النموذج السردي في قصيدة سُعاد محمد


جمال قيسي / بغداد


ربما سأكون غير منصف، لتناولي قصيدة (سرد واقعة) للشاعرة سعاد محمد، بحكم المحمولات التي تظمنتها القصيدة، والتكنيك الشاعري الساحر، لهذه الشاعرة المتألقة، إذ ربما سأتناول، مواضيع.  أثارتها في  داخلي، أقول. ربما كل هذا سيكون على حساب النص؛ فالعنوان بحد ذاته محاكاة سيمولوجية مدهشة، وسيرة مشاعر تمت سرقتها، اعتبرتها الشاعرة مجرد واقعة، ونوعًا من التهكم في هذا الموغل العميق؛ هناك وحش كاسر يتمرد بعنفوان، ويكسر الأغلال؛ لكنه يتمنع عن الخروج، فالضوء سيحرقه؛ لأنه مودع في سجن عميق، لايملك إلا أن يعبث، في محتوياته، وهذا السجن هو المجتمع الشرقي وتقاليدة مع أحكام إضافية من الكبرياء، والتمنع الذي يمليه الاعتداد بالنفس والشرف الشخصي.
طوبوغرافية الفضاء النصيّ -  اللاشعور
هذا النص هو رسالة امرأة من الشرق ولكن أحدنا لم يسأل ماهي المرأة؟ أي ماهو جوهرها؟، بعيدًا عن التوصيف الاجتماعي والجنوسي،، الخ.  
مع إني لا أدعي أني أعرف، لأَنِّي كما قلت سابقًا من عرف المرأة، امتلك الحياة، المرأة برأيي، هي جوهر الحياة، وسأفسر ذلك، وهذا ليس توصيفًا شاعريًا في النظرة الأولى، بمأخذ فيزيقي مورفولوجية المرأة، يكمن فيها بعض السر، فجملة المنحنيات الساحرة للمرأة ذات الجذب الذي  يستسلم له أي رجل، ونحن هنا نتكلم عن الرجل الطبيعي. في ميوله الهرمونية المتوازنة، والتنشئة الاجتماعية المعتدلة ذات  النزعة الخلاقة؛ أي بمعنى صنع الحياة وديمومتها، في جانبها البيولوجي ،،والإحساس المحايث له في الحفاظ على النوع؛ بصرف النظر عن مايترتب لهذا الميل والتنافس الذكوري الذي أخذ بتراتبية اجتماعية وأعراف تجتهد إلى تنظيم هذه العلاقة، والتي انعكست شرطيًا في تاريخانيتها على التقنين والضبط الذي أدى إلى صنع كوابح للنزعة الفردية، وازدادت تعقيدًا، كلما تشعب تقسيم العمل، في نهاية المطاف، تخطت المجتمعات الغربية هذه الأمور بثورة جنسية، وهو أمر طبيعي لتخطي المجتمع الرعوي الأبوي الذكوري، فعندما وجدت المجتمعات الصناعية وما بعدها، تشكلت منظومة علاقات جديدة، مفارقة؛ لكن هذا كله لم يغير من حقيقة الأمر شيئا؛ فالمرأة هي جوهر الحياة في هذه الطبيعة ذات المنحنيات اللطيفة، رافقتها مشاعر اللطف والشكل ذاته وإن كان مظهرا إلا أنه ذو صلات وثيقة في توليد النظرة للمحيط الخارجي؛ فالإطار هو الذي يتأثر ويؤثر في العمق.
أنا هنا أؤكد على الجانب البريء للإنسان، فالمهمة الأولى لصناعة الحياة بالشبكة الهرمونية التي تبثها المرأة لاينجو منها أحد، هي المهمة الأولى بصرف النظر عن ما راكمته الحضارة، يبقى الرجل صيدًا، مهما حاول لا ينجو من الشبكة الهرمونية للمرأة، إنها  الدعوة للسيرورة الحياتية؛ دعوة  بدء  الخلق، تهيؤها  المرأة، وتتقن طقوسها، من أجل اللحظة التاريخية الحقيقية، وهي لحظة الخلق، والديمومة. إذًا نحن نتكلم عن الوظيفة الأساسية التي جُهزَت بها المرأة، فكل تعويق لهذه المهمة أو الوظيفة، هو تعويق للحياة ، وشيء ضد الحياة.
في أي حضور اجتماعي، يخلو من المرأة، سيكون جافًا، فالتجمع الذكوريّ، هو تجمع عدواني، مهما كانت صفته، حتى الديني منه؛ لكن تواجد المرأة في أي تجمع، يعطي صبغة أخرى، إنها صبغة الحياة، فكل نزعة للحياة سببها المرأة.
في المضمار الأدبي  كانت هناك نماذج  رفيعة المستوى، للتعبير عن هذا الأمر وتشخيصه ، ففي  الجزء الثاني من رواية الكبير كولن ولسن، (عالم العناكب)؛ المعنون بـ (الدلتا) يتألق  في وصف الأمر لدرجة ساحرة، وهنا بالضبط يقصد بالدلتا  كرمز  للعضو التناسلي للمرأة، وكرمز للخصوبةز
وفي  هذا النص  الباهر  تن طل علينا (سعاد محمد) بفخامة لتوريد تاريخانية المرأة الشرقية؛ أي بمعنى الحياة في جوهرها ،،ومعاناة هذه المرأة هنا تكشف (سعاد محمد) عن الصراع الداخلي، والصراع الخارجي للمرأة؛ أي الحياة، في تموقعها بهذا الشرق البائس تختزل الصراع المتراكب بواقعة، مجرد واقعة، تحترق فيها الآمال والمشاعر.
أقول: إن هذا المقال ليس دراسة للقصيدة على الإطلاق؛ وإنما  اتخذتها نموذجًا إسناديًا، وكما قال تودوروف: (النص أذكى من الكاتب، وأذكى  من القارئ)؛  أي بمعنى أن النص يمتلك عالمه الخاص، وقاموس دلالاته  التي تتخطى أحيانا مقاصد الكاتب، ويتنوع  التأويل في عملية  تداولية  من قارئ  إلى آخر، فنصُّ (سعاد محمد)  نصٌّ في غاية الروعة وبحاجة إلى دراسة متأنية وتحليل، ومن ثم الاستمتاع بالشاعرية المبهرة التي تمتاز بها نصوصها، وربما  سأتناوله ،،لاحقًا ،،،
............................................................
إلى نص (سعاد محمد)
سَرْدُ واقعةْ!

(عساكِ بخير؟)
فقط لا غير...
اخضرَّ الهاتفُ ورنَّ قلبي
كلمتانِ بلباسِ النومِ..
بيجاما منقطّةٌ بالألغازْ
والفاعلُ مجهولْ!

العقلُ على البابْ يرمقني بعصا
والقلبُ لبِسَ لوحةَ(الطّفل الباكي)
جائعٌ بينه وبين طيفِ الوليمةِ سوطْ
أوشكَ الوقتُ على حربٍ
والّليلُ محايدٌ كالحظّْ

نجمتان مستعارتان وقعتا في خرائبِ الذّاكرةْ
عدوّتان كصدعٍ في معنى السّحابِ
يهربُ منه السنونو
 بل صديقتان..
وإلّا لمِ كرجَتْ برتقالاتُ أمي في دمي
ورقصَ الرعدُ فوق حقولِ البنفسجْ؟!

من الفاعلْ؟
لا يملكُ أرقامَ هواتفِنا إلّا من داسَ بساطَ العمر ِ
ولا يقتحمُ هذه المنطقةَ الحرجةَ من اللّيلِ..
إلّا من عرفَ حُرمةَ المفاتيحْ

حشدْتُ الأرقامَ المتّهمةَ في قبوِ الظّنِّ
وبدأتُ باستجوابِها
كلُّ من مرّوا بالقلبِ قتلْتُهمْ
أيردُّ الموتُ أمانةْ؟!

آخرُ الأحبابِ نعتني(بالشّمسِ الباردةْ)
قبلَ أن يدفعَني عن جسرِ النّبيذِ
إلى سحيقِ الصّحوِ, وماتْ
حدثَ هذا منذُ نسيانٍ ونَيّفْ!

والّذي سبقَهُ بدهورٍ..
كانَ مصاباً بالرّحيلِ
فقضى دربَهْ
وما بينهما أقلُّ من وحمةٍ على كتفٍ منسيّ!

في آخرِ سَكَراتِ الوجدِ
وجدٌ لأحدٍ أرتّبُ لهُ غزوةً
استعجلُ بها أجَلَ صمتهِ
يتقطّرُ دمُ الصّمتْ..
يرنُّ الهاتفُ
يركضُ قلبي
ذات الرّقمِ..
تضحكُ صديقتي:
تَقبّلي تمرينَ اللّهفةِ هذا!.

 

تعليق عبر الفيس بوك