حفظ التراث .. مسؤولية وطنية

مدرين المكتومية

ثروة أي شعب في العالم هي حضارته وتاريخه لذلك سمي التراث تراثا لأنه ما أورثنا إياه آباؤنا وأجدادنا من قبلنا؛ الذين حافظوا عليه أجيالا متلاحقة ليسلمونا إيّاه ويسلمونا معه أمانة الحفاظ عليه، ومؤخرا رأينا بعض محاولات لمنازعتنا في ميراث أجدادنا لذلك كانت سعادتي من نوع خاص وأنا أرى تكريم هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية أناسا حملوا الأمانة، وسلموا عددا منها إلينا؛ ليتسنى للباحثين والدارسين والمهتمين التعرف عليها، وأيضا لتقوم الهيئة بدورها في الترويج والتعريف بها في مختلف المحافل داخليا وخارجيا، وهذا ليس أمرا سهلا ولكنه جزء من مسؤوليتها وعملها، وهي مبادرة من أفضل مبادرات الهيئة لأنها ليست فقط تحافظ على التراث وإنما تُحمِّس الناس على التيقن بأهميتها والإحساس الدائم بأنّ التاريخ وكل ما يدل عليه هو ميراث جماعي وليس حكرا على البعض حتى وإن كان يمكن أن يدر عليه عائدا، وأتمنى أن يمتد شمول التكريم لكل من يحافظ على موروثاتنا وكل ما يعبر عن الثقافة العمانية من أغانٍ ومشغولات حرفية وفنون شعبية وأزياء تراثية وكل ما هو عماني.

ويا حبذا لو تمّ تكريم كل من يحافظ على التراث بكل أشكاله، وآمل أن تظل هذه الروح المتقدة حريصة على الحفاظ على التراث العماني، وقد لمسنا ذلك في غالبية أبناء الشعب على وسائل التواصل الاجتماعي وألا تكون فورة وتنتهي، متمنين أن يتم ترجمتها في شكل مبادرة منظمة تشارك فيها كل فئات المجتمع شبابا وكبار سن ونساءً ورجالا لتنتقل الروح للأطفال والأجيال القادمة، لتقدير أهمية موروثهم الحضاري ونقله لمن سيأتي بعدهم. لازالت لدينا فرصة في الحفاظ على ممتلكاتنا حتى لا نمر بتجربة بعض الدول التي باع أفراد منها أجزاء من تراثهم وتاريخهم أمام إغراء المال وعلى سبيل المثال في مصر بيعت قطع يعود عمرها إلى 3000 سنة لدول أخرى قدرتها أكثر من تقدير أبنائها لها.

أتمنى أن يكون هذا التوجه عاما، تؤدي فيه كل جهة دورها المنوط بها. التعليم عليه أيضا دور كبير في إدخال كل ما يتعلق بالتاريخ العماني والتراث في المناهج بطريقة جذابة مشوقة للأطفال. أمّا الإعلام فعليه أن يصيغ تاريخ عمان في جميع القوالب المتاحة سواء كانت على أشكال مقالات أو مواضيع وتقارير تتناولها الصحف الورقية أو موضوعات درامية وغنائية أو أفلام وثائقية مختلفة تقدمها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.

ونعول كثيرا على القطاع الخاص في الحفاظ على الملامح العمانية الإنسانية سوى في المنشآت الفندقية والطابع العمراني والمطاعم، والمنتجات ولا أظن أنّ هناك من سيعترض على استخدام منتج عماني يحمل اسم ملمح من ملامح التراث والتاريخ سواء كان اسم أحد أبطال التاريخ أو مفردات تراثية فنحن حتى الآن لم نر حلوى تدعى "قرنقشوة" ولا مطعم يحمل اسم إحدى الفنون الشعبية أو اسم طريق باسم شخصية تاريخية أو معالم أطلقنا عليها اسم أحد علمائنا، وكل ذلك نستطيع القيام به والعمل عليه واستثماره.

ومن هنا أدعو إلى إطلاق حملة لجمع كل التراث الشعبي وتوثيقه بأشكال مختلفة ووسائل معبرة، يكون فيها الكل شريكا، الصغير يتعلم والكبير يعزز ذلك، وكل الجهات تتكاتف فيما بينها لتقديم كل ما تستطيع.

madreen@alroya.info

الأكثر قراءة