من يعرف الجوهر؟

 

محمد البادي

 

◄ هكذا نحن دائماً نقارن أنفسنا بآخرين نضعهم قدوة لنا وفق معلومات غير دقيقة

◄ اسعَد بكل نجاحٍ تحققه صغيراً كان أو كبيراً.. وقارن بين أمسك ويومك

 

 

أثبتت إحدى الدراسات العلمية أن الناس تبالغ في نظرتها للأشخاص الناجحين، فقد كشفت هذه الدراسة -والتي أجريت على نحو 600 شخص تم توجيه أسئلة لهم حول أسماء ذات شهرة عالمية- أن 93%‏ من الإجابات كانت تراهم يعيشون حياة هانئة رغيدة مترفة، خالية من المنغصات، بعيدة عن المشاكل والمتاعب. بينما كانت الحقيقة مختلفة كليًّا؛ فكل الأسماء التي شملتها الدراسة كانت لشخصيات تواجه تحديات جسيمة وحياة غير مستقرة، مُنغمسين في وحل عميق من التعاسة والكآبة، ومعظم هؤلاء حاولوا الانتحار إثر مشكلاتٍ كانوا يرزحون تحت وطأتها، ولكن لم يكن أحد يعلم بحالهم إلا من كان قريباً جدًّا منهم.

هكذَا نحن دائمًا، نُقارِن أنفسنا بآخرين، نضعهم قدوة لنا وفق معلومات غير دقيقة، معتمدين فقط على القشور الخارجية التي توحِي لنا أنهم أسعد الخلق على الإطلاق وأنجحهم، وأن ما عندنا أقل بكثير مما عندهم، ولكن في الحقيقة أن الأمور المخفية عنا تكون أرعب وأسوأ. يجب ألا يخدعنا الظاهر. فالكل يتألم، والكل يعاني، وربما معاناة الآخرين أكثر مني ومنك، لكننا لا نعلم؛ لأننا لا ندرك خفايا الأمور.

يقول مصطفى محمود: "لو دخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه، ولرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية، ولما شعر بحسد ولا بحقد ولا بزهو ولا بغرور".

المقارنة عدو النجاح، وهي بلا شَك ألد الأعداء وأخطرهم على الشخص؛ فهي توقد نار الحسد في صدورنا، وتضعف ثقتنا بأنفسنا، وتقوض مهاراتنا، وتدخلنا في دوامة من الإحباط وعدم الثقة بالنفس، ولا أبالغ لو قلت إنها ربما تتحول إلى اكتئاب يقتل طموحاتنا ويقضي على سعادتنا بشكل كامل، وتنسينا كل النعم التي أنعم الله بها علينا، وتلهينا عن مهمتنا الرئيسية التي تتمثل في تطوير ذواتنا، فمتى ما قارنت نفسك بغيرك ستستمر خاسرا، وإذا دخلت هذه اللعبة تأكَّد يا صديقي أنك لن تصل إلى نقطة ترضي طموحاتك، ولن تحقق أهدافك في بناء ذاتك ومستقبلك.

لا يُوجَد أحد كامل على هذه البسيطة؛ فالكمال لله وحده جل شأنه، فقط قل الحمد لله ولا تقارن، وارض بما قسمه الله لك، ودع الآخرين وشأنهم ولا تشغل بالك بهم، انظر للجوانب المشرقة من حياتك؛ فأنت أنت ولست هم، أنت شخص مُتفرد بذاتك تستطيع أن تحقق النجاح مثلما تحقق لهم وفق قدراتك وإمكاناتك، فثق تماماً بنفسك، ولا بد أن تدرك أنك تتميز بأسلوبك الخاص في هذه الحياة.

احْرِص دائماً على تطوير ذاتك بعيداً عن المقارنة بالآخرين، واعمل على تحسين إمكاناتك، وصقل مهاراتك، سيعطيك ذلك شعوراً جميلاً وارتياحاً داخليًّا، احضر ورش عمل، التق مبدعين، اشغل نفسك بهواياتٍ ومهاراتٍ جديدة لتنجز وتحصد ثمرة النجاح؛ وبالتالي تكسب ثقتك في نفسك أولاً، لا تستنزف مشاعرك وأحاسيسك في مواجهات خاسرة، استمتع بيومك، باللحظة التي تعيشها، واسعد بكل نجاحٍ تحققه صغيراً كان أو كبيراً، قارن بين أمسك ويومك، إذا كُنت بالأمس أفضل واليوم لم تلحظ تطوراً، فهناك خللٌ يستدعي مضاعفة جهودك للوقوف على مواطن الخلل ومعالجتها بشكلٍ سريعِ لتستمر في العطاء ولتعش حياةً سعيدةً، ولحظات مليئةً بالخير.

Mohd.Albadi1@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك