"مِكونو" والمسؤولية الاجتماعية

أحمد الشكيلي

لقد قدَّر الله لبلادنا العزيزة أن تُصَاب في جزء غالٍ منها بأنواء مناخية استثنائية نتج عنها الكثير من الأضرار بالبنية الأساسية، وهذا أمرٌ واردٌ في الكوارث الطبيعية، لا سيما الأعاصير والفيضانات، والحمد لله على لطفه ورحمته بالبلاد والعباد.

لا أُريد الخوضَ في تفاصيل الشكر والمديح والثناء لما أبدته الأجهزة الحكومية والمؤسسات الأهلية، وكذلك ما أبداه الشعب العُماني؛ فهذه -ولله الحمد- أخلاقٌ جُبلوا عليها، ومبادئ تربُّوا عليها حتى أصبحت عُمان هي الأهم في حياتهم، يضعونها فوق كل اعتبار، ويبذلون لأجلها الغالي والنفيس؛ فهنيئًا لهذا الوطن بشعبٍ لا يستكين، وهنيئًا لهذا الشعب بوطنٍ كان ولا يزال هاجس قائده وسلطانه.

لقد أَظْهَر إعصارُ "مِكونو" الكثير من الأضرار التي لحقت بالبنية الأساسية للبلد، خصوصًا الشوارع التي تقطعت، والجسور التي تهدَّمت، وخطوط نقل الكهرباء والمياه والاتصالات والخدمات الأساسية، والتي لم يصدُر بشأنها حتى الآن بيان يتوقع فيه المسؤولون التكلفة المالية التي يستلزمها العمل لإعادة الوضع ليكون أفضل مما كان مع احتساب المخاطر التي قد تلحق بمواقع الطرق وخطوط الخدمات في المستقبل، والتعلم مما أفرزته الحالة المدارية لتقليل أي تأثيرات سلبية مباشرة قد تنتج جراء حالات مشابهة لا قدَّر الله.

لقد مرَّت السلطنة بتجربتين مماثلتين في السنوات السابقة من خلال إعصاري جونو وفيت، واللذين كبّدا السلطنة اعتمادات مالية كبيرة للكثير من المشاريع والتحسينات التي استلزمها الوضع آنذاك، كما أن الكثير من المصاريف ذهبت للتعويضات أيضًا، ولن يكون الإعصار الأخير أقل شأنًا في الإنفاق على الأضرار التي لحقت بمحافظة ظفار، وسوف تتكبد الحكومة بلا شك هذه المصاريف على الرغم من الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد وفي ظل سياسة تقليل الإنفاق التي تنتهجها الحكومة.

... إنَّ إعصار "مِكونو" وما أحدثه من أضرار، لا بد أن يكون له دور في تفعيل معنى المسؤولية الاجتماعية لدى مؤسسات القطاع الخاص، التي تَسمن وتتغانى من خيرات هذا البلد العظيم؛ فكم من شركة ومصنع ومتجر تقتات من خيرات البلاد، وكم من مَلايين تُحصد في حسابات هذه الشركات؟ وكم من ملايين تحوّل إلى الخارج، دون أن يكون لهذه المؤسسات أدنى مُسَاهمة مُجتمعية للبلاد، فيجب على هذه المؤسسات أن تستشعر مسؤوليتها، وأن تكون مُساهمتها وطنية خالصة، لا تِلك المساهمات التي تحمل الشعارات البراقة وما هي إلا كذر الرماد على العيون، وكم هو من المؤسف أن تظهر بعض المؤسسات الكبرى والتي تتباهي عبر حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي بأنها ومن باب مسؤوليتها الاجتماعية، فقد خصصت مبلغ 100 ألف ريال عُماني، مساهمةً منها في دعم الأسر المتضررة، في حين أنَّ صافي أرباح هذه المؤسسة للعام 2017م، بعد احتساب الضريبة بلغ 106.8 مليون ريال عُماني.

إنَّ المسؤولية الاجتماعية لهذه الشركات لابد أن يتم تفعيلها، ولابد أن يتم تنظيم هذا الأمر من قبل المؤسسات المعنية بجعله واجبًا لازمًا عليها وفق مبدأ الحقوق والواجبات، ولا يُترك لها المجال لاستنزاف خيرات البلاد فقط دون أن تُبدي أدنى مساهمة منها في تنمية الوطن والمشاركة في إعماره، ولابد أن تتعدى مساهماتها الفتات المادي الذي تقدمه، بل عليها المساهمة القصوى في عمليات البناء، وإنشاء المستشفيات، والمدارس، والطرق، والمنازل للمتضررين، وإنشاء مرافق البنية الأساسية المختلفة بما فيها سدود الحماية والجسور، ودعم كافة القطاعات دون منٍّ أو أذى، وإن لم تتكاتف هذه المؤسسات مع الحكومة في مثل هذه الظروف وتكون ظهيرًا أساسيًّا لها فما الذي يستفيده الوطن منها، وعلى هذه المؤسسات أن تعي أن الوطن ليس للحكومة فقط، الوطن للجميع وإعماره مسؤولية مشتركة.. حفظ الله عُمان آمنة مطمئنة في سلام دائم ونعيم مقيم.

تعليق عبر الفيس بوك