سينما المرأة واقعا.. شوق عبد العزيز نموذجا

هيثم سليمان

هذا فيلمٌ خرج لتوِّه من فرن العدسة لا تزال رائحته فيه. توقف قلمي لفترة طويلة عن نشر انطباعات مختلفة تتعلق بأفلام صانعيها العمانيين آخرها كان عن فيلم "خالد" للمخرج عيسى الصبحي ضمن عمود رؤية سينمائية لكن شوق عبد العزيز حركت القلم مرة أخرى وللحكاية وقع مختلف هذه المرة، لأنّ المحك هو سينما المرأة عليه يتموضع الفن كرسالة.

في فيلم "لو كنت ولد" عندما تضع صورة سينمائية بطلتها فتاة مراهقة والقضية هي حقوق المرأة ضمن المجتمع المحلي بلا شك أنت مطالب بإظهار الكثير من التعقيدات المتعلقة لا سيما وأنك تقع ضمن تركيز العدسة لا خارج عمق الحقل الصوري. لكن شوق عبد العزيز مخرجة الفيلم ارتأت الابتعاد الكلي تماما عن طبقات التعقيد والفلترة المتزامنة لقضايا المرأة وأخرجت لنا فيلما بسيطا لطيفا عن بطلتها المراهقة التي تواجه أبيها لتحقيق ما تريد. في مجتمع يحتل الأب فيه مركز القداسة الدنيوية التربوية أمرا ونهيا تكاد تصبح الحياة لدى حواء سلسلة من المسلمات القهرية الناتجة عن ولادة قيصرية لطموحات وأمانٍ نُشرت على حبل غسيل الزمن وتركت تفاصيلها لموروثات ومعتقدات وسلوكيات تسري في شرايين المجتمع الذكوري المحمل كبرًا وعتيا بهم إثبات السيطرة والسطوة في كل حين وساعة.

اختارت المخرجة مراهقة ربما عن عمد لتضع لنا ذلك الخيار المُتجسد بشكل مرعب الذي بتنا نراه من ضمن كليشيهات المجتمع ألا وهو السن الخطر للمراهق والصواب والخطأ لتنطلق هذه الفتاة مع أخويها في رحلة الاستكشاف خارج أسوار حديقة الأب وبشكل يقارب الواقع كثيرا وإن ضعفت بعض الجوانب التمثيلية هنا وهناك لكن أحداث الفيلم والحبكة الميسرة جعلت - وأكاد أجزم بذلك-  كل فتاة تعاني من تضييق حبل الخناق عليها مجتمعيا قابلة للتأثر به بل وربما البكاء دون أن أبالغ هنا.

إنّ واقع المرأة الطموحة التي تبحث عن الإبداع أسوة بشقيقها الرجل لهو عرضة لتناول الكثير من صانعات الأفلام في الوطن العربي، وعندما نأتي إلى هذه الزاوية في المجتمع العماني ومن خلال احتكاكي وتجاربي مع الكثير منهن سنجد أنّ نسبة الأفلام التي خرجت إلى النور تحمل هم المرأة في الحصول على حقها في السعي خلف طموحاتها نسبة عالية بحق.

تلك الجرة الزجاجية المقفلة التي حملتها بطلة الفيلم هي رمزية واضحة للأماني المقفلة داخل صندوق من العادات والتقاليد التي أصبح الكثير منا يؤمن أنّها لم تعد تتناسب والحراك الثقافي والفني في الوطن وهذه ليست دعوة للانفلات كما سيتوهم البعض وإنّما ممارسة مشروعة لحق غير مؤذ ينتج عنه نتاج يحقق الرضا لصاحبته والإنجاز لبلد تنتمي إليه. وصدق ولك الحرية في ألا تفعل، هنالك الكثير من وسائل القمع الذكوري التي تُمارس ضد المرأة العاملة في المجال الفني أو الثقافي حيث تصبح كالورقة المبلولة في سيل الانتقاد والتجريح والهجوم. فيلم ذو رسالة واضحة إلى كل الآباء والأمهات في المجتمع وأختم مقالي بمقولة شهيرة لجون بول سارتر "إننا لا نكتشف أنفسنا في عزلة ما، بل في الطريق، في المدينة، وسط الجماهير، شيئا من الأشياء، أناسا من البشر".

* سيناريست سينمائي وصانع أفلام

haithama@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك