كيف يتوج العرب بكأس العالم؟

عبدالرزاق بن علي

 لماذا تهتز الدنيا لخسارة منتخبات عربية في الكرة، ولا نهتم لأمر حصول الدول العربية جميعا على مراتب متدنية جدا في أسفل الترتيب العالمي في التربية والتعليم مثلا؟ لماذا لا نهتم حين نُنفق ثرواتنا الضخمة على التسليح في حين أن جميع حروبنا داخلية؟ لماذا لا نحزن حين يسافر جميع الميسورين العرب للتداوي في الخارج لعدم وجود كادر طبي نثق به؟ لماذا لا نبتئس  عندما نعلم أن أغلب اللاجئين في العالم هم عرب؟ لماذا لا ننبس بحرف حين نشاهد ثرواتنا تُنهب من أعدائنا ولا يجد فقراؤنا ما يسدون به رمقهم؟ ولماذا لا نحزن لواقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي...وغير ذلك من مآسينا، ولا نتألم إلا حين نمنى بهزيمة في مباراة لكرة القدم أمام دول وظفت إمكاناتها وثرواتها لخدمة أوجه التنمية والتقدم في المجالات الأخرى التي تفوق في أهميتها وتأثيرها المجال الرياضي؟ أليست هزائمنا أكبر مما نعتقد في الواقع وأشد إيلاما مما يحدث في كأس الكرة العالمي؟ ألم ننهزم في معارك التربية والتعليم والبحث العلمي والتنمية والتصنيع والتكنولوجيا والتحديث والتقدم قبل أن ننهزم رياضيا؟

قد يعتبر البعض أننا نبحث عن نصر في ملاعب الكرة بعد أن فقدنا الأمل في تحقيق انتصارات في هذه الميادين جميعا، ولكن هل من المنطقي أن  تخلو الشوارع في أغلب المدن العربية خلال مباراة رياضية يخوضها منتخب عربي ويتسمَّر شبابنا وكهولنا ونساؤنا ورجالنا أمام الشاشات للمتابعة في حين تدور هنا وهناك في الوطن العربي معارك طاحنة تسفك فيها الدماء العربية بأيادٍ عربية وبتمويل عربي دون أن تجد شيئا من الاهتمام من نفس هذه الحشود التي تتألم لفرصة ضائعة في ملاعب روسيا.

هل يتابع المواطن العربي قمة عربية مثلا أو حدثا سياسيا مهما آخر بنفس الاهتمام الذي يتابع به كأس العالم؟ ولماذا نجيب أنه لا يفعل؟ أليس من المطلوب أن نبحث عن إجابات علمية ومنطقية لهذه الأسئلة جميعا قبل اتهام المواطن العربي بانعدام المسؤولية والروح الوطنية والإنسانية أيضا؟

هذه الأسئلة وأسئلة أخرى كثيرة طرحت في نفسي، وأنا أتابع مباريات كأس العالم كغيري من المواطنين العرب، ولعلي لا أملك كغيري أجوبة مقنعة عنها، لكنني أجزم بأن الحلول الحقيقية ليست في ملاعب الكرة، وتسجيل الأهداف وربح المقابلات الرياضية فقط في المناسبات العالمية الكبرى، بل إن واجبنا كعرب أن نستفيد من هزائمنا جميعا ونستخلص الدروس من أجل إيجاد واقع أفضل في وطننا العربي؛ فإحساسنا بالنقص الذي هو من أهم العوامل التي أربكت أداء منتخباتنا العربية لا يمكن أن نعالجه داخل الملاعب وحجرات الملابس التابعة لها فقط، بل في محاضن أطفالنا ومدارسنا وجامعاتنا ومواقع عملنا ولدى كتابنا ومثقفينا وإعلاميينا؛ لأنه أعمق من إحساس رياضي لدى لاعبينا، بل يتعداهم ليصبح حسا مشتركا لدى عامتنا ونخبنا وقادتنا.

هذا الإحساس بالنقص مع عوامل أخرى مركبة أربكت القرارات الصائبة في جميع مجالات الحياة حتى أصبحنا لا نؤمن بإمكانية التغيير والتقدم واللحاق بالأمم، وعطل جهود الأمة ومُصلحيها في إيجاد واقع أفضل لأبنائها، في حين أننا نمتلك من المقومات والمقدرات ما يؤهلنا لأن نتصدر العالم المتحضر في المجالات جميعا.

فالوطن العربي يمتلك ثروة طبيعية هائلة لأنه يستحوذ على 55 بالمائة من احتياطي النفط في العالم وينتج 22.9 مليون برميل يوميا منه، و27.5 بالمائة من الاحتياطي العالمي من الغاز ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي 2.7 تيرليون دولار، وتملك الدول العربية ثروة معدنية كبرى، كما تطل جميعها على البحر ومساحتها 13.3 مليون كم، وعدد السكان 370 مليون نسمة، وبإمكاننا أن نخلق من واقعنا البائس واقعا أقل إيلاما في السنوات القليلة المقبلة، إن توفرت العزيمة الصادقة، وهي متوفرة ولله الحمد لدى كثيرمن رجالنا وشبابنا وقادتنا أيضا.

بإمكاننا أن نحول الهزائم سريعا إلى انتصارات، والفشل إلى نجاح، والبؤس إلى رفاه، والإحساس بالنقص إلى ثقة، وأن نُحرِّك الهمم والسواعد والعقول لنبني وننجز ونتقدم وننتصر، فقد خلقنا خليفة لله في الأرض لنعمرها، ونأخذ بالأسباب من أجل أن نكون في مقدمة الأمم، ونحن خير أمة أخرجت للناس، وبإمكاننا أن نستعيد سريعا موقعنا الريادي في بناء الحضارة الإنسانية، إن أحسنَّا تشخيص واقعنا وتصميم الحلول، واتخاذ القرارات الصائبة وتوظيف الإمكانات المتاحة.

بذلك سيكون للعرب قدر وهيبة بين الأمم، وسننتصر في جميع المجالات، ويُمكن عندها أن نراهن على نيل أهم البطولات الرياضية، والتتويج بكأس العالم، ونطوي صفحة من الهزائم والهوان والانكسارات.

تعليق عبر الفيس بوك