نحو بيئة صفية ناجحة ومتعاونة

 

سعيد المحرزي

عند دخولك لأحد الفصول وترى الطلاب منهمكين في أداء نشاط تربوي تعلمي يتعاونون مع معلمهم، يتبادلون الأفكار، يساعد بعضهم بعضا، تشعر بشيء من البهجة والسرور لما تراه من تنظيم وتعاون وإنجاز، وهنا يتبادر سؤال مهم: هل هذا التعاون المشاهد هو نتاج صدفة أم أنّه نتاج عمل مخطط وجهد مسؤول من قبل المعلم وإدارة المدرسة؟

إنّ مثل هذا العمل التعاوني لا يأتي إلا بجهد منظم وعمل دؤوب من قبل المعلم وإدارة المدرسة لبناء صف تعاوني مسؤول، اختار فيه المعلم والإدارة والطلاب العمل سويا بصورة تعاونية تشاركية لتحقيق أفضل الأهداف وللوصول إلى أسمى الغايات، فمناخ الصف الجيّد هو مناخ دافئ وداعم يسوده هواء الصداقة والأخوة والقبول، لذا هو مناخ مشجع ومفيد للعمل التربوي.

بينما المناخ الصفي المنفر هو مناخ تسوده الفوضى وعدم التنظيم وينطوي على العديد من العدوانية، والبيئة الصفية التي يسودها التهديد هي بيئة تجعل الطلاب يعملون تحت ظروف الإكراه والتهديد ويكرهون المعلم والمدرسة.

يتفق التربويون على أنّ بيئة الصف الناجح هي البيئة التي يحرص الطلبة على البقاء فيها أكبر مدة زمنية ممكنة، وهي بيئة مغرية منافسة للبيئات الأخرى المغرية للمتعلم، ويمكن تحديد بعض السمات المميزة للبيئة الصفية الناجحة تتمثل في أنها بيئة منظمة ماديا بطريقة تسهل تفاعل المعلم والطلبة وتقلل من فرص التشتت إلى أدنى درجة، كذلك تتضمن صياغة دقيقة وواضحة لحدود سلوك الطلبة في الصف، ويتم تنظيم الأنشطة الصفية التعلمية بطريقة تشجع الطلبة على التعلم الذاتي، والتفاعل النشط مع الأنشطة، كذلك يعي المعلم ما يقوم به الطلبة في كل لحظة تعلمية، وفي كل ما يقوم به الطلبة من أداءات سلوكية صفية.

يعتبر إيجاد بيئة صفية ناجحة ومتعاونة من ثمار الإدارة الصفية الفعالة، ويفترض علماء النفس الإنسانيون في الإدارة الصفية أنّ البيئة الصفية الناجحة هي التي يؤدي فيها الطلبة تعلمهم بكل حرية وجرأة، يخاطرون ويحاولون ويخطئون ويتغلبون على تحدياتهم بأنفسهم وبكل ثقة.

هناك ممارسات تساهم في تحقيق هذه البيئة الإيجابيّة، أهمّها تكوين علاقة إيجابية بين المعلم وطلابه من جهة ومع إدارة المدرسة من جهة أخرى، وقد لخّصت الآية الكريمة في سورة آل عمران نوعية هذه العلاقة، يقول الله تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَو كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } آل عمران159، المتأمل لهذه الآية الكريمة يجدها ميزاناً له كفتان، أما الكفة الأولى ففيها صفات الإيجاب التي تحققت بفضل الله تعالى في رسوله الكريم "فبما رحمة من الله لنت لهم" والتي يجب على كل معلم يريد النجاح لمهمته التربوية والتعليمية أن يسعى لتحقيقها.

إن صفتي الرحمة واللين من أهم الصفات التي ينبغي على كل مسلم أن يتحلى بها خاصة المعلمين لأنّهم هم مشاعل الخير والرحمة.

وأمّا الكفة المقابلة ففيها صفات السلب وهي القسوة والشدة والتي تنزه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي ينبغي على كل معلم الابتعاد عنها واجتنابها لأنها ستفقده رسالته التربوية والتعليمية. 

علماء النفس المهتمون بمرحلة الطفولة يؤكدون على أن المعرفة الحقيقية للطفل تتكون فقط في جو المحبة، وهذا ما يفرض شكلاً محدداً للعلاقة التي تربط ما بين المعلم والأطفال، لذلك يحتاج الطفل إلى الجو الإنساني كي يتعلم ويبدع وقضية التعليم ترتبط مع التربية تلك التي تحمل بذور التأسيس للسلوكيات الضرورية لبناء الشخصية المتوازنة في المجتمع، من هنا فإن لشكل العلاقة تأثيرها التربوي والتعليمي.

يفضل الطلاب المعلمين المعروفين بأخلاقهم العالية وتواصلهم الراقي، فالطلبة الذين يشعرون بمحبة معلميهم يحققون إنجازا تعليميا عاليا وعلى النقيض تماما نجد أن الطلاب الذين يشعرون بقلة محبة معلميهم لهم أقل دافعية للتعلم وأقل إنتاجية، وللمقال بقية للحديث عن ممارسات أخرى مهمة جدا لتحقيق بيئة صفية ناجحة ومتعاونة.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك