برلمان البحرين بين توطيد الكيان وزعزعة البنيان 2- 2

 

عبيدلي العبيدلي

  1. أن هناك فروقا جوهرية، ونوعية تتعلق بتأثير برلمان معين عن آخر بناء على الهيكل التنظيمي الذي ينتمي له أعضاء البرلمان. فبرلمان يخلو، أو تكون حصة القوى السياسية المنظمة متدنية، مقابل طغيان حصة العضوية الفردية، هو برلمان ولد مشوها وضعيف البنية في الأساس، ومن ثم فقدرته على التأثير محدودة، إن لم تكن شبه معدومة. وعليه، فمهما بلغت كفاءة أعضائه، لكنها تتراجع أمام تلك التي يمكن أن تتمتع بها قوى سياسية منظمة تنجح في إيصال ممثليها إلى قبة البرلمان. ولهذا فبرلمان يقوم على الأفراد، سيجد نفسه موضوعيًا، ودون النيل من رغبة أعضائه في العطاء، أو حتى الاستعداد للتضحية، أضعف أداء من نظيره التي تشكل من مجموعة تحالفات سياسية تقودها قوى مُجتمعية منظمة.
  2. أن البرلمان، ضعيفا، كان ذلك البرلمان أم قويا، بحجرة تشريعية واحدة أو بحجرتين، كما هو واقع المجلس النيابي البحريني الحاضر، يبقى في نهاية المطاف، أعلى سلطة تشريعية في البلد المعني، ومن ثم فهو، وحده القادر على تحديد مساحة دائرة التأثير السياسي التي يرغب في أن يؤكد حضورها فيها. وبالتالي فمستوى التأثير في مجرى الحياة السياسية، ودرجته، رهن بنظرة الأعضاء لمستوى المسؤولية الملقاة على عاتق هذه المؤسسة، والطور الذي يريدونها أن ترقى إليه.
  3. أن القوى السياسية وهي تلج قرن المعلومات وتقنياتها المتطورة، وعصر قنوات التواصل الاجتماعي وحضورها في مختلف جوانب الحياة التي نعيشها، عليها، وهي تمارس مسؤوليتها التشريعية أن تتوقف عند محطتين رئيستين: الأولى الفئة العمرية التي تخاطبها، والتي لم تعد تلك التي اعتادت على التوجه نحوها وهي في غمرة العمل السياسي في القرن الماضي، بل ربما حتى وهي نلج مطلع هذا القرن، الثانية هي حيز التدخل الإقليمي والدولي في أوضاع مسارات وتطورات الواقع السياسي في كل بلد على حدة. تقدير تأثيرات كل من هاتين الظاهرتين بشكل منفصل، ثم دمجهما والنظر في محصلة تفاعلهما على نحو مشترك، تتطلب إعادة النظر في مشروعات، ومن ثم برامج العمل السياسي للقوى الفاعلة في فضاء البحرين السياسي بشكل قادر على استيعاب التحولات التي تحملها هاتان الظاهرتان.
  4. أن البرلمان مهما بهتت صورته، وتقزم حجمه، لكنه يبقى في نهاية المطاف مكسبا سياسيا من الخطأ، بل ربما من الجريمة السياسية التفريط فيه. وأنه في نهاية المطاف لا يعدو كونه خلية من خلايا العضلات السياسية في جسد المجتمع البحريني، تقوى عندما يحسن المرء، رعايتها، وصيانتها وتقويتها بما تحتاجه من مقويات، تضمر عندما تتعرض للإهمال، وتفقد أسس الرعاية التي لا تستطيع الاستغناء عنها لأداء وظائفها. وأن صاحب الجسد، وحده، المسؤول الأساسي، ولا نقول الوحيد، على الحيلولة دون تآكلها، أو حتى ضمورها. عضلات البرلمان هي أعضائه الذين هم في أمس الحاجة للمقويات التي تحول دون نحول قدراتهم الأدائية.

هذه المعطيات تقودنا نحو سؤال جوهري ومصيري فيما يتعلق، ليس بمستقبل البرلمان فحسب، وإنما أيضًا، وعلى قدم المساواة، بمستقبل العمل السياسي، ومكوناته الأساسية أيضًا. وقوى البحرين السياسية تقف اليوم أمام مفترق طرق بين واحد يقود نحو توطيد أركان البرلمان وترسيخ أقدامه، وآخر يؤدي إلى زعزعته وهد بنيانه.

وللتوطيد، كما للزعزعة أيضاً، أهداف، البعض منها واضح وجلي، والآخر مبطن وخفي، لا يمكن تحقيقها بالتمنيات، ولا بالنوايا الحسنة، وإنما من خلال البرامج الحية المتحركة، والخطط الديناميكية المتفاعلة، في الاتجاه الذي تختار القوى السياسية السير فيه.

ومتى ما اختارت القوى السياسية المعنية تثبيت أركان البرلمان، وتعزيز حضوره في مجمل الحياة السياسية البحرينية، فستجد نفسها، مطالبة حينها، بوضع برامجها التي تطمح إلى تحقيقها من خلال عملها داخل قبة البرلمان، وبين جدران حجرته المنتخبة. وليست البرامج الانتخابية، سوى الخطوة الأولى على طريق متعرجة ووعرة، قد تبدو للعين غير المجربة أنها مفروشة بالورود.

تلي ذلك مرحلة الفوز، والنجاح، وهي أخرى تجبر القوى السياسية التي تتمتع بها، أن تخوض دروبا أكثر وعورة وتقلباً من تلك التي سلكتها خلال مرحلة الترشح، التي سبقت عملية الفوز، إن هي أرادت أن تمارس دورها السياسي تحت قبة برلمان جريء، مؤهل للمواجهة الإيجابية البناءة البعيدة كل البعد، عن المناكفات السياسية المراهقة، أو شقيقتها المهاترات الكلامية العقيمة. وبالتالي فليس المقصود بالبرلمان البحريني الجريء المرتقب، هو ذلك الصنف من البرلمانات التي لا تجد لنفسها موقعا بعيدا عن إحراج السلطة التنفيذية، ومقارعتها، بدلاً من التكامل المسؤول معها. والسلوك نفسه مطالبة به السلطة التنفيذية التي من الخطأ القاتل أن ترى في البرلمان عدوا لدودا ينبغي إخراسه، ومنعه من ممارسة دوره الرقابي، ومسؤولياته التشريعية. فبينما تكون محصلة الحالة الأولى، علاقة مبدعة تكاملية بين السلطتين: التشريعية والتنفيذية، نجد أن الوضع الثاني، يقود نحو نهاية مؤلمة ومدمرة، يتلاشى عندها دور الاثنتين، وتدخل البلاد في نفق مظلم يصعب التكهن بزمن الخروج منه، ونتائج ذلك الخروج.

بالمقابل، وعندما يكون هدف القوى السياسية إطلاق مدماكها لزعزعة أركان بنينان البرلمان، سواء بمقاطعته أو محاربة من يشاركون في انتخابات المترشحين لعضويته، يكون المآل إما إغلاق ذلك البرلمان ووصد أبوابه، ومن ثم وأد التجربة التشريعية وهي في المهد وقبل أن تشب عن الطوق، أو استمرار البرلمان، ولكن شكليا وصوريا في القيام بمهام تبدو أنها تشريعية، لكنها في جوهرها، لا تتجاوز صفة التنفيذ.

الأسوأ من ذلك، وهو احتمال لا ينبغي للقوى التي تمارس، بوعي أو بدون وعي، زعزعة كيان البرلمان، هو أن يعود العمل بقانون أمن الدولة، ومواده السيئة الصيت، لكن هذه المرة، ليس من خلال قوانين تسنها السلطة التنفيذية فحسب، وإنما عبر تشريعات تخرج من قبة ذلك البرلمان، ومن نوافذ حجرته.

 مرة أخرى نكرر القول إن القوى السياسية البحرينية المنظمة، تجد نفسها اليوم أمام مفترق طرق معقد، ربما هو الأول من نوعه في تاريخ ممارسة عملها السياسي المعاصر. ووحدها القوى السياسية ذات العين البصيرة القادرة على اختيار الطريق الصحيح، والسير فيه.