مُعْجَمُ البَيَانِ الحَرَكِيّ والحَاكِي فِي الْقُرْآنِ (لُغَةُ الجِسْمِ أنمُوذَجًا) (4)


ناصر أبو عون


الجزء 30 - سورة  النازعات – الآيات من (1 -5)
{وَٱلنَّٰزِعَٰتِ غَرْقًا ﴿١﴾ وَٱلنَّٰشِطَٰتِ نَشْطًا ﴿٢﴾ وَٱلسَّٰبِحَٰتِ سَبْحًا ﴿٣﴾ فَٱلسَّٰبِقَٰتِ سَبْقًا ﴿٤﴾ فَٱلْمُدَبِّرَٰتِ أَمْرًا ﴿٥﴾}
(قصة الآية/ المَثَل):
 "هذه الكلمات الخمس يحتمل أن تكون صفات لشيء واحد، ويحتمل أن لا تكون كذلك، أما على الاحتمال الأول فقد ذكروا في الآية وجوها: (أحدها) أنها بأسرها صفات الملائكة، والوجه الثاني في تأويل هذه الكلمات: أنها هي النجوم، وهو قول الحسن البصري، والوجه الثالث في تفسير هذه الكلمات الخمسة أنها هي الأرواح، وذلك لأن نفس الميت تنزع، والوجه الرابع في تفسير هذه الكلمات الخمس: أنها صفات خيل الغزاة" (1)
(المشهد التصويريّ):
(وَٱلنَّٰزِعَٰتِ غَرْقًا) "إغراقا في النزع، أي: تنزعها من أقاصي الأجساد من أناملها وأظفارها أو أقسم بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها; لأنها عراب. والتي تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب من قولك: "ثور ناشط" إذا خرج من بلد إلى بلد، والتي تسبح في جريها فتسبق إلى الغاية فتدبر الغلبة والظفر، وإسناد التدبير إليها لأنها من أسبابه. أو أقسم بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب. وإغراقها في النزع: أن تقطع الفلك كله حتى تنحط في أقصى الغرب، والتي تخرج من برج إلى برج، والتي تسبح في الفلك من السيارة فتسبق فتدبر أمرا من علم الحساب. وقيل: النازعات أيدي الغزاة، أو أنفسهم تنزع القسي بإغراق السهام، والتي تنشط الأوهاق والمقسم عليه محذوف، وهو "لتبعثن" لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة". (2)
(أضواء على البيان الحركيّ ولغة الجسم الإشاريّة):
في هذا المشهد يمهد الله ليوم القيامة الأكبر ويصفه سيد قطب بالمطلع الغامض لكنه "يثير بغموضه شيئا من الحدس والرهبة والتوجس. يسوقه في إيقاع موسيقي راجف لاهث، كأنما تنقطع به الأنفاس من الذعر والارتجاف والمفاجأة والانبهار: والنازعات غرقا. والناشطات نشطا. والسابحات سبحا. فالسابقات سبقا. فالمدبرات أمرا". (3)
إنّ "القسم بملائكة قبض الأرواح عظة لهم وعبرة، والقسم على هذا الوجه مناسب للغرض الأهم من السورة وهو إثبات البعث ; لأن الموت أول منازل الآخرة ، فهذا من براعة الاستهلال". (4)
"إن اللفظ الكريم متسع لما ذكر من المعاني بلا تدافع. ولا إمكان للجزم بواحد; إذ لا قاطع، ولذا قال ابن جرير : الصواب عندي أن يقال: إنه تعالى أقسم بالنازعات غرقا، ولم يخصص نازعة دون نازعة. فكل نازعة غرقا، فداخلة في قسمه ملكا أو نجما أو قوسا أو غير ذلك. وكذا عم القسم بجميع الناشطات من موضع إلى موضع، فكل ناشط فداخل فيما أقسم به، إلا أن تقوم حجة يجب التسليم لها، بأن المعنى بالقسم من ذلك بعض دون بعض، وهكذا في البقية. وكلامه رحمه الله متجه للغاية; إذ فيه إبقاء اللفظ على شموله، وهو أعم فائدة وعدم التكلف للتخصيص بلا قاطع. وإن كانت القرائن واستعمال موادها في مثلها وشواهدها، مما قد يخصص الصيغ. إلا أن التنزيل الكريم يتوقى في التسرع فيه ما لا يتوقى في غيره". (5)
(فَٱلْمُدَبِّرَٰتِ أَمْرًا) إن الله تعالى هو مدبر الأمور وقد كلف سبحانه وتعالى الملائكة بتدبير بعض أمور الخلق، قال ابن عطية: "لا أحفظ خلافًا أنها الملائكة، ومعناه أنها التي تدبر الأمور التي سخرها الله تعالى وصرفها فيها كالرياح، والسحاب، وسائر المخلوقات". وقال البغوي: قال ابن عباس: هم الملائكة، وُكُّلوا بأمور عرفهم الله عز وجل العمل بها".

..........................
المصادر:
(1)    الإمام فخر الدين الرازي - (التفسير الكبير)، المجلد 16،(سورة النازعات)، [ص: 26]
(2)    الزمخشري - الجزء 6 من كشافه [ص: 304].
(3)    سيد قطب – في  ظلال القرآن -  الجزء 6 [ص: 3810].
(4)    الطاهر بن عاشور - التحرير والنوير  - الجزء 31 [ ص: 62].
(5)    تفسير القاسمي  - الجزء 17، [ص: 6042].

 

تعليق عبر الفيس بوك