نزهةٌ على هامشِ الزَّمن

ديما ناصر - سوريا


يا أيها الرّفيق ،
إن كنت تقصد الكلم خفّف وطء أحمالك، هنا تجد روحاً عارية ..
كان ذلك في اليوم السّابع، عندما استراح الحب

                      ( مشاهد )

قالوا: إن الزمن ابتدأ - كلمة -
أما أنا ، أحبّ أن أراه فنجاناً سقط من يد عرّافة ، ونحن النساء والرجال شظايا، ما تزال تحاول لملمتها حتّى تكتمل نبوءتها ، أو ربّما لعنتها !

                 - ١ -
كنّا نلعب ، واللّعبة كلمة
الكلمة جسد
مذ صارت بيديه مفاتيح دير الرهبان
السّماء احمرّت أكثر
كنّا نلعب في الغاب
قال: " خذي الغين اجمعيه بلفظة ربّة "
مذ غيّبتها رغبة خذ ، تقطر حمراء و لا خصب
اللّعبة تصلح مشهد أوّل في هذا السفر
ثمّ خرج

      - خروج -
مرّ أسبوع قال:
لا أطيب من ضوع ندى بين النهدين
ما زال في البال ،
كلّما تدحرج الصبح
على ربيع القامة
يتفتّح رعشة
يقطر حتّى سرّة الخلق
هناك
يغفو عصفور
أو ربما نهر
يمتدّ حتّى آخر الشفق
مرّ أسبوع
 يسأل:
ما سرّ الحب؟

   - كون -
قالوا:
أخذت بالرب الشفقة
رجلٌ وحده !
ليكن من الضلع امرأة
لكن،
قومٌ حملوا قوساً ثمّ قتلوا
ما عرفوا
أن نسمة مرّت
النسمة مزجٌ من عطر
مزجٌ من ريق النحل
شيءٌ من خمر
مرّت فوق انكسار الأرض
تحت حطام الوحدة
مرّت والقمر اكتمل
فيها أثر من ضوء
فيها دفء
لمّا صعد برد الوحدة
تكثّف
هكذا صار الجسد
امرأة ...
كانت لمّا عبر القمر
حملت بالأبد
منها الشهقة
في دمها يتناسل الوقت
لو عددت المواسم
لفاح منك
عطر
نهر
سنبلة
حول خصرها مدار
المرأة - الفكرة -
منها العمر
لو تنسى تحسّس المجرى
أبدأ
بالسرّة

     - أم -
كنت أصوغ بضع جداول
من لفظة ماء
لمّا عبر عبق خزامى
اكتفيت بحرفين و ياء

    - لرجل -

يابسةٌ في جوف كفّه
زرعت حنطة
الحنطة سبع سنابل
سنبلة ينسج منها خيط الان
سنبلة كانت للحب
ما زالت تنمو
سنبلة جفّت
ترك الباقي و مضى للحرب
دفع في فم الريح سهماً
لم تقدر إطباقه
هو ذا
اسمعه
 يتناسل العويل !

    - لامرأة -

بلون القمح كانت
بأغنية للحصاد
تهدهد الوليد
من أصابعها ينزّ
دفء رغيف و حدّ منجل
امرأة حبلى بالغد
الغد منذور
للحرب و ناصية خطاب !

              - تأسيس 1-
زارعاً ظل حراب
ظهره للنور
وفي عرض الشوارع
كلّ شهيق قيامة

            - تأسيس 2-

شروقٌ آخر
ظلّ الأقحوان
سياج قبر فارغ

       - تأسيس 3 -

فوق القبور
كم لها بعد أن تنحني
أوراق الآس
أتمتم مبتعدة صوب الغروب
قدَّاس يصدح:
مجدداً لون هذا العالم
غمامٌ عند الشفق !

      -   مشهد آخر -  

لم لا تكون الحكاية:
عصفور غطّ جناحيه في محبرة الفجر
ولمّا غادر ترك اسمك
اقرأه:
الورق مدى
أو ربّما أرجوحة عمر تهدهدها
أصابع لقيا ذات مساء
تشدّ لجام الوقت
فوق جفني أحلام
تشعل ماء القمر أمنية
ثم تهمس:
" كانت أنت "

     رؤيا 1

كم يتشابه برعم ومجرة
البرعم بين يديك يتفتّح
بتلة بتلة
هكذا المجرة !

رؤيا 2

لو رفعت غطاء البئر
لرأيت
عمقاً في سماء

رؤيا 3

منذ صراخك في الوادي
تتشابه كل الأسماء

    حلم

الرب أعطى للراعي قصبة
الراعي جعل فيها سبع ثقوب
و لأصابعه العشرة كانت ريح
لا أعلم من سوّاها عصا !
جعل في طرف شفة
حتّى ترقص في أطراف الأرض
هي كلّ الأرض
امرأة.

       - أوّل جرح -

أعلم أن الصمت
أصدق تعبير في القلب
للشفقة
عارٍ من الحزن امضِ
عارٍ من القول
عارٍ من النحيب
فبعد مئات ومئات الأعوام
سيبقى يصدح أول جرح
    سرّة !

                  ( أصوات )

١ - ما الوقت ؟

الصوت يذوب في السؤال
إذ كلّما مر ببالي سنونو
السنونو يبني بيتاً
ينسل عيدان موت
ينسجها
كلّ طريق مرّ كان
بلاط عودته
حتّى في مدخنة شتاء

- ٢ -
ما عدت أمتلك الأشياء
بين يديها أدور
كفأر هارب
هذا ما ينطقه إنسان
يضع على الرأس قبعة
كان يخرج منها
أرنباً
و ربما إله !

- ٣-
قال العاشق:
مذ صار الكلام
نسيت حبيبتي صوت جسدها
قالت العاشقة:
مذ اعتاد الجسد
نسي حبيبي أوّل آه
قال الجسد
اثنان نسيا الحب !

- ٤ -

كم مزّق شهب
شراع العتمة ثم غاب
هكذا ينزاح حجاب

- ٥-
قالت الدواة:
اصغِ للقلم
بين بياض وثلاثة أصابع
لا تؤسر فكرة
بل أكثر !

-٦-
من أين يأتي الصدى ؟
كلّما ملأت محبرة
عادت أوراق الريح ممزقة
وشاية - مدى -
الصوت يكمله غيابك

-٧-
اسمعْ
صوت الهاوية فراغ
جرّب ارمِ اسمك

-٨-
في الركام
لم أبحث عن باب أو نافذة
كنت أبحث عن ذراعين
أعانق بهما الغد

-٩-
هذا الورق
لن يتسع صوتي
هكذا سقط بعض ضجيج الحرب
ثم تابع
لك أن تصغي في مقبرة !

- ١٠-
كلما أغلق باب
تذكّرت ذات مساء
أصابع أمي
و رنّات سبحتها

-١١-

كان كلّما خطا
رفع عكّازيه
ثم سحب وراءه
أرضاً أحناها ثقل رفاقه
ما حكى أكثر
ما حكى أقل
وحدها خطواته تسأل:
"ما جدوى هذي الحرب؟ "

   ( ضحكة )
 
درويش الحي
يرمي أثمالا
يوزّعها بين ارصفة الجوع
كان أن أمسك ضحكة
قسّم صداها أصداء
أودعها اقبية الحزن
درويش الحي يدور
بابٌ مسكوب بالصلد
بابٌ مزّقه الخوف
بابٌ مفتوح للنهب
وضع عند العتبة
حذاء
درويش الحي لم ينه التطواف
لكن ،
مرّ صاحب آخر باب
وأخذ ضحكته !

-١٢-
عندما ودّعتها كانت
قامتها محنيّة
كأنها قوس
ترمي الآن بسهم الغد
عندما ودعتها
أودعت عندي صوتها
- السنة الفائتة -

موسوم بسوء الطالع
العدد الثالث عشر
لو نطق لقال:
" صوتي أقرب للحزن "

-١٤-
قال الحمام:
كنّا معاً
هذا المدى قنطرة
في طرفيها اخر الغروب
أوّل الغمام.

 
-١٥-
صوت علّقه الفقد
بين شقوق بابي
حتّى كلما مر نسيم صرّ
- للحزن قيامة -

-١٦-

مع إطباق صوت الباب
صحراء الوقت تمتد
لا شيء ينمو في غيابك
إلّا عريشة شوق
بين محبرة وكتاب

-17-
صاحت عاصفة:
انظرْ للأفق
كم يبدو أقرب !
لكن
خوفك ينزّ
ريحاً وغيابًا

-18-

طاحونة
عبثاً امسك فيها
طفل الوقت
الوقت ظل مروحة
تدور
تدور

-19-

كي تستوي اللغة فضاء
بين الصمت و الصمت
اخترعْ محبرة بيضاء
اغمسْ فيها برق الفضة
تقطر ورداً
لخاصرة سمائك ...

-20-

صوت اليقين
هذي اللحظة

- نقص -
قالت محبرة:
السقف واطئ
الليل يكسو أطراف الأصابع
ربما قد يأتي حطاب
يعلق فأسه
وبيده التي قطعت غابة
يقشر العتمة

                         ( الجسد )    

- شهقة -
بالرغم مما خطّ الشعراء
لا أجمل من  هاء الشهقة
سهم ينغرز في الصمت
هكذا كل يُسمع قلمه

   - الرغبة -
انطفاء الوقت في الجسد
كأن تجعل الصباح
يقف عند الشهقة الأولى
تضوّع رائحة دفء
بين أصابع رضيع
الرغبة آهة
تشكّل جسدا
يبدأ زمن

      - نصب تذكاري -
حين مسّهما لهب الحب
الريح فقدت العويل
العري هشاشة الوقت
الغد عتيق
الأمس عتيق
وحده الأبد يتمدد
في الرعشة
حين مسهما لهب الحب
الجسد كون تفتّح
أخف من رائحة الربيع
اأثقل من ماء يقطر الزمن
لا تسأل كيف تكوّن
دعه ينساب
يتمدد ينغلق
  الجسد
نصب تذكاري للهب

    - هاوية -
لم تكن علاقتي بالحب طيبة
كنت أرقبه كنهرٍ جارٍ
ما إن ارتفع و بلّل أطراف ثوبي
صرت مجرى
و هو هاوية

- خريف -
خمد  جمر الوقت
 اعترى الجسد اليأس
احترق بلهب الذاكرة
لمّا  انطفأت
انشغل بعجن الرماد

   - رجم -
الجسد أضيق من صرخة  
عندما هبّت ريح كأمنية
توالد الغبار
عيون مفتوحة على اتساعها
الدمع قطع صلدة تمزّقه
يتشقق افواهاً
قبل رجمك أي حجر
استمع
كلّ هذا العويل

   - ملهاة -
لن تحتاج موتاً
الروح تطفو في الخواء
الخواء أثقل من جبل
أخف من وخز إبرة
يمدّ قامته
يتطاول
ينحني
يتكوّر
اليدان دائماً في الظل
لو أمعنت النظر قليلاً
لرأيت خيطاً ممدوداً الى اللانهاية
هناك تماماً
الروح تطيل الوقوف

-    بعث-
مرجومة بالفراغ
الدقائق تتطاول كالسياط
تتناوب على جلد الذاكرة
جلد الندوب
قيح يتكاثر كالعفن
من ذا يسدّ جرحاً انفتح حتّى اخر الجسد ؟
من ذا يوقف صوت السياط
تضرب بلا مبالاة
عطرا
وردة
موجة
تصعد ،  تتكور ، تلامس جسد الوحدة
تسكب ما جمعته من حزن
تتكئ ، تتناثر ، تمضي
من ذا يعيد للجسد - الجرح -
الغارق بالقيح
المنطفئ بالفراغ
تلك الرعشة ؟

-    لا شيء -
الجسد - صوت الوقت -
على التخوم بين الشيء و اللاشيء
يبدأ كأنه ارتعاشة أول العشب
أوّل الفجر
أوّل الندى
الجسد يمضي
يوغل في الطواف
يدور يدور
مع كل دورة يتساقط شيء
كريح آخر المساء
أول الخريف
الجسد يطقطق
صدأ باب
خشب عتيق
رطوبة
حجر يتدحرج
كلها تنغلق
العتمة تطبق
الجسد مازال
على التخوم
بين شيء و اللاشيء.

-    أمنية -
كنت وددت لو لي جسد
بهشاشة غيمة
ينحتها:
رخام ضوء
ريحٌ
جناح طير غادر سربه
نقر ظلّ الوقت ثم عاد
كنت وددت لو أنه خفيف
لا شيء يأسره الّا صوت الماء
يدور
يستريح حبّة حنطة
 قطرة ندى
فوق زهرة لن اعرف اسمها
لكن تتفتح
ساقية يدنو منها طفل
يسيّر مركبه الورقي
كنت وددت لو يعبر
فوق منفى
يذوّب فيه ركام المتعبين
و يمضي ....

            (أغنيات)
اتعثر بمفردة
أسقط نصا
يقرأه كل من يشتهي تعديله
تغيب شفاهك !

          - وداع -
ذات يوم
ستسافر بين اوراق الدوالي
اجراس صوتي القديم
اعطيك ملء الريح
خوابي
رقص
ذات يوم ستعيد النداءات قوساً
لقلب تمادى في غيابه
ذات يوم
سأسكب تحت جلدك
اخر قطر الحياة
امّا الان دعني انزّه كرمة العشق
حشداً من أغنيات

هي: تدعى قامة الليل
هو: شيء من زيت
بين الموعدين
تسافر أغنية للهب

أغنية
لخيط التبغ
يلف الشهقة
حتى آخر ندائك
 
أغنية لأصابعك
تموج فوق ملح القلب
أقرب للبحر
أرفأ من صدى
غيابك

أغنية للموت
ينشد آخر شهقة حب
 أطفئ  لهب الماضي
الغد يأتي
في أوانه ....

لا جديد
سوى من كانوا لقلبي نشيد
أخذوا ما بقي من وقت
جعلوا من أسمائهم خناجر
كلّما مرّوا
نزّ في صمتٍ طويل
        للعالم

مروراً بالقرّاص
" كم هو لاسعٌ
هذا العالم ! "

تعليق عبر الفيس بوك