دلالات المهارة في كراسة المحقق والريحاني للخطاط حازم السنجري

...
...
...
...
...


د. حازم عبودي السعيدي - ناقد وفنان تشكيلي

 

عرف الخطاط حازم فرحان السنجري في مدينته ذي قار والعراق والوطن العربي بولعه بالخط العربي متذوقا مجربا باحثا في قضياه على خطى الأوائل من الرواد معجبا ببيئته وشبابها ممن يحملون الرسالة لاعلاء الفنون الخطية ومافتأ ان مارس الكتابة والخط بشغف وميول نفسية سجلها التاريخ وترك بصماته في القلوب وعلى الورق المقهر والإعلانات, إذ لم يكن خطاطا عاديا وإنما احترافي بلغة المهرة والمهارين ويعد الأب الروحي لعدد من الخطاطين ومدرسة خطية واعدة لما لها من أفق ماض وافق آت, تمثلث مهارته في تعقب المعرفة كظاهرة يناغمها ويحاكيها في خلجاته ويدخل عبابها شاكرا لنعم الله التي من عليه منها حينما أشار إلى مقدمة "كراسة التحقيق والريحاني" إنه يعمل برفقة الباري الأعز وسليل نعم الأرض وما شكره إلا فوز للشاكرين وطاعته نجاة للمطيعين تحمله الصلاة على محمد وآل بيته الأطهار, ومن منن الله أن قوض قلوبنا وجوارحنا لطاعته وجعل من أفعالنا تقربا إليه ومرضاة, إذ ذكر أيضا أن من سبقوه لم يتجهوا للكتابة في عرض المنتج الخطي لخطين مندثرين إلا وهما "المحقق" و"الريحاني " في أعمال "أحمد قره حصاري"، و"باسنقر بن تيمورلنك" وحسب قوله إنه جمع بينهما ليتخذ علامة ظهورهما موحدا, كما إن الخط المحقق ترجع تسميته في أصلها إلى الخط المرسوم بقوة ووضوح أو الناتج عن العناية والتدقيق إذ شاع هذا البنوع في زمن "813 _823هجرية " ثم اكتسب بعضًا من التعديل من قبل "ابن مقلة "ووصل إلى درجة الكمال على يد "ابن البواب" ومما يؤكد أن الخط المحقق من الخطوط الرشيقة ذات الجمالية العالية في التنميق والتوازن لما له من سمات المد الأفقي الرفيع المستطيل وما بين ارتفاعات ممدوداتها من الحروف المليئة بالرشاقة والشموخ والجمال واستخدم لفترة أربعة قرون ونيف في كتابة المصاحف. وخط المحقق خط عربي مصحفي تكامل فيه التجويد والتنسيق وأصبحت حروفه المرسومة متشابهة في مداتها متنامية مزينة بالتنقيط والتشكيل بعد أن تساوت فيها ومابينها المسافات بين السطور واستقل كل سطر بحد ذاته, في حين ونتيجة المعاناة وصعوبة توافر الورق بأحجام كبيرة اشتق منه خط "دقيق المحقق"، أو "المحقق الخفي" واستعمل في خط المصحف الشريف الخطوط ذات الأحجام المتناسبة والمسيطر عليها ويذكر أنه كتب بحجم (ملم واحد ).. مرفق المقال بالصور نماذج أعلاه
في حين ظهر الخط الريحاني نتيجة قدرات الخطاط المسلم في التحوير والتغيير والتنظير بالنسب الذهبية للخطوط فتمكن من مشاطرة رفد الخط العربي بانواع منها الريحاني المشتق من خط "المحقق والنسخ "، وقيل إن "ابن البواب" العراقي وهو علي بن هلال أول من كتب به لأنه أسس القاعدة المحقق من قبل؛ بل وأغلب الخطوط التي صاغها, وهنالك من ذكر على أن الخطاط "علي بن ريحان" هو من كتب به في بداية العصر العباسي وسمي نسبة باسم والده "ريحان" إلا أن الروايات تعالت وذكرت أن الريحاني سمي بذلك نسبة إلى أعواد الريحان الموصوفة بالميلان, لقد التقيت "السنجري" في معرض الرواد العاشر للخط العربي الذي أقامه المركز الثقافي العراقي ببغداد.
وُصِف (السنجري) بمحاولاته المتميزة وطموحاته ومقولاته إن فنون الخط العربي حاجة تعبيرية إنسانية تمدنا بالقوة والعطاء كلما أبحرنا في البحث فيها لأننا نكافح ونطور في إنسانيتنا وما خفقات قلوبنا وهفوها لكل جديد إنما هو الثبات بحد ذاته ومهارة تتطلب منها الإبداع وهذا لا يتطلب حمل العصا السحرية وإنما بالجد والعمل نؤلف ونكتب ونخط, نحن في سباق مع الأوائل علينا أن نكون بارين لهم في نشر المعارض والمخطوطات أينما تكن في بقاع المعمورة, وعلى العموم فإن الكتب والمجلات والكراريس الموجودة في مكتبات العالم غير موفية لأثر الخط العربي وغير مقتفية له, وعلينا البحث ومواصلة البحث للإصلاح الشامل الذي يجب فهمه كنتاج فني عالمي إسلامي تتناقله الأجيال إرثا وجيلا بعد جيل بوصف الخط العربي فنًا إبداعيًا إنسانيًا واجتماعيًا يجمع بين الفكر والحس والجمال وينبع من ذاتية الفنان مهما يكن لونه ونوعه واختصاصه معبرا عما يجوب خواطره ونزعاته بوعي ومسؤولية ودقة واتقان.
هكذا استطاع (السنجري) إغناء المكتبة الذاكراتية والوضعية بكراسه "المحقق والريحاني "الجميل ليصبح بداية ناشئة للنقاد والمتذوقين والهواة والمحترفين بما يخدم الإنسان وبما يشكل جمالية ممتعة ومثيرة بعد التطبيق والتمرين باعتمادها دراية معرفية علمية وخبروية تسترسل طواعية الخط العربي بحروفه وكلماته وتراكيبه بوصفه جسدا امتدت به الروح لقرون لا تنتهي ولا تفنى.
تمثل الكراس بـ27صفحة من عنوانها وبدايتها حتى أواخرها, حيث ص6 وجدت عليها بسملة بالخط المحقق تخلو من الميوان الذهبي النطي في حين أن ص7 وسمت بثلاثة أشرطة العلوي منها "رب يسر ولا تعسر رب تمم وبارك بالخير وبه " مع ترتيبها النقطي أبرزها حرف الراء ذو ارتفاع رأسي ب3 نقط وامتداد ذنبي لعشرة نقط في حين توسد الحرف عنقه بنقطة ونصف. أما حرف الباء في "رب " جاء بشكل حرف نسخ وامتداد لسبع نقط ووضعت حركتا الفتحة فوق الراء والكسرة عقب الباء, أما كلمة "يسر "ترويسة الياء لخط الثلث بأقل من نقطة وسحبت الياء لأربعة نقط بضمنها الترويسة وظهر حرف سينها بواقع نقطة ربط بين الياء والسين وبنقطة مابين ركزة سين وأخرى, وحرف الراء برأس نقطتين وامتداد سحبه ب 8 نقط  "ولاتعسر "جاءت رأس الواو عرضه بنقطتين ورقبته واحدة واسترساله ب 8 نقط، أما حرفي "لا " تشابه حروف خط الثلث وانفراج بين الحرفين 8 نقط ... وهكذا نجد أن حروف المخطوطة الشريطية قد أخذت بكلماتها (التسعة) وحروفها (31) امتدادا أفقيا بدأ بارتفاع موحد لجل الكلمات "رب يسر ولا تعسر رب" وهو منتصف المخطوطة بعدها أخذت الكلمات بالارتفاع شيئا إلى أعلى ثم تنتهي ومنها" تمم بالخير وبارك بالخير وبه".كما ظهر الشريط الثاني أسفل العلوي لمجموعة من الحروف بالخط الريحاني لحروف: ((أ,ب,ج,د,ر,س,ص,ع,ف,ق,ك,ل,م,ن)) جملها الخطاط بوضع وحدتين زخرفيتين عية جنباتها اليمنى واليسرى, كما ظهر الشريط الثالث لمجموعة من حروف المحقق وهي: (حرف الألف بطول 11 نقطة مع الرأس المثلث, حرف الباء والتاء والثاء ارتفاع نقطتان وامتداد 6 نقط, حرف الجيم والخاء والحاء رأس ممتد 5نقط وارتفاع 6 نقط, حرف الدال والذال 3 نقط, ثم حروف الراء والسين والضاد والطاء والعين والفاء.
أما في صفحة 8 أيضا ثلاث أشرطة؛ العلوي بخط المحقق لحروف (الفاء والقاف والكاف واللام والميم والواو والهاء, والشريط الوسط بخط الريحاني والشريط الأسفل منه بخط المحقق لـ(لا الياء, وبعض من التراكيب الحروفية من حرفين...وتستمر حروفيات ومخطوطات حتى نهاية الكراس في ص27 بـ(وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب).

 

تعليق عبر الفيس بوك