هندســة النَّـــص

سمر محفوض – شاعرة وناقدة وإعلامية - سوريا


النثر باعتباره فنا أداته الكلمة تؤصله ألفاظه ومعانيه, والصورة الشعرية على اعتبار أنها أداته الفنية, هل تنتمي للناحية الشكلية فيه أي إلى التركيب اللفظي أم إلى المضامين. . في آن. كما في لحظة تواكبها. لكن في والشاعر كيف يكتب ولمن وما جدوى ذلك وما المعايير التي تتحكم بالعمل الأدبي واتجاهاته على العموم لنتفق أولا أن الكتابة نخبوية والمتلقي أيضا والنص رؤيا شخصية للشاعر تجاه العالم، تتجاوز الحدود وتنفتح على التجربة الإنسانية الأشمل, حيث تنهض القيمة الأساسية للتجربة على عنصرين .
يتحدد أولهما في القدرة على تمثل التجربة شكلا ومنهجا والثاني على الحامل الثقافي. . الشاعر في البداية يطرح محنته الشخصية كفرد, بنوع من التأمل العميق بحيث لايشابه السابق ولا ينسخ المألوف.
بمعنى إن اللا شكل في إنتاجية النص هو أيضا شكل جديد يؤهل الحالة العامة عند التلقي كي تنكشف المنسربات الجوفية للمعنى في اتجاه الفكرة, ومن ثم إلى التركيب اللفظي أي المنطقة التي تتحمل حرية التعبير .
بين صيغة الاستقرائية والتجاوز .
أما المستوى الأخر فهو الخط والذي يشكل عبوراً حراً لإمكانية الحركة المندمجة, بما تخلفه على السطوح التي تخلق مبررات حركية دائمة الحنين. على اعتبار أن أساس الإحساس الفني بدرجاته الخاصة التي يصل إليه الفنان في حالة من التوحد مع الذات ضمن مجازفاته, إنها الحالة التي تدل على ما بداخله من تنوع يأخذك تارة إلى التجريد وتارة إلى التبسيط العفوي, ليكسر مفهوم الصفحة كمسطح تقليدي يوزع  الخطوط بدرجة عالية من الجدة فهو موزون وحركي في أن.
لا يتبع قالبا خاصاً ولا تحدياً في انكشاف البيان, إنما أخذاً برموزه التي تتواصل بالارتباط الحر عبر مناخ تكاملي يستعيد أسئلة العقل.
الصفحة هنا ليست بنية مسطحة أومنتهية, بل هي بنية على بساطتها متشعبة تتجاوز الأحادية التعبيرية في رحلة معاكسة إلى حدائق وشموس الذات, لها طابعها ومذاقها الخاص, وهي أيضاً بهذه الحالة ليست مرآة تعكس عالمه المرئي بل هو تعبير شديد الخصوصية يحكمه منطق تشكيلي داخلي يسقط انفعالاته على السطر, في توزيع خاص لكتلته بتكنيك وانسجام يتحاور مع التقاطعات الحسية والصفحة وهندسة الإبداع والتي لا توالي الاهتمام لمعنى الاندماج اللفظي المستخدم فحسب, بل لتشكيل القيمة المجردة أيضا والمبدع متمترس خلف الفكرة يديرها. . . انه سهله الممتنع
بالطبع هناك من أعطى وأضاف للحركة الشعرية العالمية بنكهته الخاصة كأدونيس وأنسي الحاج وسعدي يوسف وساركون بولص وآخرين كثر جداً .... وهذه هي النقطة التي أعنيها بما يسمى بالنخبوية, وقد بلغت في بعض الحالات من الكثافة والتركيب درجة يستحيل فيها التوقف عن التحدي . أي انتقال الشعر من الجماهيرية إلى الخصوصية, متصلا أبدا بالحركة المتواترة للأعصاب, يندلق بتفاصيله في كل الجزئيات, ونعجز عن لمسه ككل, وهو أبدا ضمن ذلك غني بمنطقة الخاص المتواري,أو الخفي, عبر تغير مفهوم وظيفة النص وخياراته الصعبة والاغتناء والتجدد والموائمة لذائقة تتنامى. بالتوازي مع شكل علاقته النص بكاتبه أولا, وبقدر ما تتطلبه من موهبة وقدرة على الإدهاش والمغامرة والمغايرة .
النثر يحمل أكثر من بعد ورؤية في لحظته الراهنة, بتكويناته, وصورة خطابه, وتبدلاته . بعمق مفهومي واصطلاحي جديد,يتجدد لينتج المفهوم أو يدحض النظرية التي سبقته .أما فيما بعد لمن سيتوجه هذا المنتج تلك مسألة أخرى, المتلقي هو من يحدد, والمنتج قد يحقق ذلك أو لا يحقق.
إن موقع الشاعر في النص أسلوبه في إدارة اللغة وزحزحه الحالات الانفعالية دائما ضمن مساحة التواتر, تفضي في قسماتها إلى أشكال كتابية أخرى. أو لأنها تبدأ من شكل كتابي ما، سردي، أو واقعي خارج نطاق الزخرفة الشعرية, تتحرر من كل سلفية شعرية قد تحبس تطورية المعنى بداخلها، مؤيد الراوي الذي يحمل ذاكرة تتكئ على التغرب، أو النأي القسري عن المكان .
لا يمهد الشاعر في نصه للموضوع،بل يدخل مباشرة فيه: / لكي يشتت كليتة، وينثرها أشلاء، بالقسوة عينها التي يقرأ فيها ذاته الذي يصور رحلة الشاعر مع الضدية المتمثلة بسلطة المكان مختلطة، بعضها حين تغيب عن وظيفة الوعي البنيوي للفرد والمجتمع باعتبار أن منظومة القيم الجمالية وأنماط الصورة الجزئية, واللغة الطقوسية تتعارض أحيانا مع الأنموذج القائم والمعروف,لكن تتصل بالوعي الضمني على نحو عميق, لأن الكل متلقين ومبدعين يشتركون بخاصية الانفعال (التجنيسي),جماليات اللفظ البنائي رغم افتقار النثرية أحيانا للإيقاع المنتظم .
يقود بالضرورة إلى مناخ نصي متعدد المستويات سيكون النصّ مُـقـنِـعاً، بالرغم من أنه دعوةٌ للجنون, وبالتالي متعدد القراءات يحاول أن يكون خارج الأيديولوجيات نمطاً وكتابة وفاعلية,كونه نص يكتب عن الآخرين ولهم, ويمارس هذه الفعالية بأساليب وآليات مختلفة تتشكل وتنتظم في البنية الكلية للنص,يسهم في ضبط إيقاعاته على اعتبار أن التناقض هو أساس الحياة بما هو افتراق شكلاني وجمالي,كي ينهض الأسطوري في الواقعي؟.
حيث كل مبدعي واجه مهمة مستحيلة,هي خلق تركيب بالمعنى الهيغلي بين نقيضين لا يلتقيان أبداً, هما القارئ والفن, لكن المهمة هنا هي خلق تركيب وليس ترجيح أحدهما على الآخر, من حيث أن الفن إبداع ذاتي برج بابل, برج هائل الروعة,والعمران . لو أنه بقي لكان أحد معجزات الفن المعماري.إنما هو بالأصل لم يبنى لغاية الفن, بل محاولة من البابلي للوصول إلى الله.
هذا ما قصدته بتحدي التركيب كانسجام بين متطلبات الإبداع كفن ومتطلبات المتلقي كمتابع,وهنا مفهوم الانسجام يعني التوازن لا بمعنى المطابقة, لأن التناقض هوالأساس وليس عدمه كمحرض فنياً لأجواء الكتابة. نص لا يحاول أن يكتمل مجتهد لان يكون غيره باستمرار. حيث يلتقي اليومي بالغامض دون تورط باللغة فاتحا حوار مع التجربة بأخطارها المحتملة وأخطائها الممكنة كنص غير مدبر يفكك ذاته. . يزيد السعة إذ يضيف له مساحة جديدة. معيدا نتاج صيغ جديدة
مؤيد الراوي, من ديوان/احتمالات الوضوح/
من قصيدة مرثية لنا نحن الباقون والشمس تغرب :
نزع الأشياء من مألوفها والشيئية تمثل عنصر المشروعية التي يتحرك بين ثناياه نص مؤيد الراوي ، الذي يكرس كل وقته للمعرفي\ فيأخذنا للرحيل سوية \بعيداً عن رؤية الأشياء  \ . يصبح المتخيل دالاً يسهم في إعادة إنتاجية الدلالة في النص, ويفقد جزء براءته, ليقوم بتوجيه المتلقي إلى ملء الفراغ مجسدا دوره الفاعل في بناء النص.
مؤيد الراوي يتفاعل مع نصه تفاعلاً جنونياً،وهذه النتيجة هي في مجملها خلاصة طبيعية تتحقق فيها أصالته الشعرية وأشكاله التعبيرية ،\ فالليل أسود وبصرنا كليل \شبح أو طيف يتخيلنا ويتبعنا \. نصاً وجدانياً في المقام الأول، يتيح للكلمات التكوّن بحسب حدة توتر الشاعر خلال الكتابة الذي يؤكد على وحدة الوجود وترابط أجزائه، وأنَّ العلاقة بين ظواهره محكومة بالتجاذب والتنافر. \يترصد ثم يعلن إنه الحارس التوأم
\فيأخذنا للرحيل سوية \. مما أبرزته إلى الواقع كنموذج متطور ضمن صيرورة تتطور باستمرار, وبدافع من الحرص يؤسس نصاً بالغ الطموح، لمحاولة نهضة الشعر إنجازاً وتأهيلاً وفي إثبات كينوناته،بخطى واثقة وبرؤية تحقق وظيفتها ومغزاها الدلالي حررت النثرية المعنى الكامن وشكلت المساحات والهوامش مساحات لحركة المعنى, واكتسابه معنى إضافيا،بأدوات تنضيده للأبعد من الشكل الفني ودراسته دون انتماء إلى فلسفة الأشكال الرمزية لأي مشروع إبداعي نحو روح النص. بمعنى أن تحرره من قيد الشكل منحه أشكالا لا نهاية لها.

تعليق عبر الفيس بوك