حمود الطوقي
في إحدى دردشاتي مع ابنتي "حلا"، وهي موحية لي بكثير من الأفكار، وخاصة في ظل وجود طفولة تطرح أسئلتها البريئة والهادفة في عُمقها غير الواضح، كانت تركز على أسئلتها حول قصص المجلة، والتي تتحدث عن الشخصيات العُمانية، وكان العدد الأخير من المجلة محور حديثي معها، حيث تناول شخصية القائد العماني المهلب بن أبي صفرة، كانت تتصفح المجلة وتركز على الألوان الزاهية، وتسأل أسئلة عن تركيزنا على (الشخصيات العمانية) ؛ ربما هو سؤال عابر بالنسبة لها، لكنه فتح الذاكرة لدي على العديد من الأفكار حول واقعية عدم وجود توثيق وتدوين لشخصيات عُمان التاريخية، بخاصة الخطاب التاريخي الذي منه نتوجه للطفولة، فبادرت إلى تبني بحث يتلاءم مع ذهنية الصغار، عبر (مجلة مرشد)، لتقديم هذه الشخصية بروح الطفولة، ولتسجيل حقيقتها الممثلة عبر مراجع التاريخ لجيل الأطفال العُمانيين، كي يجدوا في مطبوعة مثل (مجلة مرشد) بعض ما يُعينهم على معرفة تلك الأسماء، فكان غلاف العدد الجديد لـ (مرشد) عن شخصية القائد المهلب بن أبي صفرة.
لذلك، ووقوقاً عند عتبة التاريخ، وانتماء إلى الأحداث التي دونتها المراجع المختلفة، عبر الجغرافيا والحراكات التوسعية، عبر الوثائق التي ظلت مرجعًا ومرجعية للباحثين عن المعرفة الموثقة والمدونة تاريخ الشعوب، يمكننا القول إنّ عُمان، من واقع مسمياتها المختلفة، ظلت حاضنة ومصدّرة للعديد من الشخصيات المؤثّرة والملهمة في الوقت ذاته.
القامات العظيمة في مسيرة التاريخ الكوني عموماً، والعُماني خصوصا، لا تزال تحمل أسماء شخصيات ملفتة ومهمة، من بينها: الملكان عبد وجيفر ابني الجلندي، مرورا بالإمام الجلندي بن مسعود، والإمام جابر بن زيد، فضلاً عن تاريخ السلاطين من اليعاربة كالإمام ناصر بن مرشد والنباهنة والبوسعيد، الذين يمتدون في سلسلة نسبهم إلى الإمام أحمد بن سعيد، الذين شيدوا إمبراطورية يشار إليها بالبنان، بدأت من عمان والخليج العربي، لتصل في امتدادها الهند والسند وتمتد إلى أدغال أفريقيا ودول البحيرات العظمى، مشكّلة خنجرا حادا في خاصرة القوى الاستعمارية التي لم تستطع الاقتراب من السواحل الواقعة تحت السيطرة العمانية، إضافة إلى التاريخ البطولي للقائد العُماني الفذ. المهلب بن أبي صفرة، هو واحد من هؤلاء الرجال القامات النخبة من الأراضي العمانية، على الرغم من محاولات البعض وضع السياق غير الصحيح في النسبة الجغرافية أو التاريخية، فهو عماني المنشأ والهوية والتكوين ومولود في ولاية دبا، إحدى ولايات محافظة مسندم، بحسب بعض الآراء، في حين يرى البعض أنه مولود في ولاية أدم، وهي واحدة من ولايات محافظة الداخلية العمانية، بل ويعتبره البعض - نسبًا - أحد أجداد الأسرة الحاكمة في السلطنة؛ ويصل نسب حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - إلى المهلب؛ ولا ريب، أن النسب الأزدي يعتبر صميمًا في جذوره، وهو النسب ذاته الذي يشكل نقطة ارتكاز جميع القبائل العمانية بحسب التوصيف العربي عبر المراجع في التنسيب التاريخي الاجتماعي، وهو التنسيب ذاته الذي رصد حراك مالك بن فهم نحو عُمان بعد انهيار سد مأرب، وبالتالي توطيد الجذر العربي إلى مراحل أقدم أطنابا في التربة العمانية، بحسب الروايات التي حكت ذلك.
المهلب بن أبي صفرة تصفه الكتب التاريخية وتوثق حياته على أنه رجل حرب، وقائد ذكي، وفاتح إسلامي، وكان له دور كبير في إحدى المراحل التاريخية من عمر الدولة الإسلامية، فوجوده في البصرة، حتى وفاته في خراسان، لم يُلْغِ انتماءه التاريخي العربي العُماني، ولم يخرج من دائرة كونه أزديا عمانيا، تماما كما هو حال البحار العماني والملاح الأشهر في التاريخ أحمد بن ماجد، وغيرهما كثير ممن توثّق مولدهم العُماني، وإن كانوا جابوا أصقاع الأرض ومجاهلها.
أحسنت صنعاً جامعة نزوى ممثلة في مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية الإنسانية، بقيامها بعمل ندوة تعيد الاعتبار - بعد الشطط التاريخي- لشخصية المهلب بن أبي صفرة، ودوره التاريخي، فضلاً عن نسبه العُماني الأصيل، هو بمثابة تأكيد على ركنية الدقة التاريخية وصميمها البحثي، الذي ينسب الفضل لذويه، ويفتح باب الذهن للأجيال العُمانية، لكي يعرفوا الشخصيات المؤثرة في مسيرة تاريخ بلدهم.
هذه الندوة لم تأت من فراغ، بل لأنَّ التاريخ، مجمله ومفصله، ظاهره وباطنه، مسروده والمسكوت عنه، بمثابة أمانة في أعناق الباحثين والعارفين، ولذلك انبرت جامعة نزوى لتكون الركن الشديد الذي يقوم بتصويب وتأكيد ما لا ينبغي أن يناله الشك من بين يديه أو من خلفه، وهو الهوية العُمانية لشخصيات مكينة في التاريخ.
هذا يجعلنا نُجدد الدعوة من أجل العناية بالشخصيات العمانية التاريخية المؤثرة، من خلال الاستفادة من الطاقات البحثية لخرّيجي الجامعات المحلية وغير المحلية من العمانيين والعمانيات، وتحويلها إلى كتب ومواد فلمية توثيقية وتسجيلية، كي تكون في متناول الأجيال العُمانية على اختلافها.