الكرم ليس بملء البطون

 

 

خالد بن علي الخوالدي

يعتقد كثير من الناس أن الكرم هو بذل النفس والمال للضيوف حتى يخرجوا وهم راضون وكروشهم ممتلئة.. وأن البخل كل البخل هو التقصير في الضيف وعدم تقديم ما لذ وطاب من أصناف المأكولات والمشروبات، ولعمري أنها نظرة قاصرة واهتمام بجزء يسير من الكرم وتعريف سطحي له، فالكرم يُطلق على كل ما يحمد من أنواع الخير والشرف والجود والعطاء والإنفاق.

إنَّ الكرم صفة إنسانية ليس لها علاقة بالدين فمنذ الجاهلية كان هناك كرماء يشار إليهم بالبنان..وجاء الإسلام وأقر عددا من الصفات الحميدة والنبيلة التي كان عليها المجتمع الجاهلي ومن بينها الكرم والجود والعطاء والتضحية والوفاء..والكرم أنواع وأصناف ومن حصره بالموائد والولائم والصحون التي تحمل مختلف الأنواع من المأكولات فقد حصر الكرم في الماديات، وهذا تعريف مقتضب وظالم لمعاني الكرم العالية، فالكرم يتخطى هذه المعاني الضيقة فهناك الكرم مع الله ومع نبيه ومع الأهل والأصحاب والأصدقاء والأحبة، والجود والكرم بالمشاعر والعاطفة والكلمة الطيبة والابتسامة المشرقة والقلب الجميل والروح الطيبة التي تكرم من حولها، والكرم بنشر العلم لمن يملك العلم والكرم بمساعدة الفقراء والمحتاجين ماديا ومعنويا، والبخل مع الله ومع رسوله ومع الأهل والأحبة من أبشع صور البخل وأقساها وأسوؤها أثرًا على العلاقات والنفوس؛ فهناك من البخلاء حين تراه ترى وجهه شاحبا ومتصلبا لا يبش ولا يبتسم وكأن الابتسامة يدفع لها مال أو أنه يخاف على وجهه أن يتشقق إذا ابتسم، أو على شفتيه أن تتثلم، وهناك من يعجبه صنيعك وتصرفك ولكنه يشح عليك بكلمة شكر أو تقدير يسعدك بها، وفيهم من يحبك حبا حقيقيا ولكنه يبخل عليك أن يقر لك بهذا الحب أو يعترف لك بهذه المشاعر، وما أروع هدي النبوة وما أرقّه وأرقاه حين يربي النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه على البوح بمشاعر الحب حينما أمر الرجل الذي عبّر عن حبه لصاحبه في غيبته، أن يخبره بحبه له، وهذه من مكارم الأخلاق، ومن صفات العظماء الكرماء النبلاء، فالكرم عطاء وبذل ووفاء وليس شرطا أن يكون بالمال.

ومن أجود الكرم أن تقابل الإساءة بالإحسان وأن تعمل العمل تبتغي منه وجه الله سبحانه ولا تنتظر لمعروفك مقابلاً من أي أحد، ومن الكرم اللين والبسمة والرحابة والبشاشة والقرب من الناس والتحبب إليهم، ومن يستطيع أن يكون كريماً بماله ويبذله في سبيل الخير والفلاح لا يعجزه أن يكون كريما بابتسامته ولين الجانب ولقد وصف الجاحظ أحد الأجواد بأن أخلاقه تسيل رقة وعذوبة وكأن وجهه يحييك قبل لسانه، والكرم بالابتسامة أولى وأفضل وأرقى من كل المأكولات فكما قال الشاعر: بشاشة وجه المرء خير من القرى...فكيف إذا جاء القرى وهو ضاحك.

 وأسوأ البخلاء من يشح على أهله وأحبابه بكلمة طيبة ومشاعر دافئة، ويغلقون على مشاعرهم في صناديق من حديد، ولا أدري مما يخاف هؤلاء هل يخافون على هذه المشاعر أن تنفذ وتنتهي وتتبخر فيبخلون من الكرم بها على من حولهم، اطرحوا التعالي والغرور والكبر، وجودوا على الآخرين بالبسمة والحب والإخاء..

دمتم ودامت عمان بخير.

Khalid1330@hotmail.com