الذوق في النقد الأدبي بين التأثرية والموضوعية


د. لطيفة الأعكل - المغرب


من أهم الشروط والصفات التي يجب أنْ تتوفر في الناقد الأدبي( الموضوعية)، وحين يذكر مصطلح الموضوعية كشرط أساسي  في النقد الإبداعي، يتقلص بصفة شبه نهائية دور الذوق لأن الذوق ينطلق من الذات أو ما يمكن تسميته في لغة النقد (بالتأثرية)/المدرسة التأثرية والانطباعية في النقد الأدبي.
بدأ النقد الأدبي في أولي مراحله " تأثرياً انطباعيا"حيث  يلجأ الناقد في حكمه على نصٍ إبداعيّ انطلاقاً من ذوقه الخاص أي من ذاتيته في الحكم، بالجمالية والجودة، أو بالقبح والرداءة.. وقد كان للبيئة الإجتماعية، والنفسية في النقد القديم دوراً كبيراً ينعكس على الأحكام النقدية بناءً على الذوق الخاص أو العام.
حتى قيل إنّ الشاعر ابن بيئته (قصة الشاعر البدوي علي إبن الجهم والخليفة العباسي المتوكل).. فحين دخل الشاعر على الخليفة فمدحه قائلا:
أنتٓ كالكلْبِ في حِفاظِكٓ لِلْودّ
وكالتّيسِ في قِراعِ   الخُطُوبْ
فغضب من بالمجلس إلاّ الخليفة لم يغضب. بل قال : اتركوه في بغداد بضعة أيّام يتعرف خلالها على مظاهر المٓدٓنِيّـة... وأقام الشاعر مدة زمنية ببغداد، ثم دخل على الخليفة فأنْشده أعذب وأرق ماقيل في المدح مُفتتحاً قصيدته بمقدمة غزلية:
عُيون المٓها بٓيْنٓ  الرّصافةِ والجسر
جٓلٓبْنٓ الهٓوىٓ مِنْ حٓيْثُ أدريِ ولا أدْري
فالتفت الخليفة إلى من بالمجلس وقال: ألم أقل لكم إنّ الشّاعر ابن بيئته.
وقد أصبح الذوق الشّخصيّ عند القدماء هو المعيار الأساس في الحكم على أي عمل إبداعيّ  دون تقديم للمبررات، والأسباب بل أحكاماً ذاتية لا تخضع للموضوعية.. تتراوح بين الهدم والبناء إنطلاقاً من ذوق تأثري إنطباعيّ.
غير أنّ النّقد في العصر الحديث والمعاصر قد تغير كثيراً نظراً للظروف الإجتماعية، وللإحتكاك بالثقافات الإنسانية، وتعدد المعارف، والخبرات، والمدارس، والمذاهب النقدية.
وهكذا أصبحت بعض المعايير والمقاييس النقدية هي الأساس لدى بعض النقاد. الشيء الذي أصبح يفرض التعليل والتبرير بناء على أسس موضوعية و بعيداً عن الذاتية.
غير أنّ الموضوعية لا تُلغي الذوق بصفة نهائية بل تُخضعه لأحكام تعتمد على تذوق النص الأدبي في شمولية عناصر بنائه المتعارف عليها والأساسية في بناء أي نص إبداعيّ متكامل..
وهكذا يصبح الذوق من شروط الناقد الأدبي تبعا لقيمٍ وشروطٍ وآلياتٍ، لا نزولاً عند تأثيرٍ ذاتيّ أو محاباة.. وتظل الموضوعية الخاضعة للعلم والمعرفة، والإتجاه الفكري، والمنهجي هي أساس العملية النقدية.
والخلاصة أنّ الذوق الخاص هو أُولىٓ الخطوات في العملية النقدية.. حيث هو المحفز على الإهتمام بعمل إبداعيٍّ ما وذلك حين الرغبة في تحليله، أو دراسته. ولكنه ليس الفاصل في الحكم على الجودة أو الرداءة. كما إن المعايير الأدبية تختلف من ناقد متمرس  إلى آخر  حسب توجهاته المذهبية المتأثرة بمدارس نقدية معينة، أو بمناهج متباينة في تطبيق مفاهيم مختلفة للموضوعية.. وتظلّ الإشكالية مطروحة!!

 

تعليق عبر الفيس بوك