دور المدرسة في تعزيز قيم المواطنة

 

د. حمد بن عبدالله البوسعيدي

تقوم العملية التربوية بعدد من الوظائف الهامة للفرد والمجتمع منها المحافظة على التراث الثقافي ونقله بين الأجيال المتعاقبة، وتدعيم التماسك الاجتماعي، وإكساب الأفراد اتجاهات وآليات ثقافية متنوعة، وتساعد على التكيف الاجتماعي، وتطور منهجيات التفكير وتقنيات العمل لدى الأفراد.

والمدرسة كمؤسسة تربوية رسمية تُسهم في تنمية الشعور بالانتماء والمشاركة الإيجابية من خلال مناهجها الدراسية، وما تقوم به من دور في تحقيق الأهداف التربوية للمجتمع كما تقوم المدرسة بتنمية شخصية الطلاب من جميع جوانبها الإدراكية والانفعالية والوجدانية والجسمانية، وترسخ عادات وقيم المجتمع ورموزه لدى طلابها، وتعزز الانتماء للوطن والأمة والإنسانية؛ فالتربية هي عملية قيمية والقيم تصوغ العمل المدرسي وتوجهه.

 ونظراً لأنَّ المواطنة جزء من النسق القيمي للمجتمع فإنِّه يقع على المدرسة دور كبير في تعليم الطلاب قيم المواطنة سواء كان ذلك نظرياً أو تطبيقياً، من خلال عناصر العملية التعليمية كالمناهج والأنشطة وطرائق التدريس ليكونوا مواطنين صالحين في مجتمعهم يؤدون واجباتهم الوطنية بكل جدارة واقتدار.

وبناءً على ما سبق فإن قيام المدرسة بتربية الطلاب على مبدأ المواطنة أصبح من الأهمية بمكان لاسيما في الوقت الحالي وذلك بسبب عدد من المتغيرات الدولية المعاصرة كالتطور العلمي والصناعي، وعولمة الأسواق، والثورة المعلوماتية، والإعلام العالمي، والعولمة، والعزوف عن المشاركة المجتمعية، علاوة على أن تربية المواطنة تنتقل بالمواطن من كونه مواطنا بنص القانون إلى حالة كونه مواطنا إيجابيا في مجتمعه يشارك فيه ويطيع لقانونه، ويؤدي لواجباته، وتربي الطلاب على الإحساس بالمسؤولية العالمية بغرض الحد من تأثير القضايا العالمية على الشؤون المحلية لاسيما في ظل ما يتردد اليوم من مفاهيم توحي بالعالمية مثل (المسؤولية العالمية، والمواطن العالمي).

وفي سلطنة عُمان اعتمدت تربية المواطنة وتعزيز القيم الوطنية على عدد من المرتكزات منها إقرار عدد من المواد الدراسية في مختلف المراحل الدراسية سعت هذه المواد الدراسية إلى غرس مفاهيم العلم والوطن والمواطن والوحدة الوطنية، وتقدير دور الحكومة العمانية في خدمة الوطن، والدعوة إلى السلام والعدل العالميين، ونبذ العنف في حل الخلافات، كما هدفت أيضاً إلى إدراك أهمية الوحدة العربية والتضامن الإسلامي في التصدي ومواجهة مختلف الأخطار الخارجية، وفهم المبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة وأهدافها.

كما أنَّ النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (101/1996) تضمن في مادته رقم (13) أن التعليم في سلطنة عُمان يهدف إلى"إيجاد جيل قوي في بنيته وأخلاقه، يعتز بأمته ووطنه وتراثه ويحافظ على منجزاته"، وترجمة لما ورد في النظام الأساسي للدولة، بدأت خطة تطوير التعليم في السلطنة في عام 1998م، بتطبيق نظام التعليم الأساسي، الذي يُعد من أهم المشاريع التربوية التي تهدف إلى إعادة الهيكلة والتطوير النوعي لكافة عناصر العملية التعليمية.

وواكب هذا التطوير اهتمام كبير بتربية المواطنة على مستوى وزارة التربية والتعليم حيث تم تنفيذ عدد من الورش التدريبية للعاملين في الحقل التربوي حول موضوع المواطنة، كما عقدت ندوة "المواطنة في فكر صاحب الجلالة السلطان قابوس في عام 2007م، وقامت الوزارة مؤخرا ووفقا للقرار الوزاري رقم (634 /2012 ) الصادر بتاريخ 19/11/2012 م بإنشاء "دائرة برامج المواطنة" ومن أهم اختصاصات هذه الدائرة التأكد من المعايير العامة لتربية المواطنة في المناهج الدراسية والتقويم التربوي بالتعاون مع جهات الاختصاص في الوزارة، ومراجعة عناصر تربية المواطنة في المناهج الدراسية، والتعاون مع الجهات المختصة في مجال إعداد المعلم قبل الخدمة وذلك لإيجاد جيل من المعلمين يُسهم بفاعلية في تعزيز قيم المواطنة لدى النشء.

ويشكل الدور الفاعل لإدارة المدرسة في نشر قيم المواطنة لدى الطلبة أمرا في غاية الأهمية؛ نظرا للمتغيرات العالمية الكثيرة المحيطة بالنظم التعليمية بشكل عام، أو نظراً للحاجة الماسة في نشر هذه القيم لدى الناشئة كأحد السبل لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين ومن بينها العولمة بشكل خاص؛ فقائد المدرسة الذي يُعطي اهتماما ملموسا لقيم المواطنة يؤثر في إحساس المعلمين والطلاب بالولاء للمدرسة، ويحرص على إيجاد جو من الثقة والاحترام المتبادل بين جميع أفراد المجتمع المدرسي، ويزيد من إحساسهم بالعدالة والمساواة، مما يولد لديهم الشعور بالمسؤولية تجاه مدرستهم ويزيد من دافعية المعلمين للعمل والطلاب للتعلم.

 

 

Anas.ahmed.49@gmail.com

 

تعليق عبر الفيس بوك