الأولمبيادات العلمية: بوابة الولوج إلى مجتمع المعرفة

أ. د. أسامة محمد عبدالمجيد إبراهيم
أستاذ علم النفس التربوي بجامعة سوهاج – جمهورية مصر العربية

 

تعتبر الأولمبيادات العلمية الدولية مناسبة تعليمية أكاديمية تحرص الكثير من الدول المتقدمة على المشاركة فيها، كما تحرص الدول النامية على المشاركة من أجل البحث عن النوابغ وتهيئتهم للمستقبل، ووضع قدمها على طريق التقدم  المعرفي.
اهتمت الكثير من الدول بالاستعداد المبكر لهذه الالولمبيادات، وأنشأت لها فروعاً تبدأ من أعمار صغيرة جدا. وتعد هذه المسابقات مرحلة إعداد جيدة للأولمبيادات الكبيرة، حيث يعتاد الأطفال الصغار على المنافسة بشكل سنوي إلى أن يبلغوا المرحلة الثانوية، بما يجعل مشاركتهم في أولمبياد الكبار والفوز فيها نتيجة منطقية.
تاريخياً بدأت الأولمبياد عام 776 قبل الميلاد في المعابد اليونانية القديمة. هذه الألعاب كانت تقام كل أربع سنوات. وكانت شروط الاشتراك في الألعاب الأولمبية أثناء إقامتها في اليونان بسيطة لكنها عنصرية، حيث كان الاشتراك متاحاً للرجال الأحرار فقط ممن يتحدثون اليونانية، وكان الشعراء والفنانون يعرضون أعمالهم جنباً إلى جنب مع الرياضيين. وكانت الجوائز عبارة عن أطواق الزيتون يتوج بها الفائزون على رؤوسهم ويعتبرونها شرفا عظيما. كما كانت أسماء الفائزين تُنقَش على الحجر ليبقى شاهداً على تفوقهم عبر التاريخ.
وعلى الرغم من سقوط الحضارة اليونانية على أيدي الرومان في منتصف القرن الثاني بعد الميلاد، إلا أن الألعاب الأولمبية استمرت حتى قام الإمبراطور الروماني ثيوديوسيوس الأكبر بمعنها عام 393م في محاولة منه لتحطيم أي رموز تنتمي إلى الإغريق. ومع ذلك ظلت الألعاب الأولمبية رمزاً للتنافس الرياضي، وحلماً يراود الرياضيين إلى أن أتى الكونت الفرنسي بيير دي كوبرتان، وأسس عام 1894م ما أسماه باللجنة الأولمبية الدولية لإعادة إحياء تقليد الألعاب الأولمبية من جديد. وهكذا، عادت الألعاب الأولمبية الرياضية إلى الوجود عام 1896م كما نعرفها اليوم.
وعلى الرغم من أن الألعاب الأولمبية الرياضية لم تتضمن ألعاباً أولمبية في العلوم، إلا أنه سرعان ما قامت مجموعات من التربويين في مجالات مختلفة بإقامة الأولمبياد الخاصة بهذه العلوم، ولتصبح هذه الأولمبياد منافسات دولية تقام سنويا. في هذه الأولمبيادات، تمثل كل دولة من دول العالم فرقاً صغيرة تضم مجموعة مكونة على الأكثر من ستة طلاب من المدارس الثانوية هم صفوة الطلاب الذين أثبتوا تفوقهم عبر سلسلة من التصفيات المحلية في دولهم.
الأولمبياد الدولية للرياضيات
عقدت أولى مباريات الأولمبياد الدولية للرياضيات في رومانيا عام 1959م. وأولمبياد الرياضيات هي أول أولمبياد للعلوم تاريخياُ، وهي عبارة عن مباراة من يومين تعرض على الطلبة ست مسائل رياضية غير مسبوقة، درجاتها الكلية 42 درجة بمعدل 7 درجات لكل مسألة. وتنحصر المشاركة في هذا الأولمبياد على الطلبة ممن لم يلتحقوا بأي مؤسسة للتعليم العالي بعد. وتشارك في الأولمبياد الدولية للرياضيات حوالي 90 دولة سنوياً، ويمثل كل دولة فريق من 4 الى 6 طلاب بالإضافة إلى قائد الفريق ونائبه ومراقب من هذه الدولة. ويتضمن محتوى الأولمبياد مسائل لمرحلة ما قبل التفاضل والتكامل وفروع رياضية أخرى ليست ضمن المنهج الدراسي الثانوي أو حتى الجامعي، مثل الهندسة المعقدة ونظرية الأرقام.
يقدم الاختبار في يومين متتالين بمعدل أربع ساعات ونصف لثلاث مسائل. وتنتقي المسائل المختارة من مختلف أقسام الرياضيات مثل الهندسة والجبر. وعادة ما تكون الأجوبة قصيرة ومختصرة، لكنها أيضاً متنكرة في سهولتها الخادعة لكي تصبح عملية البحث عن الحل في غاية الصعوبة، ولا يستطيع حلها إلا خبيراً أو من لديه موهبة خاصة في الرياضيات.  
وتمنح الجوائز في الأولمبياد لأكثر الأفراد إنجازاً وليس للفريق أو الدولة. ويكرم أولمبياد الرياضيات أيضاً الطلاب الذين لم يحرزوا مرحلة متقدمة في المباريات، لكنهم حصلوا على الدرجة النهائية  في حل مسألة واحدة أو أكثر من مسائل الأولمبياد، فيذكرهم كمشاركين شرفيين. ومن الجدير بالذكر أن الفوز في هذا الأولمبياد أحد الأسباب القوية للقبول في الجامعات العالمية المرموقة بغض النظر على درجاتهم في التحصيل الدراسي أو الاختبارات المعيارية مثل SAT أو ACT أو غيرهما.
الأولمبياد الدولية للفيزياء
بدأت أولمبياد الفيزياء محلياً في بولندا عام 1967م عندما وجهت بولندا الدعوة لأربع دول أخرى لإقامتها سنوياً ثم انقطعت لفترة لتعاود الانطلاق بقوة وتوسع في معظم أنحاء العالم، وأصبحت استضافتها شرفاً تتسابق علية الدول، ولهذا وصلت قائمة الانتظار لاستضافتها حتى عام 2050م! مدة المسابقة يومان (خمس ساعات كل يوم) يقوم فيها الطلاب بحل ثلاث مسائل نظرية في أربعة مجالات على الأقل من مجالات الفيزياء. وهذا يستلزم إلمام الطلاب المشاركين بفرع الفيزياء مثل: الميكانيكا، والفيزياء الجزئية، والمجال الكهربائي، والفيزياء النسبية. إضافة إلى ذلك فإن هناك متطلبات ينبغي على الطلبة الالمام بها مثل أسس السلامة وطرق القياس واستخدام آلات المعمل المعتادة وغيرها.
كانت نتائج أولمبياد الفيزياء عام 2009م التي اقيمت في المكسيك متنوعة. وقد كان من اللافت في النتائج المشاركة الآسيوية، فقد حصدت الدول الصناعية الآسيوية جل الميداليات الذهبية والفضية وتصدرتها الصين بالمركز الأول والرابع والخامس وخمس ميداليات ذهبية لتتوج ذلك حصولها على المركز الأول للمرة الأربعين. تلاها تايوان في المركز الثاني، ثم كوريا في المركز الثالث. هذا بالإضافة إلى حصول دول آسيوية أخرى على ميداليات ذهبية كاليابان وسنغافورة والهند وكازاخستان وهونغ كونغ وتايلاند وإندونيسيا، وكذلك تركيا. هذا الدول التي لا يكاد يخلو بيت أو مكتب من غزو صناعتها تثير الفضول في معرفة العلاقة بين التفوق في أولمبياد الفيزياء تحديداُ وبين فوز الدول الصناعية الآسيوية التي تأتي منها أغلب منتجاتنا الاستهلاكية. والمثير أن هذه العلاقة تزداد طردياً كل عام، مما يعني أن هذا الارتباط له أصل يستند إليه ويزيده قوة وثباتاً.
الأولمبياد الدولية في المعلوماتية
افتتح هذا الاولمبياد في بلغاريا عام 1989 ، ويعتبر الأهم عالمياً في مسابقات الكومبيوتر. فعلى مدى يومين يتنافس فيهما أفضل الطلاب المتميزين في علوم الكومبيوتر على حل ثلاثة أسئلة عملية في البرمجة وحل المشاكل اللوغاريتمية. وغالباً ما تكون بلغة c.c++.PASCAL))، ويتم العمل في بعض المسائل حاسوبياً، وبعضها كتابة. وقد يطلب من المتسابقين تحويل خوارزمية مجردة إلى برنامج علمي ملموس باستخدام إحدى لغات البرمجة المتوقرة أو كتابة برمجة تستطيع قراءة المعلومات وفقاً لصيغة مقررة.
الأولمبياد الدولية للأحياء
بدأ هذا الأولمبياد أيضا في دول أوربا الشرقية، ومنها انتشرت حتى شملت أكثر من 70 دولة. وهي مسابقة فردية يتنافس فيها طلاب المرحلة الثانوية بمعدل 4 طلاب لكل دولة. وتتألف المسابقة من الناحية العلمية إلى قسمين - عملي ونظري -  بدرجات متناصفة، ويشمل منهج الأولمبياد علم الخلية والجزيئات وعلم تشريح النبات، وعلم تشريح الحيوان، وتطور علم الوارثة، علم البيئة، والنظم الحيوية. وفي الجزء النظري، لا تكون الأسئلة مبنية على خبرات سابقة، وإنما يتم التركيز على المفاهيم المشتركة لمعظم الكائنات الحية، وهي وتقيس فهم الطلاب ومهارتهم العلمية وكيفية استخدامهم لها في التطبيقات الحيوية. ويحرص المنظمون أن لا يضعوا أسئلة تقيس "المعرفة" العلمية. وإن وجدت فتكون بصورة بسيطة لا تتجاوز25% من الدرجة المستحقة.
الأولمبياد الدولية للكيمياء
كانت نشأة أولمبياد الكيمياء في دول الكتلة الشرقية، وتحديداُ في تشيكوسلوفاكيا. وقد ساعدت مشاركة الدول الغربية على انتشاره حتى عمت أوروبا وبقية دول العالم في وقت قصير. ويحضر اليونسكو كعضو مؤثر وبارز في انعقادها. تمتد أولمبياد الكيمياء لمدة عشرة أيام على الأقل. ولكل دولة حق المشاركة بأربعة طلاب ومشرفين. كما يمكنها إرسال ملاحظتين علميين. ويشترط أن يكون الطلاب من جنسية نفس الدولة رسمياً أو ممن درسوا فيها أكثر من عام دراسي في المرحلة الثانوية، وأن يكونوا على وعي وفهم عميق بالترابط بين مجالات الكيمياء المختلفة.
تعطي ميداليات الأولمبياد الذهبية لأفضل 10% من المشاركين والميدالية الفضية لأفضل 20% والبرونزية لأفضل 30% . وتمنح درجة الشرف لمن حقق درجة جيدة في الجزء النظري أو العملي ولم يدرج ضمن الفئات السابقة. كما تمنح جائزة خاصة للحاصلين على أعلى درجة من الفتيات. وتتفرع المسابقة لتشمل علوم الكيمياء المختلفة كالكيمياء التحليلية والكيمياء الحيوية والطبقية الجدير بالذكر أن دولة مستضيفة تقوم بإعداد موقع متكامل لخدمة المسابقة بشكل مفصل ومن ضمنها الأسئلة التحضيرية التي من المفترض التركيز عليها في المعسكرات التجهيزية للأولمبياد التي عادة ما تستمر لأسابيع أو أشهر.
الأولمبياد الدولية في علوم الفلك والفيزياء الفلكية
قامت الجمعية الأوروبية الآسيوية بتأسيس الأولمبياد الدولية لعلوم الفلك عام 1996م. تهدف الأولمبياد لتحدي مخيلة الطلبة وتعزيز مهارات التفكير المستقبل لديهم عبر اعتماد الطالب على نفسه كليا في مواجهة التحدي المطروح، واختيار الأطر الملائمة لحل المشكلة، ووضع الافتراضات، وتطبيق عمليات حسابية منطقية ومعقدة. يتكون الفريق المشارك في هذه الأولمبياد العالمي من خمسة مشاركين، بالإضافة إلى قائدين للفريق.
تنقسم المسابقة إلى ثلاثة أقسام رئيسية، أولها نظري، وثانيها يعتمد على الإبصار والملاحظة، وثالثها عملي وتطبيقي. تقدم المسائل التي تعرض في الجزء النظري مشاكل كلاسيكية في علم الفلك والفضاء ولفيزياء الفلكية وفيزياء الكواكب، بالإضافة إلى مجموعة من المسائل الافتراضية التي تعتمد على معرفة الطالب النظرية بجمع هذه العلوم. أما الجزء الثاني وهو المعتمد على الملاحظة فتعتمد تمارينه على القدرة على ملاحظة النجوم وتشكيلاته وتقدير المسافات سواء عبر التلسكوب أو عدا ذلك من وسائل الملاحظة. وفي الجانب التطبيقي تقدم مسائل يعتمد حلها على تحليل دقيق لبيانات استخلصت عبر وسائل الملاحظة المختلفة.
الأولمبياد الدولية للجغرافيا
هي مسابقة للجغرافيين الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 19 سنة ورشحوا للمشاركة في الأولمبياد العالمية بعد فوزهم في الأولمبياد الجغرافية المحلية. تتضمن الأولمبياد الدولية للجغرافيا أيضاً ثلاثة أجزاء، أولها امتحان تحريري، وثانيها امتحان متعدد الوسائل، وآخرها عمل ميداني مكثف. يمتحن هذا الأولمبياد الذكاء المكاني لكل طالب. ويعني هذا الذكاء سعة إدراك العالم ، والقدرة على التصور البصري، ومعرفة الاتجاهات وتقدير المسافات. وقد بدأت هذه الأولمبياد عام 1996م بخمس دول مشاركة في هولندا إلا أنه سرعان ما نمت حتى وصل عدد الدول المشاركة فيها إلى أكثر  من 30 دولة. وتهدف الأولمبياد إلى تشجيع حب الجغرافيا في كل بقاع الأرض وتنمية فهم الآخرين، وتعزيز كفاءة تدريس الجغرافيا في كل مدراس دول العالم.

تعليق عبر الفيس بوك