الاستنساخ الشعري.. أدونيس في"ذاكرة البئر" (2)


عبد الجواد خفاجى – ناقد وروائي مصري

   
حرصًا منا على عدم استطالة البحث ـ في موضوع الاستنساخ الشعري-  إذ البحث غير معنى بالنواحي الكمية، بقدر ما أنه معنى بإثبات الحالة، والتأصيل لمفهوم الاستنساخ، وكذلك التأصيل الإجرائي لإثبات عملية الاستنساخ نفسها ـ اكتفينا بثلاثة نصوص فقط من ديوان الشاعر "جمال عطا" المعنون له "من ذاكرة البئر"، وهى على أية حالة تمثل ـ كميًا ـ خمسين بالمائة من مجموع صفحات ديوانه، كان فيهما الشاعر معنيًا بتكرار النمط بالاستنساخ لا بالخلق الشعري، وإن كان الخمسون بالمائة الأخرى من الديوان مشغولة بتجارب غير نثرية، كان الشاعر معنيًّا فيها باستنساخ تجربة أخرى غير حداثية لشاعر آخر قريب منه جغرافيًّا هو "درويش الأسيوطي".
 في بحثنا هذا سنركز على عملية استنساخ تجربة أدونيس فقط  لريادتها واتساعها، وبحسبنا أننا نقدم جهدًا يمكن أن نُتْبِعه بدراسة أخرى حول نفس الديوان؛ لرصد عملية الاستنساخ الأخرى التي تعامت عن النوعية، أو ربما عميت عندما جمعت بين تجربة أدونيس وتجربة "درويش الأسيوطي" في بوتيك واحد.
حسبنا بعد هذا أننا نقدم جهدًا أتمنى أن يستأنفه البحث النقدي؛ لرصد مثل تلك الظاهرة الشائعة في الشعر العربي المعاصر، كما أتمنى أن يبدأ غيرنا ـ وقد قدمنا ما لدينا بحسب إمكانياتنا ـ بالاشتغال على المصطلح، ومن ثم التأصيل الإجرائي لعمليات البحث في القضية.

أولاً: " صديقى ورقة غير رابحة " تجربة مستنسٍخة :

1 ـ على المستوى النصوصي : (التعابير أو الأسلبة ـ الدوال "الرموز، والإشارات" ـ المدلولات)
وفي هذا الجانب يمكننا التركيز على البنية من حيث كونها دالاً ومدلولاً، ومن ثم يمكننا معاينة الدوال ـ عند جمال عطا ـ في تشابههامع الدوال في تجارب أدونيس،  وكذا حيز ومجال مدلولاتها في تقاطعه مع المجال نفسه عند أدونيس، وفي هذا الصدد يمكننا معاينة التراكيب البسيطة بعلائقها وما تؤديه من غرض داخل السياق، كما يمكننا معاينة الدلالات المشتتة في نصوص جمال عطا، وكيف أن بالإمكان جمع شتاتها من خلال النظر خارجها في الأصل المستنسخ (بفتح السين الثانية).
في نص "صديقي ورقة غير رابحة" للشاعر جمال عطا في ديوانه يقول في مستهل القصيدة: "يمامٌ على لوحةٍ / بقع من دمٍ تتغير بعد قليلٍ من الوقتِ / كنتُ أرى / أن ننام سويًّا بلا رغبة في البكاء / وكان يرى / أن نظل ـ مقيميْنِ ـ في الأرض أكثر مما / يكون / أقول: / لماذا أهيئ جسمي لزنزانة / لست أدرك جدرانها / ربما أكثر الاحتمالات أن أتحمل يومًا / بلا ليلة / أو أكون جبانًا / فأبدو بريئًا من الماء والطين / ساعتها لن أكون أخاك الذي / قد تراه أمامك / حين تراه !! " صـ 44.
 نحن هنا على المستوى التعبيري أمام مفردة "لوحة" وقد أتت نكرة لتثير عدة تساؤلات: هل هي لوحة حقيقية "تابلوه" أم أنها لوحة الأفق المتخيَّلة التي تحتضن يمامًا؟ ثم إن هناك محذوفًا على المستوى التعبيري يمكن توقعه لو أمعنا النظر إلى الصورة التي سقط فيها اليمام مضرجًا بدمائه في الجملة الثانية من المقطع، ومن دون أن يكون التعبير معنيُّا بذكر الوسيلة، أو الكيفية التي سقط بها اليمام مضرجًا بدمائه بعد قليل وقتٍ من الطيران، وغير ذلك ثمة محذوفات أخرى كثيرة منها أيضًا حذف معمولي الفعل الناسخ في قوله: "أن نظل مقيمين في الأرض أكثر مما يكون" والقصد المحتمل: " أكثر مما يكون الأمر واجبًا"، وثمة محذوفات أخرى وارتباك في استخدام اللواحق، سبب إبهامًا في بعض المواضع مثل قوله: "ربما أكثر الاحتمالات أن أتحمل يومًا" وهو يقصد "ربما أن ـ على أكثر الاحتمالات ـ سأتحمل يومًا". وثمة ارتباك في استخدام بعض التعابير من عينة: "قد تراه أمامك حين تراه" وهي جملة ترمي إلى إبراز صورتين للسارد، الأولى آنية والثانية مستقبَلة، وعليه فالمقصود بالقول: لن أكون أخاك الذي تراه الآن وتعهده أمامك، لن أكون هذا الذي  تراه أمامك حين تراني في ذلك الوقت المستقبل وقد برئت من الماء والطين"، ولذلك بدا استخدام الشاعر لـ"قد" استخدامًا متعارضًا مع المعنى الذي  يرمى إليه.
من الواضح أننا بداية أمام ظاهرة انخفاض درجة النحوية التي غالبًا ما تكون سمة النصوص التي ينتجها غير المتمرسين من مقلدي شعراء  رواد قصيدة النثر.
ولن أترك هذه الفقرة الأولى من النص .. فها نحن أمام سارد "راوية" وهو ممثل الذات الشاعرة في الخطاب النصِّي هنا .. هذا السارد يؤكد بداية " كنتُ أرى" ثم بعد سطر آخر: "كان يرى" ليتضح لنا أننا أمام " الأنا" التي تسرد والـ"هو" المسرود عنه، وقد كنا بداية القصيدة مع الـ " هم / اليمام "  المسرود عنه الأول ... هذا المطلع التعبيري الخبري بجملته ربما أتى كتمهيد للإنشائي : " لماذا أهيئ جسمي لزنزانة لست أدرك جدرانها" لنجد أنفسنا أمام حالة من عدم الرغبة في البقاء في حصار هذا الواقع الذي  أضحى "زنزانة" للروح، هذا وقد ورد ما يؤكد قبل هذا رغبة الذات في النوم/ الهروب، بلا رغبة في البكاء.   
أتساءل بعد هذا : ـ ما دلالة الزنزانة ؟ .. هل هي التقاليد والثقافة العرفية وغيرها، أم أنها زنزانة الموت الذي  يحاصر الذات الساردة ويتهددها، وقد جاء مشهد اليمام المضرج بدمائه ليؤكد هذه السمة الخطرة للواقع؟.
السار يؤكد أنه ـ وعلى أكثر الاحتمالات ـ لن يبقى غير يوم بغير ليلة .. تُرى إلى أين سيمضى بعدها؟.
على أية حالة أدركنا أنه قرر ألا يكون جبانًا، وسيتبرأ من الماء والطين (يتحول إلى حالة روحية حسب المفهوم الصوفي) ويودع الأرض الخراب التي يُذبح فيها اليمام البرئ .. ساعتها لن يكون الذي  نراه أمامنا وقد تحول إلى حالة أخرى روحية.. والإشكالية أننا أمام ضمير المخاطب "أخاك ـ أمامك " وربما أنها ضمائر تعود على الصديق الذي  تضمنه عنوان النص، وربما أننا أمام كثافة ضمائر "أنا، هو، هم، أنت" وقد أتت مشتتة (بفتح التاء الثانية) في النص، وأحيانًا مشتته (بكسر التاء الثانية) فالذي يقرأ: "كنت أرى أن ننام سويًا" بعد مشهد اليمام المقتول يظن أن ضميرالفاعل المستتر في "ننام" يعود على السارد واليمام الذي مضى ذكره، ليفاجأ بعد ذلك أن السياق أفصح عن ضمير آخر هو المقصود "كان يرى" أي الصديق، ليتأكد أن الفاعل في ننام هو السارد والصديق وليس السارد واليمام.
 يتضافر مع ذلك ـ على المستوى التعبيري ـ غياب علامات الترقيم غيابًا تامًا، حتى تلك التي من شأنها أن تشير إلى الترابط المعنوي، أو تلك التي تشير إلى نوعية الخطاب مثل علامات الاستفهام، إضافة إلى كثافة الدوال الرمزية (الماء، الطين، اليمام، الزنزانة، اللوحة).
الأسطر الشعرية أيضًا جاءت غير مترابطة نحويًّا، الأمر الذي  أفقدها التدوير، وهو الخصيصة التعبيرية البارزة في النص الشعري الحداثي؛ فالسطر الأول مغلق على نفسه، وكذلك الثاني، وكذلك الفقرة الأولى (بداية من: كنت أرى، وحتى: يكون) جاءت موازية للاستفهام التالي دون وسيلة تعبيرية تحدد علاقة السؤال بالفقرة السابقة عليه، وهكذا ....
   هذا الذي استعرضناه هو مدخل النص، وقد اتضح فيه تدني مستوى النحوية إلى هذا الحد المربك الذي أدى إلى كثير تساؤلات منا، تؤكد بدرجة أو بأخرى صبر أيوب الذي  نستمسك به حيال النص، بقدر ما تؤكد تعثر النص نفسه وقد أتى بغير تسلح بمنطق اللغة (النحو).
من ناحية أخرى يتخذ النص خلفية إيقاعية من "فعولن"، "فاعلن" اللتان تتبادلان التوقيع، مع محاولة الارتكاز على تكرار النمط الإيقاعي "يكون ـ أقول" و"كنت أرى ـ كان يرى" و"جبانًا ـ تمامًا" و تكرار "أكون" مرتين، وهكذا التجنيس الناقص في "كان ـ يكون"  والتقفية المتباعدة "زنزانةٍ ـ ليلةٍ".
وعليه أقول نحن أمام محاولة التنثير التي تتمظهر في تغييب الدلالة نتيجة انخفاض مستوى الدرجة النحوية، مما أدى بدوره إلى تدمير للبنية التعبيرية، بجانب كثافة الرموز التي تتخذ مرجعيتها من عملية ذهنية تخص الشاعر وحده، كل ذلك يتم في إطار من خلفية إيقاعية تحاول أن تبزغ تحت معول تدميري أقوى منها.           
وتنثير الشعر  أشار إليه "الدكتور صلاح فضل" في كتابه "أساليب الشعرية المعاصرة" وهو في معرض حديثه عن تجربة "أدونيس" باعتبارها تجربة ذات نمط تجريدي تنفض يدها من مجمل المستقر لدى المتلقي العربي، وتقفز فوقه لتضرب عليه حجابًا، معانقة أفق كتابة أخرى بعيدة في الزمان والمكان وتستقى ماءها من مصدرين، أولهما : منطقة "القروسطي"، ومن هذا المصدر ارتوت التجربة كثافة رموزها، وأساطيرها، وأقنعتها الإغريقية، ممعنة في الخطو في هذا المنحى ـ ولا غرابة في هذا ـ وقد بدأ الشاعر نفسه ـ ومنذ فترة مبكرة في حياته الشعرية ـ بتغيير اسمه من "على أحمد سعيد" إلى أدونيس، مرتضيا بهذا التماهي أو التواجد مع قناعه الرمزي، ومن ثم لا غرابة أن يكون "أدونيس" هذا الشاب الذي  قرأنا عنه في "مسخ الكائنات" الذي  كتبه أورفيد (43 ق . م ـ 18 م) قناعاً شعريًا يتخفى وراءه على أحمد سعيد ووجوده، فيغيب وراء حضوره، ويكتفي باسمه الأسطوري المشحون بالدلالات، والمكتنز بالأمثولة الرمزية.
وثانيهما : " الحداثة الغربية بعد نسف الجسور الممهدة للتواصل الممدود بالتراث العربي، ومواجهة الفضاء الكوني، دفعة واحدة "(1) ومن ثم "جاءت تجربة أدونيس الفنية كأبرز تأسيس لهذا المنهج السديمي، اقترنت بالرفض والخلق والجنون منذ بدايتها"(2).
 لقد أصبح التجريد سمة التجربة، وخاصية أسلوبية تتحكم في استراتيجية الشعر، ومن ثم فإننا بإزاء تجارب يجد الدارس نفسه فيها ـ على المستوى التعبيري ـ أمام أمرين، حددهما " د. صلاح فضل " في:
1ـ آلية تغيب الدلالة عن طريق كسر النمط المنطقي، بالجمع بين الأضداد المتباعدة عند تشكيل الصور مثل :" الغيم حنجرة "و"الماء جدران من اللهب"
2ـ تكوين مجموعات من المتواليات الصوتية الكفيلة في سياق الشعر التعبيري بتحقيق درجة قصوى من الغنائية، لكنها رغم هذا لا تقوى على توجيه استراتيجية النص، نظرًا لفاعلية آلية التغييب الدلالي. ومن هنا نجد أنفسنا حيال خاصية طريفة في هذا النوع من الشعرية، إذ تنقلب فاعلية العناصر تبعًا للنسق الذي  يتم توظيفها في إطاره، ومن ثم يصبح بوسعنا أن نقول : إن هناك نتيجة ملازمة لتدمير أبنية التعبير على المستوى الدلالي، وتتمثل في إبطال مفعول الغنائية التي تتراكم على المستوى الإيقاعي.
والأمر على ذلك جعل هناك تلازمًا بين انخفاض الدرجة النحوية في النص مع تدنى فعالية المستوى الإيقاعي، وقد دفع هذا الشعراء الحداثيين إلى تنثير الشعر، الذي  يعنى :
انتثار الدلالة وتبدد نسقها الطبيعي الذي  يحول دون التأثير الجمالي للإيقاع الظاهر المرتبط بالأوزان، والإيقاعات الكمية، بما يسهم في خلق التأثير المضاد الذي  يسعى إلى نزع الألفة كلية. وربما لأن ظاهرة تنثير الشعر تقف وراء الاستنساخ، كما تقف وراء الإبهام الدلالي في شعر الحداثة العربية المعاصرة الذي  انجرف نحو التجريف في منطقة عمل جديدة، الأمر الذي ظن معه ناقصو الخبرة أنها منطقة ممهدة للجميع، ويا خيبة ظنهم ! وقد أشار إلى هذه الخيبة "د .عبد الرحمن محمد القعود" في كتابه "الإبهام في شعر الحداثة" بالقول: "ومع أن التجريب ذاته سبب من أسباب الإبهام الدلالي في شعر الحداثة العربية المعاصرة، إلا أن نصوصًا لبعض شعرائها المتأخرين تعد تقليدًا لتجريب روادها. فإذا كان في التجريب الأول مقدار من الأصالة والوعي بطبيعة التجريب، فإن في الثاني مقدارًا من الزيف، كما أن احتمالية الإبهام الدلالي والتخبط الرؤيوي فيه أقوى، وربما لهذا شكا أدونيس من تقليد شعراء الحداثة الذين أتوا بعده"( 3 )
وتجربة شاعرنا ـ موضوع الدرس ـ قد تجاوزت التقليد إلى الاستنساخ الذي سوغه التمادي في التقليد حد تناسي أو تجاهل إمكانيات الخلق الشعري عنده، أو العمل على تنمية وتدعيم موهبته والاستعاضة عن ذلك بالاستنساخ الذي  بدأ من قاعدة التقليد.    
 والإشكالية ستظل بمواجهة عملية القراءة في بقية القصيدة ؛ فالمقطع التالي لما سبق استعراضه بدأ بـ:
" يمامٌ على لوحة / بقع دمٍ تتغير بعد قليلٍ / ليس لها موطن / يا إلهي !! / أراه يصرُّ على أنها / بُقَع دمٍ تتغير بعد قليلٍ / إلى وردة / على بعد خطوة .." صـ 14.
هذه الجزئية بدأت بتكرار السابق .. أي بدأت بتأكيد ما لم تتعين بعد دلالته، إن كان المقصود يمام على وجه الحقيقة، أم أنه استخدام رمزي يفصح عن مدلول آخر. وغير ذلك أضاف إلى الإبهام إبهامًا آخر باستخدام مفردة "وردة" التي تشكَّلت من دم اليمام، الأمر الذي  مهد للأسلوب الإنشائي "يا إلهي !!" الذي  أفاد الإشفاق، وربما الاستغراب، وربما الاستغاثة التي تعنى هنا اللجوء إلى الله بالدعاء كي يعين عقل السارد / المعايِن على فهم ما يعاينه.
المحاولة التعبيرية تتم على مستوى من التجريد، خاصة "بقع الدم" الموصوفة بأن لا موطن لها، فيما نفهم معه أن الأرض جميعها اكتست ببقع الدم، أو لكأنها الأرض هي نفسها بقعة دم كبيرة، أو لكأن الشر الذي  يترصد اليمام ليس له موطن محدد، وقد أصبح قريبًا من السارد جدًا (على بعد خطوة)، يتشكل الشر، لكنما في شكل "وردة" .. لماذا هي وردة ؟ .. أهو الشر الذي  يتزين في شكل وردة، مما يغرى الناظر للوقوع في الشَّرَك / الوردة الشر، في حين أنها في الحقيقة دم ؟.. ثمة تداخل إذن بين "لوحة، بقع، وردة"، أو لنقل مظاهر تعبيرية متعددة  لواحد، الأمر الذي  سوغ أن تأتى القصيدة / الواحد مجزَّأة شكليًا إلى متعدد، مثلما نرى بعد جزئيتي المدخل السابقتين انفراجًا نحو تجزيء النص إلى بُقع: ( بقعة أولى / "الوطن" ـ  بقعة ثانية / "الزمان" ـ بقعة ثالثة / "الناس" ـ البقعة الأخيرة / "المتناثرة" ) وكل بقعة من هذه البقع مجزأة بدورها إلى لوحات: " لوحة (1) ـ لوحة (2) ـ لوحة (3) ....إلخ "
إن هذه التجزئة الأولية والثانوية، والعنونة الجانبية المزدوجة وبصرف النظر الآن عن كونها تتكىء على المشروع الأدونيسي في بناء القصيدة ـ كما سنرى عند الحديث عن البناء ـ تعد عاملاُ من عوامل تشتيت الدلالة أيضًا؛ وتساهم في إخفاء معالمها فوق عدة جبال واتجاهات، تمامًا كطير إبراهيم ـ عليه السلام ـ وعلى القارئ إعادة تجميع الدلالة .. لكأن المراد إرهاق القارئ ـ عمدًا ـ بتغييب الدلالة وتشتيتها في الوقت الذي  يبدو عنصر الإيقاع مهيضًا تحت ركام الدلالة المشتتة.
إن ظاهرة التنثير هذه ستظل سمة ملازمة غالبة في كل النصوص التي نحن معنيون بالنظر فيها، ومن دون أن نكون معنيين بالإشارة إليها أو تحديدها، إذ يكفي أننا قدمنا نموذجًا لها في هذا السياق الذي نحن معنيون فيه بمعاينة الجانب النصوصي، وقد كان لنا مبررنا في ذلك، فأولاً هي تخصنا في هذا الجانب لأنها في الأساس ظاهرة تعبيرية، وثانيًا لأنها تؤكد الرابطة بين نصوص جمال عطا والناثر الشعري الكبير الذي يتم استنساخ أصداف تجربته هنا في هذه النصوص، وثالثًا هي تنفي الأصالة ـ على المستوى التعبيري على الأقل ـ  عن تجربة تتعثر في الطريق الشعري.
 
******
وعود إلى ما نحن بصدده .. نص جمال عطا منذ بدايته يضعنا أمام يمام يُذبح؛ لتتشكل من دمه بقع، وكل بقعة تشكل صورة من صور الواقع المرفوض الذي  تعانى منه الذات الشاعرة / الساردة، ومن ثم هي تستهدفه بالفضح، مثلما نقرأ في البقعة الثانية (الزمان) التي جاء فيها: "ذاكرة التاريخ الآن بلا معنى، كذاكرة الناس" صـ47. أو كما جاء في اللوحة (1)  من البقعة الأولى (وطن) يقول: "كتفاحة رحت تسقط في المنتهى / وعليك السلام / كأن البراري التي / هاهنا / لم تكن هاهنا / يوم أن تطاير حلمك شيئًا / فشيئًا / ويسقط في اللامكان / ترى: كيف تبدو .. كتفاحة رحت تسقط / أو كالمباني القديمة في آخر الوقتٍ / ليس لها في الفضاءات ذاكرة / غير فرح قديم" صـ45.
لسنا معنيين في هذا النص باستعراض ضياع الذات التي تطاير حلمها يوم ضاع الوطن منها، الأمر الذي  جعلها تقرر " ذاكرة التاريخ بلا معنى" ربما هي بلا معنى لأنها لم تكن معنية بتذكر عوامل ضياعها، أو عوامل هذا الخراب، أو لم تكن معنية بتسجيل ما تم، أو يتم من انهيارات على صعيد الوطن والذات، وليس قوله "عليك السلام" إلا إشارة إلى هذا الشعور الدفين بألا سلام يمكن أن يقال، أو يحدث من الآخرين، ومن ثم تقولها الذات لنفسها إذ تسقط كتفاحة، وهى تعي ألا سلام، وقد تم السقوط، هو أسلوب تهكمي إذن من جهة أخرى، وأخيرًا هو يعطى دلالته في الانتهاء والتلاشي التاريخي باعتبار الموقف الذي تقال فيه غالبًا جملة "عليه السلام" فهي دعاء لمن ماتوا وأصبحوا في ذمة التاريخ من الرسل، هذا على افتراض جدلي بأن الشاعر ذو مهمة رسولية، أو صاحب رسالة تسوغ له التقنع بالرسل.
لسنا معنيين أيضًا في هذا النص باستنتاج أو إنتاج دلالة من نوع ما، قد تكون في أغلبها عمليات ذهنية مرهقة، وربما متعسفة في بعض الأحيان، وربما مقاربة في أحيان أخرى لنص يتحدى مثل هذه المحاولات أساسًا.
الذي يعنينا أن أي محاولة ذهنية معتسفة أو غيرها لإنتاج دلالة هذا النص لن تنطلق من هذا النص الذي  نعاينه، بل ستنطلق ـ للأسفٍ ـ من نصوص أخرى لأدونيس، بداية من " اليمام المذبوح "الذي تتشكل من دمائه صور ولوحات للواقع مشكِّلة أمام العقل صدمة كبرى .. صور تراها الذات في واقعها بتاريخيته، وتعبر عنه في النص مجسِّدة ـ في الوقت ذاته ـ نفورها وضجرها، وقد أصبح الواقع مثيرًا للضجر والنفور والأسى ومدعاة للسخرية والتهكم.
إن التوجيه الذهني هنا لعملية التلقي لنص جمال عطا قائم أساسًا على استدعاء توجيه نصي لأدونيس جاء فيه: "يمامةٌ تُذبح في ينبوع / رأيت فيه القمر المقطوع من أوجه الأطفال / والزمن المنكسر المخلوع / والزمن الآتي كالزلزال ... إلخ "(4).
يمامة أدونيس ذُبحت في ينبوع، وأختلط دمها بماء الينبوع، وتشكَّلت على سطحه صور مأساوية، رأى فيها الشاعر/ أدونيس صورة الأمة بما فيها من مآسٍ، واستشرف من خلالها ـ توقعًا وحدسًا واستنتاجًا ـ صورة الزمن الآتي كالزلزال.
"جمال عطا" استنسخ هذه الصورة مستخدمًا الدال الجمع "يمام" بدلا من الدال المفرد "يمامةٌ"، ثم حصر اليمام في لوحة، موقِفًا أي عملية اقتراب ذهني أو تخييلي من دلالة الصورة وقد غير المجال الذي  تتحرك فيه من ينبوع إلى لوحة، ثم قام بتجزىء النص إلى أجزاء عدة مقطعًا أوصال الدلالة الكلية المزعومة حتى الآن.
من ناحية ثانية " الدم " تغير بعد قليل عند جمال عطا، وتحول إلى وردة .. والوردة  ـ بما تحمله من أبعاد جمالية ـ تتحول في المشهد الشعري إلى "وردة دم" لا تحمل غير دلالات الشر، والمآسي، ومهما بدت شكليًّا في صورة وردة / قصيدة. هكذا تشير الدوال عند أدونيس، وليس عند جمال عطا، وإن كان جمال عطا قد أحسن اقتناصها بمدلولاتها.
قصيدة جمال عطا قائمة أساسًا على رؤيتين متضادتين بين السارد وصديقه،الأول ينكر ما يحدث في الواقع ويرى إمكانية الإقامة والتعايش والتعبير عنه من خلال المعاناة نفسها، ومن ثم قد ينتح قصائد / ورد، تعكس أو تتشكل في هيئة المأساة الدموية ومن ثم فهي قصيدة دم / وردة دم. هذا رأي الصديق في حين ترى الذات أن الفرار من الدنيا واجب إلى عالم الروح سواء بالموت أو الانخطاف الصوفي أو التخلي عن العقل بالجنون أو ما شابه ذلك من وسائل قطع الصلة بالواقع، ولنا أن ننظر في أعمال أدونيس لنرى مدلول الوردة عنده والتي أمكننا من خلالها تأويل نص جمال عطا.
يقول أدونيس : "آه يا نجمة الخراب / ويا وردة الدم" وهو يعنى القصيدة ويخصها بالنداء، لكأنه يتبنى لغة من اتهموه بالمخرب العظيم، أو لكأنه قال نعم أنا مخرب عظيم وقصائدي نجوم الخراب، بل أكثر من هذا هي وردات دم، تنبت على نحو ما في تربة واقع دموي. والمقطع السابق لهذه الجزئية من القصيدة يؤكد أن المنادَى حقيقة هو القصيدة، إذ يقول فيه: "سأناقض نفسي /سأضيف إلى معجمي: / لغتي لست منها، فمي / لم يكن مرة فمي "(5)
وغير ذلك هناك عشرات الاستخدامات لمفردة "وردة" في شعر أدونيس، تعطى دلالتها في قصيدته / لغته / نزعته الشعرية الثورية التمردية / تجربته الشعرية .. وما إلى ذلك، ومن هذه الاستخدامات نذكر: "أتخيل أنى  / وردة للتحيُّر جاءت /من جذور بعيدة / كي تشوش أيامها: / شهواتي حقولي / والتمرد ورد القصيدة" (6)  كذلك قوله: "ضحكت وردة / تتقلب في العطر أوراقها / قالت: / اتركوه لتهيامه / يقرأ الغيب في وردة / ويقول الكلام الذي  ليس من كلمات" (7) وفي تعليق لها على هذه الجزئية الأخيرة من شعر أدونيس تقول الناقدة السعودية "أسمية درويش" في تأكيد لها على اندغام الوردة في القصيدة على المستوى الدلالي تقول: "هكذا يحكي الشعر الرفيع، دون أن يحكي، ويقول لنا الحكاية بلغة نوعية هي لغة الصمت لا الكلام" (8) وهى تقصد بالطبع لغة أدونيس حسبما نفهم من سياق مقالها، هذه اللغة النوعية قال عنها أدونيس في المقطع "وردة" .. وفي مواضع كثيرة أخرى من نصه "الكتاب" وفي دواوينه الأخرى كانت مفردة "وردة" تشير بكثرة إلى القصيدة أو لغتها.
الملاحظ أيضاً أن النص عند جمال عطا في هذه القصيدة يمتاح من نص أدونيس في قصيدته "الولد الراكض في الذاكرة" خاصة عند لحظة السقوط أو الهبوط من علٍ .. يقول جمال عطا: " كتفاحة رُحْتَ تسقط في المنتهى / وعليك السلام " صـ45 ويقول أدونيس: "هبطت ذاكرتي من أعلى شجر النخل /سلاماً".
وثمة كثير من الدوال المشتركة في القصيدتين مثل :" ذاكرة ـ بيت ـ صديق ـ الريح ـ الفصول" وثمة استبدال لبعض المفردات بشبيه لها في الجنس مثل: "حمام" عند أدونيس، وعند جمال عطا "يمام"، و"حجر" عند أدونيس، وعند جمال عطا "صخرة"، وعند أدونيس "بيت من  قش" سرعان ما ينهار، وعند جمال عطا "مبان قديمة "  تسقط، وثمة أسلبة متشابهة في صيغة "سلاماً" المكررة عند كل من أدونيس وجمال عطا .
وإذا ما علمنا أن الخطاب عند جمال عطا موجه إلى الصديق وعنه، بدايةً من تخصيص الصديق في العنوان " صديقي ورقة غير رابحة "، والصديق (كان يرى) في مقابل رؤية الشاعر / السارد (كنت أرى) في بعض الأحايين كانت الرؤية متعارضة، وإن كان سير الخطاب يؤكد تلاحم الذات بالصديق خاصة عندما قال: "سلام على بيتنا" ( اللوحة الثانية ـ2 ) مما يشي بأن صورة الصديق هي نفسها صورة الذات الملازمة دائمًا.
إذن صورة الصديق / المخاطًب هي نفسها صوت الضمير/ الهاجس الذاتي الملازم / القرين الذي  يربط الذات بالعالم المرئي ويشدها إليه في مقابل الذات الراغبة في هجرة العالم.
التجربة على هذا تتشابه مع قصيدة أدونيس "الولد الراكض في الذاكرة" التي أكد في كثير من مقاطعها هذا التلاحم بين الذات صاحبة الخطاب والصديق/ المخاطَب تلاحمًا متدرجًا من صداقة توحي بالملازمة إلى المشابهة، ثم إلى التلاحم التام، مثلما يؤكده الخطاب في "سلامًا للصديق الراكض في الذاكرة "ـ" سلاما أيها الصديق اللطيف "ـ" يا شبيهي الولد الراسب في ذاكرتي "...
مما سبق نتأكد أن ثمة تكراراً على المستوى النصوصي لنفس الدوال في تجارب أدونيس المختلفة وبنفس مدلولاتها، ثم اتكاءً نصوصياً على قصيدة بعينها، ومهما أكدنا الاستنساخ على هذا الجانب النصوصي إلا أننا نؤكد أن قصيدة أدونيس تبقى محتفظة باتساع كبير، وأريحية شعرية لا تقارن بما جاء باهتًا عند جمال عطا كجرعة مائعة من نهر أدونيس الزاخر.

2 ـ على مستوى البناء :   

إذا كان ثمة تركيز على البنية ـ على نحو ما سبق ـ فالأمر يستوجب التوقف عند البناء / الهيكل .
" تلتقي البحوث على توصيف الزمن عند أدونيس بخاصية جوهرية هي "الدورية"؛ فالبدء يلتحم بالختام في حلقة كبرى، أو لولبية في احتمالات أخرى" (9) وما بين البداية والنهاية كثير من الدوائر الصغرى التي تؤكد اللولبية في ذات الوقت، وكأننا أمام دوائر لولبية متصلة على هيئة زنبرك بشكل دائرة .
وربما هذا ما يفسر التكرار في قصائد أدونيس، إذ إن كل مقطع متكرر يمثل بداية دائرة صغرى (حلقة)، مثلما أنه يمثل نهاية الدائرة السابقة .
على ذلك النحو نقرأ له "مرثيات الصقر وشواهد قبر ـ الأشجار" عندما يقول: "كل يوم / يموت وراء المقاصير طفل، يموت / زارعًا وجهه في الزوايا / شبحًا تتراكض قدامه البيوت " ـ ثم في بداية مقطع أخر تالي يقول: "كل يوم يجيء من القبر طيف حزين / عائدًا من بلاد المرارة من آخر الأقاصي / ويزور المدينة" .. ثم في بداية مقطع ثالث يقول: " كل يوم / تجيء من القفر جِنِّيَّة الجائعين / وعلى وجهها علامة ـ زهرة أو حمامة".
الملاحظ أن ظرف الزمان " كل يوم " يتكرر ثلاث مرات بتوزيع إيقاعي متوازٍ مع الفعل المضارع التالي له، ليصبح في كل مرة هو نفس البداية وهو نفس النهاية للمقطع السابق له، مما يؤكد أننا أمام دوائر صغرى في البناء الكلى للقصيدة الزنبركية.
من جهة ثانية  يخضع النظام الأسلوبي وتوزيعه عند أدونيس للتناوب بين الخبر والإنشاء، ويكثر الإنشاء الاستفهامي، مثلما تقرأ في قصيدة "أول الشيء" يقول: "كيف أعطيك شكلاً / أيهذا الصديق الذي  لا يزال يعاند؟ / سميتك الشيء ـ قلت: / امتلكتك .. لكنك الآن تنفر / ماذا أسميك؟ / هذا مكانك / غيرت نورك أم أنني / لست نفسي ؟ أأنا أنت ؟ / لكن ضوءك ما زال يسطع ـ كاد الحريق أن يجوس عروقي ملتهمًا كلماتي ـ مهلاً / أين أنى وكيف أسميك ـ أعطيك شكلاً، أيهذا الصديق " (من ديوان: المطابقات والأوائل ).
الملاحظ في هذه القصيدة الاعتماد على تقنية الحوار من طرف واحد مع الصديق، والاعتماد على شبكة من الضمائر موزعة بطريقة مخصوصة، والتناوب بين الخبر ولإنشاء، وما يهمنا أكثر الدائرية حيث بداية القصيدة هي نهايتها أيضًا .
الملاحظ أيضًا حضور الأنا في كامل النص الشعري، لأنها الواصفة والمتسائلة في الآن ذاته. وعن شبكة الضمائر في هذه القصيدة يقول الدكتور مطصفى الكيلاني في معرض بحثه عن المعنى الشعري: " فلا يتواصل الوجود والعدم الشعريان إلا بهذا الضمير " أنا ـ المتكلم " يخاطب ضمير "أنت" أو "أنتم" ويحيل على ممكن ضمير "هو" الذي  قد يعنى امتدادًا للـ"أنا" أو مجالاً يلتقي فيه "أنا" و "أنتم" في حيز دلالي واحد". (10)
والملاحظ أيضاً ـ أن هذا النظام الأسلوبي من استخدام الضمائر شائع في قصائد أدونيس كشيوع استخدامه للإنشاء الاستفهامي في ثنايا الخطاب المتناوب معه، وكشيوع استخدامه تقنية الآخر: الذات المخاطبة (بفتح الطاء) أو الصديق المخاطَب، وأمامي ديوانه "المطابقات والأوائل" وديوانه "كتاب القصائد الخمس" وأستطيع أن أحدد مجموعة من القصائد تتوافر فيها هذه الخصائص البنائية أو هذه التقنيات في البناء مثل قصائد " قاسيون ـ أول الكتاب ـ العهد ـ أول اللقاء ـ بابل ـ أول الكلام ...." وغيرها الكثير.
الملاحظ أيضًا على البناء عند أدونيس ـ وهذا ملحوظ في جميع دواوينه، وما أكده الدارسون أيضًا خاصة في ديوانه (المسرح والمرايا) أن البناء يعتمد على الانتقالات والفواصل التي يعمد أدونيس إلى تنفيذها في قصائده لتخرج مميزة منفصلة، إما بحجم الحرف، أو بكتابتها هامشيًا إلى جانب المتن، أو على يساره، إضافة إلى العنونة الجانبية الكثيرة، أو استخدامه أكثر من بنط كتابي وما إلى ذلك، وثمة ازدواج العناوين، كأن يضع عنوانين للقصيدة الواحدة، أو الجزئية الواحدة من القصيدة . من عينة : ( قدَّاس بلا قصد "خليط احتمالات" ) ثم هناك احتضان للعناوين الفرعية بين أقواس، وغير ذلك كثير من وسائل الإخراج، وإن كان الدارسون لأدونيس يؤكدون أهمية هذا الإخراج في حمل الدلالات إلا أن بعضا منهم يؤكد أن تقطيع أوصال الشكل على هذا النحو هو جزء من تقطيع أوصال الدلالة الكلية التي يتعمَّد أدونيس تبديدها وتشتيتها، وإن كان البعض قد ربط بين هذه الأشكال المؤسطرة وبين الجذر الأساطيري لتجربة أدونيس، غير ملاحظه د. مصطفي الكيلاني في مقاله "وجه نرسيس في مياه الشعر / قصائد المرايا في تجربة أدونيس" في رصده للتجربة عند أدونيس بداية من "أغاني مهيار الدمشقي" إلى "كتاب التحولات والهجرة في أقاليم الليل والنهار" وانتهاء بديوان "المسرح والمرايا" .. يقول: "تلاحظ أن نزوع أدونيس نحو السردي واضح، والحركة في قصائد تمتد، وتتسع، حتى لتشمل الإيقاعات، والأبنية، ومستويات التركيب، أو بناء القصيدة على حواريات بين صوتين أو أكثر، فضلاً على الانتقالات والفواصل" (11)             
هذه الملاحظة التي قدمناها مجتمعه عن البناء في قصيدة أدونيس أدت إلى هدم البناء الأفقي أو حتى الرأسي للقصيدة، وجعلته بناءً سديمياً يسير في عدة اتجاهات مركِّزاً على الكثافة الشكلية والتنوع والانتقالات بما يتفق ـ وإلى حد كبير ـ مع الرؤى السديمية الكثيفة الغامضة التي تدور في النصوص، وبما يتفق مع اتجاهه نحو تغييب الدلالة ـ الذي  بدأنا به الحديث ـ وطمرها تحت ركامات عدة، واتجاهات متعددة، ومواضع مختلفة وعلى القارئ أن يقوم بنفس الدور الذي  قامت به "إيزيس" عندما          جَّمعت أوصال "أوزوريس".
وأمامي على سبيل الاستشهاد قصيدة "بابل" ضمن ديوانه :"كتاب القصائد الخمس" جاءت في ثمانية أجزاء مرقمة باللاتينية بدون عناوين جانبية إذ اكتفي بالتجزيء والترقيم . أما في قصيدة "البهلول" في نفس الديوان فقد جاءت في ثماني نقلات (أجزاء) كل جزء يحمل رقماً لاتينياً بجانب عنوان فرعى موضوع بين قوسين هي: [(موجز الأخبار) ـ (تفاصيل) ـ (استطرادات) ـ (مقدمة لأجوبة) ـ (الموت)  ـ (شاهدة على قبر البهلول) ـ (شاهدة ثانية) ]
صاحبنا جمال عطا لم يخرج عن طريقة أدونيس في بناء قصيدته قيد أنملة فبعد المقدمة التمهيدية في بداية القصيدة لاحظنا على نحو ما سلف القول أنه استخدم التقطيع والعنونة الجانبية والأرقام على النحو :[البقعة الأولى : الوطن اللوحة (1) ـ ... وحتى: البقعة المتناثرة: عاجلاً ـ أبي وأمي ...] مجزئاً القصيدة إلى ثمانية أجزاء خلافاً للمقدمة.
أما عن الملاحظات الأخرى فقد وضح عند بداية الحديث عن القصيدة فيما سبق في معرض حديثنا عن التنثير ... وضح أنها اعتمدت على شبكة من الضمائر تتماثل مع النظام يؤسسه أدونيس على نحو ما سلف توضيحه. وغير ذلك اعتمد على تقنية الآخر/ الصديق ـ الذات / المخاطب، على نحو ما سلف توضيحه أيضاً.
كما اعتمد على النظام الدائري حيث بداية القصيدة هي نهايتها على نحو ما نقرأ في البداية والنهاية المقطع التالي: "يمام على لوحة / بقع من دم تتغير بعد قليل/ إلى وردة /على بعد خطوة". كما اعتمد على الدوائر الصغرى من خلال التكرار فوجدنا في الجزء التمهيدي دائرتين صغيرتين تبدأ كل منها بنفس الجمل المشهدية: "يمام على لوحة ... الخ " كما اعتمد على توالى الخبر والإنشاء الاستفهامي مثل: "لماذا أهيئ جسمي لزنزانة؟ ـ ترى: كيف نبدو / كتفاحة ... ـ ترى : من شطر الناس ـ حتى ارتضوا أن يكونوا / رؤساء من الناس؟".
ماذا بقى إذن عند أدونيس في بناء قصائده لم يستخدمه جمال عطا في بناء قصيدته .. لقد التقط الشائع عند أدونيس من أنظمة بنائية وركَّب على منوالها أنموذجه .
 
3ـ المنطلقات الصوفية :
                من المعروف أن ظاهرة التصوف الشعري عمل من قبيل
الأسلبة فحسب "أي اصطناع الأسلوب الصوفي دون تجربته الغيبية اللاهوتية الحميمة (12) إذ يتبنى الشاعر لغة ذات رصيد ثقافي صوفي، مسترفدة داخل التراكيب والأخيلة متداخلة في مسارات تعبيرية ذات طابع سوريالي في الأساس، مثلما هو الحال في تجربة أدونيس، التي اعتمدت على المنطلقين الصوفي والسريالي للدخول إلى منطقة التجريد كسمة ـ غير عارضة ـ غالبة على تجربته الشعرية.
ومن ثم يمكننا أن نعتبر أن المجال الصوفي موجهاُ من موجهات الرؤية عند أدونيس،
وأسلبة التصوف عند أدونيس تعبر إلى منطقة التخيل المطلق والرؤية  المجردة واللغة التي تعكس هاتين الثنائيتين، وثمة استحضار عمد لعوالم النفري والحلاج وغيرهما، "فنحن نرى في ديوان "كتاب التحولات والهجرة في أقاليم الليل والنهار" استهلالا بعبارتين للنفري، وأبعد من هذا ثمة تناص بين عبارات النفري وعبارات أدونيس، وقصيدته "فصل المواقف" توحي بأنه يستدعى كتاب "المواقف" للنفري، كما سمَّى إحدى مجموعاته الشعرية "مفرد بصيغة الجمع" مستحضرا إحدى موضوعات كتاب "الإمتاع والموانسة" لأبى حيان التوحيدي هو "المفرد في صيغة الجمع" موضوع "الليلة الثلاثين" (13) غير أن مفردة "كتاب" نفسها التي يبدأ بها عناوين كثير من دواوينة، غير ما أصدره مؤخرا يحمل عنوان "الكتاب" هذه المفردة مشدودة إلى تقليد كتابي تواتر في عناوين بعض الصوفية مثل "كتاب التجليات" و "كتاب الأسفار" لابن عربي.
ما يعنينا أن الكتابة التي تنطلق من منطلقات صوفية سواء عند أدونيس أو غيره تحمل رموزها الخاصة، وهى لغة أشارية بحاجة إلى إعمال الذهن والاجتهاد في توظيف التراث الصوفي نفسه، كأن يفسر النص بالنص.
في قصيدة أدونيس "كتاب تحولات الهجرة في أقاليم الليل والنهار" يقول: "مهابط الجسد مصاعده، سهوله ومدارجه التواءاته / أرض الخاصرة المليئة بالنجوم، وأنصافها ببراكين الجمر الأبيض / بشلالات الجموح والشهوة / بعد هذا نتفيأ سرادق الحوض / حيث يستدير كوكب الجنس / يكتمل التحول / يصير ثدياك الليل والنهار"
في هذا المقطع يقول أحد الباحثين: " الهجرة لدى أدونيس لا تتم في المكان بل في جسد المرأه، فيغدو لهذا الأخير أقاليم ومنعرجات، وتضاريس، ومنها يتحدد الزمن، بحضور الشاعر في جسد عشيقته يصنع زمنه، فيصبح الجسد هو الزمن، ويتحول الثديان إلى ليل ونهار، وقد أفاد أدونيس في هذا من تصورات الصوفية عن الزمن"(14) ثم يعود ويؤكد: "ويمكن أن ثنائية الليل والنهار في العنوان من رواية أخرى بوصفها تنويعات لثنائية الظاهر والباطن التي شغلتها الصوفية في خطابها كما في فهمها للوجود" ( 15 ) .. وهكذا نحن نرى محاولات النقاد للوقوف على مدلول الرموز تسير معتمدة على الجهد الذهني التأملي، لكنما قد يساعد النص الصوفي المرجعي ـ الذي  أفاد منه أدونيس ـ في تأويل النص، ولا يخفي علينا أن القطعة التي سقناها هنا من القصيدة تحمل مفاتيح دلالية مباشرة تربطنا بعالم الحس والجنس، لكنما هذه هي خدعة النص الأولى "فالشعراء" الصوفيون هم أبرز من مارس إعادة التشفير اللغوي في الشعر قديما، عن طريق نزع الدلالة الأولى الحسية والدنيوية لكلمات تتصل بمجالات الجنس والخمر وحالات النفس، لإدراجها في أنساق رمزية جديدة مرتبطة بمواجدهم وعالمهم" ( 16 ) وفي محاولة القارئ للوقوف على مدلولات الرموز والتمكن من فك شفرات النص فإنه ـ بجانب الجهد الذهني التأملي الذي  تستحثه وتثيره هذه الرموز عند القارئ فيسعى إلى التعامل معها من داخل المجال الصوفي نفسه ـ يضطر أحيانا إلى تفسير النص بالنص.
فمثلا : في نص أدونيس " مرثيات الصقر وشواهد قبره ـ فصل الأشجار" يحمل الدكتور صلاح فضل على أدونيس لأنه وضع أو اختار لكل مقطع من مقاطع القصيدة العشرة عنوانا يتضمن كلمة شجرة، ويقول :" فكلمة شجرة يمكن أن تتبادل هنا بسهولة مع كلمة "حجرة" التي قد تكون الأنسب منها لأنها شاهد قبر"(17) وينتهي إلى أن مفردة شجرة "هنا فلذة من فلذات أدونيس التي تصنع سياقها وتكون شفراتها ولا تقول معناها . لكنما من يلتفت إلى مقولة "النفرى": "لكل شيء شجرة" (18) يدرك أن سلاسل الأشجار التي يستخدمها أدونيس في العنونة الفرعية ما هي إلا توسيع لقول النفري.
وفي قصيدة أخرى ـ توقف الدكتور صلاح فضل عند مقطوعة من منظومة " وجه البحر" مختارا مقطوعة بعينها تحت عنوان " الأحجار" في معرض حديثه عن أسلبة التصوف عند أدونيس .. والملاحظ أن الدكتور صلاح فضل كان مصرًا عبر اثنتي عشرة ورقة من كتابه "أساليب الشعرية المعاصرة" على أن يصل بنا إلى مدلول كلمة "الحجر" في النص، ومن دون أن يستعين بأية مرجعيات صوفية تعينه على التأويل، ومن دون أن يستعين بنصوص أدونيس الأخرى، ومن ثم وبعد كثير أخماس في أسداس لم يصل إلى شيء منتهيًا إلى أن الحجر شفرة مغلقة.(19)
والحقيقة أن نصوص أدونيس تحفل بكثير من الدوال ذات المرجعية الصوفية، وتحتفي بها، ومن هذه الدوال مفردة "الحجر" وله قصائد كثيرة تحمل في عنوانها مفردة "الحجر" مثل قصيدته "مرآة الحجر" .. والحجر عند أدونيس له مدلولان: أولهما: أحجار الماضي ( الثوابت والأعراف والتقاليد ) مثلما نقرأ في قصيدة "أغاني مهيار" يقول: "إنه كاهن حجري النعاس / إنه مثقل باللغات البعيدة" وثمة أحجار أخرى على النقيض من هذه الأحجار / الماضي هي أحجار الشاعر ذاته / قِيَمَه، ففي قصيدة "مفرد بصيغة الجمع" يقول أدونيس: "أنا الحجر ـ أنا العالم مكتوبًا" وفي قصيدته القصيرة "أورفيوس" يقول على لسان أورفيوس الشاعر المغني: "عاشق أتدحرج في عتمات الجحيم / حجرًا غير أنى أضيء".
وفي الأحجار بنوعيها عند أدونيس يقول "بيير دينو": "يفضل أدونيس على صورة الأحجار ـ مهما كان ثباتها ـ تلك الأحجار التي هي رمز للكائن المتعالي فوق تناقضاتنا" (20)  وربما أن هناك نصوصًا كثيرة تدعم وجهة نظر "بيير دينو" تأني بشكل صريح لتؤكد التحام الحجر بقيم الشاعر، أو حتى بالشاعر نفسه، مثلما نقرأ في قصيدة "مرآة الحجر" .. يقول: "حجرٌ وجهي / ولن أعبد غير الحجر" .
ما يعنينا بعد كل هذا أن شاعرنا جمال عطا انجرف نحو استخدامات صوفية متمثلة في بعض الدوال التي تحمل مدلولها في الماوراء، أو الميتافيزيقي أو ـ كما يقول المتصوفة ـ قبل أن تتجسد الأرواح في الأشباح، وذلك عندما يقول مثلاً: " فأبدو بريئًا من الماء والطين" صـ44 ومن المعروف عند المتصوفة أن البراءة من الماء والطين تعنى التسامي على جبلَّة الجسد إلى حالة روحانية خالصة (نقيض الحلول) وكذاك عندما يقول: " نستطيع الهروب إلى صخرة غائبةٍ أو سراب جديد" ص 48. مستبدلاً "حجر" أدونيس بـ "صخرة" غائبة .. والتساؤل: ما دلالة الصخرة، وما دلالة الغياب؟! والأمر يستوجب أن نسوق المقطع كاملاً .. حيث يقول تحت عنوان جانبي (لوحة 2): "ضجر فوق جسر الحياة / الممات لنا ـ أرحم اليوم ـ منك / ومن صبوة / لا تعيش / إننا خائفون / من الغد أو من سنين تجيء / لذا / نستطيع الهروب إلى صخرة غائبة / أو سراب جديد / الممات لنا أرحم اليوم / من أعين العابرين" صـ48.
في هذه اللوحة يعلن الشاعر عن ضجره من الحياة / الجسر إلى الممات، ولأن كل شيء مصيره إلى موت، وأمام عذابات الحياة يتمنى الشاعر الموت، كتعجيل بالرحمة، ولا داعٍ للتمسك بحياة  يطاردنا ـ دائمًا ـ فيها الخوف من المستقبل، خاصة أننا بإمكاننا الهروب إلى "صخرة غائبة" لا يطالها الموت.
إلى هنا يتوقف التلقي وقد صدمتنا الصخرة الغائبة!.. هل نظل نضرب أخماسًا في أسداس، كما فعل د . صلاح فضل أمام حجر أدونيس؟! .. يمكنني أن أتأول مثلما تأول " بييردينو" حجر أدونيس، وأقول إنها "الحقائق الغائبة عن أعيننا، الثابتة ثبوتًا مطلقًا في عالم الحقيقة / عالم الأرواح" وكأن الشاعر يضعنا أمام خيارين: إما الموت، وإما الانخطاف الصوفي، والترفع عن العالم السفلي الموضوعي المتناقض، وهجرته إلى عوالم صوفية روحانية خالصة، خاصة أن المعطوف على "الصخرة الغائبة" على سبيل التخيير "سراب جديد" بما يدل على الوهم، أو السقوط في دائرة الوهمي والحلمي والظني، وما إلى ذلك من مجالات انبهام العقل.
 القصيدة بلوحاتها المتنوعة تحمل رغبة الانعتاق من العالم الخانق إلى فسحة روحانية مطلقة، وقد أضحى كل ما هو ماثل بمثابة القاع/ المنتهى/ الزنزانة.. خاصة في تساؤله :"لماذا أهييء جسمي لزنزانة / لست أدرك جدرانها"صــ43 كما أضحى التوطن في الأرض سقوطاً كما نقرأ في اللوحة(1) من البقعة الأولى المعنونة (وطن) حيث مفردة "وطن" هنا لا تحمل مفهومها الاجتماعي والسياسي بقدر ما أنها تحمل مدلولها الصوفي / الأرض وطن الروح المؤقت حيث حلت في الجسد (الماء والطين) اللذين يريد أن يتبرأ منهما الشاعر.. يقول الشاعر في هذه اللوحة: "كتفاحة رحت تسقط في المنتهى / وعليك السلام / كأن البراري التي / ههنا / يوم أن يتطاير حلمك شيئاً / فشيئاً / ويسقط في اللامكان .."صــ45 . والملاحظ هنا انفتاح الدلالة على ما هو أوسع من الوطن المحدود بالجغرافيا إلى متسع غير محدد "البراري" وقد كان حلم الروح أن تسقط في اللامكان (المطلق).
وثمة انفتاح مبدئي تحمله الدوال على المطلق أو المتسع غير المحدد بما يعكس حلم الروح للهروب من سجفة الفيزيقا (المكان)، وثمة اتكاء على بعض الرموز الصوفية الأحزى مثل: "البحرـ الريح ـ الفصول" وكلها إشارات تدل على عالم مفتوح متسع، وثمة رغبة في الاتصال بهذا العالم ولو عن طريق الحلم: "وكنت أرى أن أنام طويلا/ بما ليس يكفي / حتى أشكل بحراً جديداًَ / وأثقب في الريح ذاكرة للفصول" صــ46 .. النوم الطويل بما يعنيه ذلك من فرصة لفسحة الرواح التي مهما طال نومها  في الأرض فلن يكفي؛ لأن الزمن محدود، والروح راغبة في الاتصال بـ"اللامحدود".
 وقد نلمس العناية هنا بمفردات هي في الأساس تعطى مدلولها الصوفي الإشاري من عينة: "الريح ـ البحر" تمامًا كما نالت نفس العناية عند أدونيس الذي  يقول: "الريح زفير الفضاء" و "الريح وتر سابح في الفضاء/ وهى نفسها العازف والموسيقى" (21) و "كيف ييأس الزائل/ وطريقة الريح؟" (22) و"خطوات الريح أجراس/ تبقى الفضاء في يقظة دائمة"(23) والريح هي اللغة الدارجة في الطبيعة/ والضوء هو اللغة الفصحى" (24) و"للغبار جسد لا يرقص إلا مع الريح" (25) و"المسار في الغبار أصابع الريح"(26) و"أقرأ في الريح كتاب الأغيار". (27)
وفي تعليق "باتريك رافو" على هذه الشذرات التي يستخدم فيها أدونيس مفردة الريح يقول: "الإنسان في قلب لعبة لا يملك منها إلا بعض المفاتيح وهو ذاته طارح أبدى للأسئلة عن هذه اللعبة، والسؤال لا يستدعى إلا السؤال، ويسافر هكذا مثل الريح التي تجعل من العالم عالماً يفتح إزاء كل سؤال" (28) ربما لهذا يستحق الريح  الشكر: "ينبغي ـ هو أيضاً ـ أن يعرف كيف يشكر الريح"(29) والريح موطنها الصحراء، لهذا تستحق هي الأخرى الشكر:  شكراً للصحراء / مرآة أقرأ فيها وهم خطاي، ووهم الماء"(30) وكذلك يستخدم أدونيس البحر كثيراً كما في قصيدة "صحراء" مثلاً يقول: "استشرف البحر، وأتحدث مع نورس".. إن طقس (البحر ـ الصحراء ـ الريح) بما تعطيه من ملامح جغرافية يقول عنها "باتريك رافو": "في هذه الجغرافيا ليس ثمة موضوع واضح للعيان، تشغله الجدران التي توقف الرياح الهاربة، والتي تختزل الأفق إلى نقطة، في ذرة لا تملك ميزة أن تكون ذرة من شهيق، ذرة من فناء"( 3) إنها الرغبة في الفناء إذن، أن تدخل الذات ملكوت أوسع يربطها بالمطلق وغير المحدود .. يضيف "باتريك رافو": "ينبغي أن تكون فانياً، وألا تكف عن تثبيت النظر على ما هو بعيد، حيث يمكن للانهائي أن يكتسب "وجها".. الجدران والطرقات وشرايين المدن تشبه متاهات لا يسع الشتات فيها إلا أن يكون محدوداً ومتوهماً .. الأمر في هذه الحال يعنى الدوران حول النفس إلى مالا نهاية، وهو شتات مزيف غريب .. الشتات دائماً في جوار المنفى يقتات المكان من الهندسات" (32)
شاعرنا جمال عطا ـ في قصيدته ـ يحمل نفس التوجهات الصوفية الهاربة من هندسات المكان إلى "اللامكان" ومن الذاكرة الآنية إلى "ذاكرة الفصو

تعليق عبر الفيس بوك