم يكتبون مستفيدين بخبراتهم السابقة في القصيدة العمودية أو قصيدة التفعيلة، ثم جاء التطور الطبيعي عندهم من خلال كتابة حقيقية تتوافق مع هذا التطور.
أما عن غالبية كتابها الآخريين ، وقد وقعوا في شرك من أطر لها علي نحو بيانها الذي روجوا له مثلهم مثل غيرهم من المدارس  الشعرية الأخري، لخدمة سياسات شيطانية ليست لها علاقة بكتابة الشعر النثري او غيره، وتوافقت مع شباب أكثر من جيل ترعرع علي ثقافات توغلت بأوكارها في مجمل حياتنا، يعتمدون علي تعرية أحوالهم أو مجتمعاتهم بما لا يتوافق مع بيئتنا، او يدشنون لثبات أشكال باتت ساكنة ولا تحقق للقصيدة طموحها وبما يساهم في غلق مجتمعاتنا العربية في زنازين أشكال جامدة.
وقد تجدها في قصيدة الحال:
ولا أعلم أن كانت ذائقتي وحدي  تنتمي إلي بوح وفضاءات هذه القصيدة التي لا تقف عند حد شكل معين،ولا تلتزم غير قانون أحوال الأفعال التي تنتج  شكلها وإيقاعها ومشاهدها وصورها ومجازها ولغتها ونحوها وصرفها وبلاغتها وفلسفتها وصوفيتها بل تتعمق داخل النفس البشرية حتي تخرج بكل مخزونها الإنساني من دون قيد أو شرط،غير الالتزام بأخلاقيات وجوهر ثقافة الأمة ورسم جمال أحوال الفعل الإنساني ومشاهده المرصودة.
 وقد تاثروا بواقعنا في زمنه الآني والمكاني وبمعطيات عالمية أخري، جعلتنا نرتب أحوالنا في منهجية إبداعية ليست جديدة في تنظيم أطرها، بل كان الجديد فيها أن أطلقت عليها مسمي استحقاقي" لي"، وهو جديد بـ "قصيدة الحال".
الأمر يحتاج من كتاب القصيدة الحقيقين وكذلك النقاد الذين لم يقفوا عند حدود الثابت أينما وجد في شكله أو مضمونه أو فعله أن يدققوا علميا ومعرفيا وجماليا في وضع إجابات شافية وافية لأسئلة الرصد لهذه القصيدة التي تجدها في كل الأشكال الشعرية المعروفة أو المستجدة إن وجدت.
ومع ما يتميز من أطر تتوافق تماما مع معطيات القصيدة الجديدة،رغم أنها تفوقت أيضا من قبل عند البعض من كتاب الشعر في عمومه،وخاصة الشعر العربي، لكن توافقها مع دفقة النفس الشعري رتب لها مساحات للإضافة هنا، كما أن اختيار المفردات مع تقنية السرد داخل البناء أتاح لمسرحة الحال في مشاهد تتفوق بتراتيب الجمال أن تتوافق مع معطيات الحال في تكوين الجمل الشعرية في بناء أيضا يتحلي بزخرفة الصور التي أنتجتها  بكينونتها التي تخرج من فضاءات.
الأفعال التي تشيد جمالها عبر صور لمشاهد ترسخ لقيم إنسانية فقدت القصيدة بعض بريقها،لتعاود أرفف حالها المتدفق بحراك الحياة.
كانت هذه المدارات  التي لا تقف عند حدود ثابتة أو لغة تفقد حياتها في "نص" أو تستنسخ صورا من أعمال أخري، كانت هي المحقق لإيقاع الافعال المتشاحنة في مشاهد بديعة لا تألفها القصائد عند الكثير من الشعراء، وجاءت هنا في انسيابية وتدفق جمالي لا حد له.

 

تعليق عبر الفيس بوك