إِلَى (دُون كِيشُوت).. نَجِيب سُرُور

د. محمَّد حِلمي الرِّيشة – رئيس بيت الشعر الفلسطيني

أَلْتَحِفُ الذِّكْرَى فِي عِيدِ فِرَاقِكَ عَنْ عَينَيّ
أَنْشِدُ أُسْطُورَةَ أَلَمِي
أَرْقُصُ حَوْلَ الْقَمَرِ المُشْتَاقِ لِحُبٍّ فَجْرِيِّ النَّسْمَةِ.

يَا وَجَعِي الْآتِي مِن دَرْبِ الْكُفْرِ:
قَدْ تَرْحَلُ ذَاكِرَةُ الصَّمْتِ
قَدْ تَبْقَى ذَاكِرَةُ الصَّمْتِ كَعُشِّ النِّسْرِ عَلَى قَلْبِي؛
يَفْتَرِسُ اللَّحَظَاتِ الْحَيَّةَ غَيْبًا
يَحْفَظُ إِنْجِيلَ الْغَابِ، وَلَا يَبْكِي إِلَّا فَرِحًا
يَحْيَا فِي آيَةِ إِنْسَانٍ أَتْلَفَهُ الْحُزْنُ
يُقَامِرُ هذَا النِّسْرُ الرِّيحَ عَلَى قَدَحِي المَثْقُوبْ،
وَيُضَاجِعُ غِرْبَانَ اللَّيْلِ/ رِدَاءَ الْوَهْمِ،
وَيَجْعَلُنِي أَبْكِي لِبِكَارَةِ إِنْسَانٍ مَحْبُوبْ.

يَا حُبِّي الْآتِي مِنْ دَرْبِ الْعُمْرِ
أُنَاشِدُكَ الرَّبَّ بِأَنْ تَبْقَى لِلنَّجْمِ قَرِيبًا
لِلْقَلْبِ قَرِيبًا؛
فَبِعَادُكَ قَدْ آلَمَ أَلَمِي،
وَرَحِيلُكَ ذَكَّرَنِي قَسَمِي
أَنْ أَحْمِلَ شَمْسًا مِنْ أَجْلِكْ
لِنُضِيءَ سَوِيًّا هذَا الْفَجْرْ
أَنْ أَضَعَ اللَّوْنَ عَلَى كَفِّي لِرَبِيعِ الْعُمْرْ.

يَا مَلِكَ الشِّعْرِ الْأَبْعَدْ،
وَاللَّيْلِ الدَّاجِيِّ الْأَسْوَدْ
لَا تَحْزَنْ أَكْثَرَ مِنْ طِفْلٍ فَقَدَ الْأَثْدَاءَ المَوْبُوءَةِ؛
مِنْ عَيْشِ الْبُؤْسِ،
وَشُرْبِ الْكَأْسِ
المَمْلُوءَةِ صَبْرًا..
إِنْ كَانَ مُنَافِقُكَ المَكْرُوهُ يُعَمِّرُ فِي قَصْرِ الْوَرْدِ
فَأَنْتَ الْأَجْدَرُ أَنْ تَحْيَا فِي قَلْبِ النَّصْرْ.

يَا شِعْرَ الْكَلِمَاتِ الْحُرَّةِ
مَنْ لَامَ الشَّاعِرَ أَنْ قَالَ الْيَوْمَ: أَنَا حُرٌّ
إِنْ عَاشَ عَلَى جِيَفِ الذِّئْبِ؟
فَالدُّنْيَا لَا تَمْلِكُ قَلْبًا،
وَالشَّرُّ يُسَوِّرُ لِي حُبِّي.

قُمْ وَانْهَضْ مِنْ قَبْرِ الصَّبْرِ فَـ(كِيخُوتُ) يُدَثِّرُنِي أَلَمًا،
وَتَسَلَّقْ تَلَّةَ (سِيزِيفٍ)
دَحْرِجْ أَحْزَانَكَ كَالصَّخْرَةِ
لَا تَتْبَعْهَا..
اصْعَدْ/
اصْعَدْ/
نَحْوَ المَجْدِ الْقَمَرِيِّ
فَإِنْ مِتَّ هُنَالِكَ فَاتْرُكْ؛
إِنْجِيلَ قَصِيدِكَ يَصْرُخُ كَالْبُرْكَانِ الثَّائِرِ
فِي وَجْهِ الذُّلِّ وَعَيْشِ الْفَقْرْ
إِنْ كَانَ مُقَاوِمُكَ المَكْرُوهُ يُعَمِّرُ فِي حِضْنِ النِّسْرْ
فَلَأَنْتَ الْأَجْدَرُ أَنْ تَحْيَا
فِي قَلْبِ النَّصْرْ.

(نابلس- فلسطين 10/2/1977)