رسالة إلى من يهمه الأمر


محمد بو عجيلة - ليبيا


باختصار وقبل أن انخرط في نحت أوجاعنا وآلامنا دعوني أخبركم أن العبقري في حياة الآخرين هو ذلك الفراغ الذي يتركه بعد الرحيل. لا شيء في هذا البيت العتيق يعد كما كان, فلا الرياضة عادت روحها ولا المجتمع يصعد إلى الكهوف المعلقة ويرمم اوشاز الأسلاف، ورغم أن ريح القدر قد أسدلت الستار عن رحيلكم المبكر جدًا دعوني أخبركم بالنبأ الأول والأخير، حيث إنّ الجميع في هذه المدينة يبكونكم والرياح تلف المدينة وكأنها تصرخ لفقدانكم، أما السماء فقد أعلنت الشمس حدادها وغابت عند ساعات الرحيل .. ورغم أنني مُتيقن بأنكم لن تسمعوني .. ولكن نحن جميعًا لسنا بخير! لسنا على ما يرام وفقدان العظماء في فترات قصيرة هو بمثابة زلزال يلتهم معالمنا والأسوأ من ذلك أننا اعتدنا أن يموت المفكرون والمبدعون بعد أن يتحقق حلمهم، وفجأة دون سابق إنذار يقتل الكابوس حلم الجميع، أما وأن يمكث المفكر العظيم في بيته مريضًا في الحقيقة هذا الألم لن يحرك ساكنا كون العظماء والمفكرين أخر ما نفكر به في هذه المجتمع المعلق كما الكهوف الذي عاشها الكاتب الأديب والمفكر؛ هذا المجتمع صاحب أكبر تجمع للأبقار والخيول والكلاب التي عاث في شوارعها الفساد ولم تنتج سوى الروث بين أرجاء الحديقة.
فقط .. نُهدي مبدعينا عند الرحيل تأبينا ونعيًا وكلمات نشتريها من بائعي الهوى وتنكيس الأعلام.
أتذكرون تلك الفرحة العارمة التي ملأت شوارع المدينة، نحن الآن نقف في المكان نفسه ونبحث عنها بين شقوق البنية التحتية ومكبات القمامة عند بوابة الاستقبال فلم أجد أبوابها العتيقة ولا إنارتها المشعة وسط الظلام فكل ما أراه أبوابًا مزيفة ونوافذ مغلقة على واقع بالكاد لا يحتمل!
أعلم أن ما أقصه عليكم، من الممكن ألا تدركوه، أو لم يخطر يومًا على بالكم قط، ولكن وصلنا اليوم إلى أقصى درجات البكاء فنحن حقًا خسارتنا كبيرة ولا تقدر بأي ثمن!
أما أنا فحقًا آسف، لأنني لا أملك سوى قلمي .. ولم يكن بوسعي الإتيان بنص يصف لكم المشهد من أعالي قمم الجبال، فقد تحدثت وتحدث الجميع، ولكن لا أحد يستطيع رسم الحالة التي تعيشها المدينة من حفيف يكسر صمت الحديقة وخرير يشبه صوت البكاء وأصوات الرياح المضطربة.
أما الآن فننتظر بكاء السماء وهجرة الطيور! وقبل الختام أبثُّ رسالتي إليكم … أيها الغائبون الحاضرون… إن الحزن لا يجثو لمجرد الكتابة عنه, فهو يأتي دون موعد يطفئ الشموع ويأسر الشوارع ويحوم على المكان ولا يكتفي بهذا، بل يزورنا في العام مرات عديدة وعند كل محطة نقش عليها ذكرى ما!

 

تعليق عبر الفيس بوك