معادلة كيميائية

ريم الحبسي

عرف الجفاف بالتشققات او التصدعات التي تطرأ على بعض الأمكنة عند غياب الماء أو كل رطب. حين نقول جفت الأرض أي غاب عنها المطر، أو حين نقول تشقق السطح أي أن هناك خللا ما في تركيبته وغابت الكيمياء بين عناصره.

سُئل أحدهم عن تعريف الكيمياء، فأجأب بأنها تلك المادة المعقدة التي يدرسها معلمٌ معقد في الصفوف المدرسية، وأن الحصول على درجات علمية ليست مهمة سهلة، كما أن الأمر معقد حين تدمج ذرتي هيدروجين مع ذرة أكسجين لتنتج الماء: لماذا اثنتان وواحدة من أصل غاز والنتيجة سائل؟

كذلك الحياة الاجتماعية تُشبه بنسبة كبيرة العناصر والمعادلات الكيميائية؛ لأنها توجد تفاعلات كثيرة وعميقة بين الناس، وتفقد بنسبة ما تحت الصفر بين الأغلب من البشر، الذي يصعب على الغالبية العظمى من الناس تقبلها واستيعابها.

المعادلة الكيميائية ما هي إلا اندماج عناصر، وتفاعل الهادئ مع الهائج، وتفاعل الصامت مع المتحدث، وقد يتفاعل صامتان أو مُنفعلان لينتجا أمراً صعب تفكيكه وإعادته لوضعه الطبيعي إذا ما انتقص جزءاً كبيراً من ذاته؛ لأن الذات في الكيمياء عادةً ما تفقد وتجبر على وضعٍ لم تهدف إليه أو حال لم ترسم لوحته.

هذه الحال تُشبه كثيراً المجتمع الذي يمضي بخطاه نحو الطرق المسدودة، والطرق غير المظللة، لينتهي به الضياع أو أن يتآكل أسفل أشعة الشمس القوية والمميتة. لنستدلَّ بهذا مثالاً أن ليس على الأم إلا أن ترعى أطفالها، وتساعدهم على رسم أحلامهم وتحقيقها، ولا عليها أن ترسم لهم أحلاماً، فيُصبح على عاتقهم تحقيق حلم لا يعنيهم، ويجبرون على مجالٍ لا يجدون قلوبهم فيه ولا أحد عناصره!

أيضاً إن استوقفتنا وظيفة المحامي، فإنه عنصر درس القانون وتخرَّج وامتهنه، ليساعد العالم على العدالة التي يستصعبونها، ومن ثم يتفاعل مع مظلوم ليأخذ بقضيته، ويبحث عن ثأره بعدل بعيداً عن الظلال، لتكون النتيجة "حكمت المحكمة على المدعى عليه بتعويضٍ وإعدام وسجن..." أخذاً بثأر المظلوم وتحقيقاً للعدالة.

الكيمياء الاجتماعية تُشبه كثيراً أن أحدهم يُكن الكثير من المشاعر، بينما الآخر لا يُبادله هذه المشاعر بالضبط؛ لذلك تحدث مجموعة من التعقدات والمشاكل المطولة والأقاويل اللا منتهية حتى تتضح الصورة بين الطرفين، ليصلا إلى نتيجة الفهم والتفاهم والتفهُّم، وقد تكون النتيجة احتراق علاقة اجتماعية وتحولها إلى رماد؛ أي اصطدام بمشكلةٍ صعبة ومعادلةٌ كيميائية معقدة ومن ثم النهاية.

نعم، وحين نتحدَّث عن معادلة الاشتعال والاحتراق، فإنه ينتج من عملية أكسدة، وهي ما يتفاعل مع الأكسجين بعد أن يفقد جزءاً من طاقته، الأكسجين في المجتمع هو نحلة متذبذبة منافقة، تأخذ من كل زهرةٍ مسكينة رحيقها، وتذهب به إلى شريكاتها، ومن ثم ينتهي بهن المطاف إلى الكذب والغيبة والنميمة والنفاق وكل صفة مكروهٍ فعلها.

إن تناولنا الأصدقاء على سبيل المثال لا الحصر، الذين يعيشون مع أصدقائهم عمراً بين أحاديث ولعب وأكل ونوم وحزن وفرح وحياة بأكملها، ومن ثم برمشة عين يسلبون سمعة، ويحطمون أملاً، ويستبدلون القلب الأبيض ومن بعدها يداهمونك بالاتهامات الباطلة وكأنما أنت الفاسد. الأصدقاء عناصر متشابهة كيميائيًّا مع اختلاف عدد الإلكترونات والصفات البسيطة، ولكن النتيجة احتراق لأن من بين تلك العناصر وُجد الأكسجين!

ما هذه المفارقة الصعبة التي بالكاد تخطر على بال طالب العلوم الذي يصعب عليه استيعاب الحياة، ولا يزال صغيراً غير واعٍ للمتغيرات والتغيرات التي قد تطرأ على عائلته البسيطة وأصدقائه الدائرة المغلقة، وعظمة نظرته لوالديه، ومعلمه المحب؛ لأنها جميعها ممكن أن تتغير بالتفاعلات اليومية وبالزمان والمكان أو أيضاً بوجود غازات تسبب الاختناق.

السموم وُجدت في كلِّ حي من خلق الإله، والطيب ولد في الحياة منذ خلق آدم، ولكن العلوم اكتشفها الإنسان من بعد أن وقعت الوقائع على رأسه واكتشف عظمة الكون ورسالته التي أرسلت بمجرد التأمل والتفكر، ومن ثم ربط خلق الإنسان وتكوينه بهذه الإكتشافات وتوصل الإنسان للنجاح والإنجاز.. الحياة تكمن في كل جزيء من هذا الكون، وتفكيك كيمياء الحياة الصعبة في جيب آدم.

تعليق عبر الفيس بوك