ضـــربة قــــــدر


نيران الطرابلسي - تونس


أنا وأنت وقميصك البالي والسمفونيةّ الخامسة، ضربة قدر لبتهوفن والشاي فوق الطاولة يحترق فيما نحترق.. والمشاهد المتكرّرة في الذاكرة، كبرنا على اللعب بالورق وعلى البكاء حين نخسر، كبرنا على القفز عراة فوق السرير، و الاختباء في خزانة منزل جدتنا، كبرنا على القبلات الصادقة، كبرنا على الركض عراة بين سنابل القمح.. أحتفظ بجسدك عاريا في ذاكرتي،
 وتحتفظ ببراءتي في قلبك، كبرنا على مطاردة الفراشات الملوّنة و حبسها في ذاكرتنا، كبرنا على صيد اللحظات الهاربة من ساعة حائط منزلك..
ضربة قدر.. ضربة قدر أن أصير إمرأة لم تعرفها يوما وأن تصير رجلا صادفت مثله مرات عديدة..
كنت كلّما أخطأت في نطق الحروف مثلك تضحك، تضحك كثيرا وتسخر من لفظي للكلمات وتقول ضاحكا:
_أعيدي نطق "" الراء""
فأخطئ مرة أخرى وتضحك لغبائي ثم تعانقني بعنف وتقول:
"أحبك هكذا.. أحبّ الحروف حين تحرقها شفتاك فتخرج هكذا"
ضربة قدر أن يجمعنا الزمن في الغرفة نفسها بعد أربع سنوات وأجلس في المكان ذاته أمام النافذة نفسها وأنظر إلى شجرة الزيتون، فيما تبكي عيني للسبب نفسه.. تجلس أنت خلف الباب بقميصك الأسود البالي ذاته، تترقب حدثا لن يحصل كما في المرّة السابقة، فلا أحد يهتم لغيابي.. ولا أحد سيبحث عنك هنا ولن يتجرأ أحد على طرق باب هذه الغرفة لسبب لا يعلمه سوانا، هل ترى عبثيّة القدر...؟ قادني اليأس من أذنيّ إلى هنا وقادك الاشتياق، لكنك لم تجد ما تبحث عنه، لم يبق مني سوى صورتي في ذاكرتك، حتى أنك حاولت كثيرا أن تسأل أين الطفلة فيك؟ لكنّ حديثِي النهائي عن البارحة أجاب على كلّ أسئلتك دون أن تتعب نفسك بالسؤال، مازلت صادقة، كما تعرفني وهذا أكثر ما قد يؤلم..
يمكنك الكذب.. هيّا حاولي.. حاولي ولو لمرة واحدة أن ترضي غروري...
هذه الموسيقى التي جمعتنا قبل أربع سنوات قادتني إلى هذه الغرفة اليوم.. لأقول لك هي ضربة قدر فحسب... ضربة قدر..

 

تعليق عبر الفيس بوك