قراءة في جدلية التكافؤ واللاتكافؤ

الحالة الحرجة للمدعو "ك "



الحافظ الزبور - مونتريال


رواية للكاتب السعودي عزيز محمد ..من الرويات المرشحة لجائزة البوكر.. رواية تحاكي "الواقع " بعوالم يقودها وينسج خيوط مداخلها ومخرجاتها اسم مجهول الهوية  (المدعو "ك")..عوالم أركانها  مجهولة ايضا ..امزجتها متقلبة بالكاد ..مفاتنها غامضة إلى حدود الضمور..مآلاتها مستفزة للوجود في حد ذاته ومثبطة لآلام الحرية و إنفلات مخاضاتها ...
يتحرك المدعو "ك" ضمن هذا النظام المحكم ، المنسوج على مقاسات مدبرة ومفبركة في "عيونه" ، التي ترى ولا تريد أن تصمت .. نظام بتفاصيل وأبعاد..وامزجة و تداعيات..و آثار ليس اكثر من غلوها ،  تقليم " اظافر"حرية الفرد..وكيفيات تفكيره..وآليات خوضه تدبير شؤونه ومآلات وجوده ... مع "سبق واصرار " ممن ظنوا انفسهم ..ونصبوها الحلقة الاقوى والاشد ،  والتي على الفرد كفرد وحيد أوحد..أن ، لا يحق له ، أن "يتداعى " خارج خرائطها العجائبية..أو تسول له نبتة تفكير احتجاجي أو حس تمردي ، أن يتجاوز حدود دوائرها ..او يغض الطرف  ،برهة، عن "مبايعة" اوصيائها و مكفلي "معابدها "..وحراسها الاشاوس...( المدير والام والأخت و الاب و الجد والطبيب... ) .كل حسب مواقعه و "حسن " سطوته وسقف "أدواره ".... نظام لا يقل فتكا وهجوما وتمردا معلنا أو صامتا ..شبيه بما  يمكن ان يصيب نظام "جسد" ما ..ل"شخوص" ما .. من "خبث"..منه تتفرع كل  ألوان الفتك والهدم والجبروت و الاحكام والانصياع والخمول  .ولعل مرض "السرطان " الذي أصاب (المدعو "ك" ) فجأة.. كانصياع "محاك " لخيار "بيولوجي "..ما كان ينبغي ان يجسد مأساة لصراع "متكافئ " اول وهلة..بين (المدعو "ك") و قرائنه..الا أن "ك " آثر ان "يسرق النار " و يستبد بالمبادرة  ...  ضمن مساحات تحركاته  و"الاعيبه " على الاقل في ترتيباته الأولية، متلبسا بمساع "حثيثة " وباصرار مدفون  ، متكتم ،  مكشوف ،ارعن وثاقب أيضا.. ودون كلل يذكر  ، لتعديل هذا النظام في فترة ، ولتقويض أركانه وتكبيل امتدادته و صد جماحه .. للحظات اخرى متاحة ..في سبيل رميه خططا عجافا إلى مزبلة "الإبهام " والإهمال والنكوص ..  بتفتيته اربا اربا ..وزرع بدور "البلبلة "..في عصبه ومفاصل جثومه وكل مراسيم  الاذعان لخياراته ومواقفه ومخططاته ؛ لبدائل ارحم ..لعل ابقاها ان يتنفس الاتسان حريته ، ويقود مصائر نفسه بنفسه ..كحل ذاتي ، لذوات سئمت تسلط اخرى ..ولم يجد "ك" بدا لتحقيق "استقلاله الذاتي " سوى التحصن بسخرية سوداء قاتمة ، متفكهة  احيانا ، عنوة وعنادا..ضمن أجواء مطبوعة بالخيبة والإحباط والتدمير...   (نسف مخططات :المدير والزملاء والأخت و الام والاخ والاب والجد وأصدقاء العائلة واصهارها المحتملين   ) ..وذلك بإحجام تام عن قبول كل خيارات هذا النظام المغلق والمقولب على شاكلة طابور خامس لدحض أي انفلات من عقال حبائله ( رفض المكوث بالمستشفى..رفض العلاج .. ) كنموذج تيمة  من تيمات "التمرد المستعصي"... الذي واجه به "المدعو "ك" ..في خضم  معاركه الصغيرة مع  "ابدالاته"ses doubles ..ومعاركه الكبيرة مع ذاته ولذاته ..وهو يحمل "واعيا " عبء  أثقال "جسد" منهك يبعث على "الغثيان " النفسي الخاص والوجودي العام ..ومع ذلك تربع عرشا صامدا ، غير مبال بما يعكر عليه اصطفافه الارعن إلى إثبات "وجود " في حمأة ضعف وخفوت داهم...ظل متكافئا..  دون أن يكل في سعيه المحموم ،لتلقين درس عن "العبث " لجسد ..عروقه ملبدة بكدمات ، من فرط تعرضه لإبر "الكيماوي " المزعجة .. اذ لم يشعره "السرطان " ابدا ، كمرض عضال ؛  انه العابث الاحق بالعبث.. وليس سعيه المستشيط ..لتسخير كل  "قوالب " الشعور واللا شعور (مطالعاته المتعدده عن كافكا وهمنغواي وموراكامي ..) لتقويض هذا النظام الفعلي ...المنشبك حتى الثمالة.. فشغله الشاغل..ظل خلال أوليات الحكي ..تثبيت ذات منكسرة  لم يعجزها في ذلك "خبث " الم بها .. أو ضعف من سقم ارداها "لقمة سائغة" ، طيعة لمساعي نظام ستائره ليست مخملية لاشكلا ولا مضمونه     ، ... وإبان نسجه..  لهذه "المأساة " بوعي كاف ، ومقصود ، ومدبر في آن ...
ومع ذلك لم يخف "ك" في قرارة نفسه ..ومونولوكاته "الجهنمية " مسحة "الملهاة " والسخرية التي تصبغ كل  مواجهاته الصدامية..  وهو متيقن ، انها مواجهات غير "متكافئة " وغير مضمونة العواقب ..كأننا به  يجرب معارك "انسانية"..ضمن تجريبه لمعارك ابداعية...الانتصار بها ، ومنها ،  غير مضمون ولا مكفول لها ..الا انه انتصار  غير مستبعد أيضا..وللصدف كثير من النصيب ... كما للثبات على المبدإ والمصير والقناعات والمواقف وكل "محركات " التفكير المعادية والمستفزة  شأن  ، فإن لآلة التغيير شؤون أيضا.. والعاقبة للممترسين...ادعن "ك" في نهاية الحكي "للتباث"   ..كأن السبيل الوحيد للتغيير هو "الانتظار " ضمن مساحات الثبات المتاحة..   التي  يحدوها الامل غالبا ...وكل معالجة بالصدمات...ليست دائما محمودة العواقب..نجرب وننتظر بثبات ..كل الإمكانيات والاحتمالات ممكنة ضمن جدل"الثابت والمتغير ".....معركة ثابتة تنظر  بكبرياء إلى افق التغيير..خير من نكوص معلن يداس حامله كما يداس نمل سليمان من تحت حوافر احصنته ..
فرغم الألم والوهن من كل لون وسعي..والذي قد يصاب به المرأ على حين غرة وبدون سابق إنذار (تعرض الراوي /الشخصية "المدعو "ك" لمرض السرطان ) في بداية أو  في عز المسير أو في أي محطة من محطات كرونولوجيا العمر البيولوجي ... لن يثني حامله عن الصمود امام مباغتيه بشرا اكانوا ام قدرا ...والامر شأن لكل "الحالات الحرجة "....

 

تعليق عبر الفيس بوك