اللغة المُعربة تحت المجهر

 

ريان الزعابيّة

قال تعالى: "إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ". اللغة هي حلقة الوصل بين الشعوب والأعراق، وهي العامل المشترك بين بني البشر، يستطيعون من خلالها توصيل مشاعرهم، أحاسيسهم، وأفكارهم. كما تعد اللغة حلقة الوصل بين الإنسان وبيئته، فإن تهدمت اللغة تهدمت طرق التواصل الاجتماعي. وفي السنوات القليلة الماضية، ظهرت لغة تسمى بالـ"اللغة المعربة" أو الـ"فرانكو". هذه اللغة هي نوع من أنواع الأبجدية المستحدثة تُكتب بالأرقام والحروف الإنجليزية. فهي لغة تشبه الجُمل المشفَّرة، وهذه اللغة تقوم على استخدام الحروف والأرقام في كتابة الرسائل العربية. واستخدام هذه اللغة إهانة للغة العربية بحد ذاتها وتقليل من شأن لغة القرآن الكريم.

وقد انتشرت هذه اللغة بين أوساط الشباب العربي بشكل كبير؛ حيث أصبحت هذه اللغة كالـ"موضة" منذ السنوات القليلة الماضية. أكدت عدة دراسات أكاديمية أن هذه اللغة تستخدم غالباً عند الشباب الذين لا يجيدون التحدث باللغة العربية، أو من يستصعبون التحدث بها، مع أنهم من أصول وسلالات عربية. ولهذه اللغة عدة مخاطر؛ منها صعوبة فهم الأجيال القادمة لمفردات اللغة الأم والتحدث بها، وإهمال لغة القرآن الكريم مما سيؤدي إلى صعوبة قراءة القرآن وفهم معانيه بسهولة، وأيضاً سيخرج لنا جيلا غير متمسك بلغته، وليس فخوراً بها. ومع بالغ الأسف، نرى شباب اليوم وهم يفتخرون بإجادة لغة دخيلة كهذه اللغة، بل من المحزن أن كل من يجيد هذه اللغة يعتبر متطوراً ومواكباً لـ"هبّة" العصر. ولا شك أن هذه اللغة تؤثر على العربية والإنجليزية قراءةً وكتابةً، وبالأخص تؤثر على اللغة العربية وتسهم في إضعافها.

بالتأكيد، اللغة العربية تأثرت تأثراً بالغاً عبر الزمن، وذلك التغيير حصل نتيجة عدة عوامل؛ منها: حركة التجارة والتدخل الاقتصادي والعولمة. بالنسبة لحركة التجارة، تأثرت اللغة العربية بدخول مفردات أجنبية من ضمن اللغة، وخير مثال على هذه الكلمات "التليفون" بدلاً من الهاتف، "لايف ستايل" بدلاً من نمط الحياة، "تليفزيون" بدلاً من المرناة...وغيرها. إن دخول هذه الكلمات في اللغة يُعد كارثة في الحقيقة؛ لأن اللغة العربية هي من أعرق اللغات حول العالم فتتأثر اللغة بسبب جيل معين لا يبالي بأهمية لغته.

إذا تعمقنا في معرفة تأثير العولمة على اللغة العربية فسوف نرى العجائب على أرض الواقع. حيث إن العولمة تؤثر على المجتمعات التي تفتقر للموروث الحضاري والثقافي، وبالأصح، تتوغل في الأمم الفارغة من الداخل لتهيمن عليها. في بلداننا العربية، نلاحظ أن العولمة أخذت مجراها، فبدأت بالانتشار الواسع للأسماء الأجنبية على واجهة المحلات التجارية. أصبحت اللغة العربية لغةً ثانوية في بعض المدارس في البلدان العربية؛ لأن التعليم أصبح يركز على اللغة الإنجليزية. وكما لاحظنا جميعاً، أن اللغة الإنجليزية أصبحت من المتطلبات لاجتياز أي وظيفة في القطاع الخاص أو الحكومة. فلا يمكن للفرد أن يحصل على وظيفة دون أن يجيد اللغة الإنجليزية تحدثاً وكتابة. كل هذا يعد تقصيراً في حق اللغة العربية، خصوصاً وأن اللغة العربية قلّ استخدامها نتيجة الاستعمار والجهود التي يبذلها الغرب لإبادتها وإضعافها. إضافة إلى أن بعض الأهالي في المنزل يفضلون التحدث مع أبنائهم باللغة الأجنبية بدلاً من اللغة العربية؛ مما يُضعف مستوى اللغة العربية عند الأطفال.

اللغة العربية كُتِبَ تاريخها على الحجر؛ فإذا رجعنا لنفتح تاريخ العربية سنجد أن العالم كان قائماً على العلوم والمعارف والثقافة العربية. فهي كانت السبيل للتطور والتوسع البشري آنذاك. من المؤسف حقا، أن نلمس وبكل وضوح تراجع أبناء اللغة عن لغتهم واستهتارهم بها.

ومن هنا، يأتي دور مؤسسات المجتمع المعنية باللغة العربية والجامعات والمدارس وكل الصروح التعليمية التي تهتم لقضية اللغة العربية، من المهم أن تركز المدارس على تعليم اللغة العربية عن طريق الأنشطة المبتكرة. لعل العامل المهم الذي أدى بهذا الجيل إلى ترك لغته، أنهم يجدون صعوبة بالغة في تعلم اللغة وفهم قواعدها، ولكن إن بُذلت أقصى الجهود في تغيير طريقة التعليم، عندها بالطبع سيحدث تغيير في المجتمع.

سيبقى السؤال مواجهاً جميع العواقب: هل تستطيع اللغة العربية أن تفرض نفسها مرة أخرى كلغة عريقة مواكبة للتطور العلمي والثقافي المتسارع؟

Rayyanz.writings@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك