عمرو عبد العظيم
أود أن أقدم هنا طرحاً عن الأم وفضلها وعظم شأنها في حياتنا، خاصة في عملية التربية التي تقوم فيها الأم بصناعة شخصية طفلها، نفسياً، وسلوكياً، واجتماعياً، وأحَمدُ الله تعالى لاختيار هذا العنوان (الأم مدرسة فأعدها) وهو من قصيدة مشهورة لشاعر النيل حافظ إبراهيم الذي قال فيها:
الأُمُّ مَدْرَسَةٌ إِذَا أَعْدَدْتَهَـا أَعْـدَدْتَ شَعْبا طَيِّـبَ الأَعْرَاقِ
الأُمُّ رَوْضٌ إِنْ تَعَهَّـدَهُ الحَـيَا بِالرِّيِّ أَوْرَقَ أَيَّمَا إِيْرَاقِ
الأُمُّ أُسْـتَاذُ الأَسَاتِـذةِ الأُلَـى شَغَلَـتْ مَـآثِرُهُمْ مَدَى الآفَـاقِ
فلنبحر سوياً في بحرها العظيم، لنستخرج منه اللآلئ والدرر:
قال الله تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" سورة الأحقاف: الآية: 15
يقول الدكتور أبو الفداء عن الأم:" فإن الأم هي الدفء والحنان، والسكن والأمان، ولذا من أراد الجنة فليلتمس سُبلها من تحت أقدامها، ولا غرو فهي القرار المكين الذي احتوانا، وبه ربُنا اصطفانا بالفطرة القويمة، وجعل أفئدة أمهاتنا بنا رحيمة، وكان حقاً أن تكون صُحبتنا لها ثلاثاً، وكلنا يحب أمه كفطرة وحق لها علينا، حتى طعامها لا يُنسى، ولا كلماتها تـُمحى، بل هي عين الطرب، وسحر الهناء، فإن فـُقدت كانت البداية للضنى والشقاء"
وعندما نبحر في بحور حنانها وعطائها، نرى كيف تكون قيادة سفينة الأسرة السعيدة، وكيف هي الأم الملكة المتوجة بالحب والحنان كملكة النحل في بيت من العسل، بالسمع والطاعة، وحسن التربية والتوجيه، فهي ليست المدرسة فقط، بل هي الحياة كلها، بفرحها وترحها، وهي مصنع الرجال والعلماء، والحكماء والنبلاء، فعندما أتذكر أمي رحمها الله فقد كانت مربية لله درها فلأجلها يهزني شعر المتنبي، وهو يرثي أم سيف الدولة بقوله:
وَما أَحَدٌ يُخَلَّدُ في البَرايا بَلِ الدُنيا تَؤولُ إِلى زَوالِ
وَلَيسَت كَالإِناثِ وَلا اللَواتي تُعَدُّ لَها القُبورُ مِنَ الحِجالِ
وَلَو كانَ النِساءُ كَمَن فَقَدْنا لَفُضِّلَتِ النِساءُ عَلى الرِجالِ
وَما التَأنيثُ لاِسمِ الشَمسِ عيبٌ وَلا التَذكيرُ فَخرٌ لِلهِلالِ
وعندما ننتقل لدور الأم في عملية التربية يمكن أن نضع أيدينا على عدة إضاءات في هذا الشأن يمكن تضمينها فيما يلي:
توفير الحنان الذي يجعل الابن إنسانا سويا خاليا من الاضطرابات النفسية، وتكون علاقاته الاجتماعية سليمة وحياته مستقرة. وغرس الثقة بنفسه تجنب العنف والقسوة، والعقاب، لوقايته من العناد، وعدم الطاعة، والانحراف في السلوك. ومساعدة المراهق كي يتعلم القدوة الصالحة في السلوك وغرس القيم، وتكون الأم صديقة لأبنائها وحافظة لأسرارهم، كي تتمكن من مساعدتهم وإرشادهم إلى الطريق السليم في تصرفاتهم. وتجنب الانفعالات والعصبية في تعاملها مع أبنائها، بل تلجأ إلى الحوار والاقتناع بالهدوء والعطف والبعد عن التهديد والأم الحكيمة تخدم أولادها، وتقدرهم، فيخدمونها، ويطيعونها. على الأم أن تتجنب الفرقة في المعاملة بين ابنائها، لوقايتهم من الحقد والغيرة والكراهية، والعنف وسوء معاملتهم لبعضهم.
أسأل الله أن يحفظ جميع الأمهات، ويوفقهن للمشاركة الفاعلة في تربية الأبناء وبناء المجتمع كما يحب ربنا ويرضى.
amrwow2010@gmail.com