سؤال في التفسير:

وقفة لغوية وبلاغية مع آية قرآنية (30)


أ.د/ سعيد جاسم الزبيدي – جامعة نزوى


سألني تلميذي النجيب عن السّر قي قوله تعالى (سلام) على خمسة من أنبيائه ولم يقل ذلك مع (إلياس)، و(لوط)، و(يونس) ثمّ أجمل المرسلين فقال: (سلام على نوح في العالمين. الآية 79 من سورة الصافات).
وقوله: (سلام على إبراهيم. الآية 109 من سورة الصافات).
وقوله: (سلامٌ على موسى وهارون. الآية 120 من سورة الصافات).
وقوله: (سلامٌ على إل ياسين. الآية 130 من سورة الصافات).
وقوله: (وسلامٌ على المرسلين. الآية 181 من سورة الصافات).
للإجابة على سؤالك لا بد من الوقوف على مقدمات تفضي إليها ومنها:
ورود مفردة (سلامٌ...) مرفوعة منونة في القرآن:
وإذا جاءك الذين يومنون بآياتنا فقل سلام عليكم... (الأنعام: 54)
وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم... (الأعراف: 46)
دعوتهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام... (يونس: 10)
ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاماً قال سلام... (هود: 69)
سلام عليكم بما صبرتم... (الرعد: 24)
... تحيتهم فيها سلام... (إبراهيم: 23)
... يقولون سلام عليكم... (النحل: 32)
وسلام عليه يوم ولد... (مريم: 15)
قال سلام عليك... (مريم: 47)
قل الحمد لله وسلام على عباده... (النحل: 59)
... سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين (القصص: 55)
تحيتهم يوم يلقونه سلام... (الأحزاب: 44)
سلام قول من رب رحيم (يس: 58)
سلام على نوح في العلمين (الصافات: 79)
سلام على إبراهيم (الصافات: 109)
سلام على موسى وهارون (الصافات: 120)
سلام على إل ياسين (الصافات: 130)
سلام على المرسلين (الصافات: 181)
وقال لهم خزنتها سلام عليكم... (الزمر: 73)
فاصفح عنهم وقل سلام... (الزخرف: 89)
إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام... (الذاريات: 25)
فسلام لك من أصحاب اليمين (الواقعة:  91)
سلام هي حتى مطلع الفجر (القدر: 5)
لقد وجدنا بعد الاستقراء أنها وردت بهذه الصورة ثلاثاً وعشرين مرة، كانت دلالتها التحية عدا ما ورد منها في سورة الصافات، وهذا ما سنبينه في الفقرة الآتية.

دلالتها اللغوية:
لم أجد في معجمات اللغة، أو في معجمات ألفاظ القرآن ما يتفق ودلالة (سلام) في الآيات موضوعة السؤال، وأرى أن الدلالة التي انتزعها المفسرون من السياق: الثناء الحَسَن الجميل، والدعاء بقرينة (تركنا عليه...) يجري على لسان الأمم حتّى قيام الساعة (1)
ويدعون له، وهو من الكلام المحكي، كقولك: قرأت (سورةٌ أنزلناها)، وهذا الذي قاله قول الكوفيين، جعلوا الجملة في محل نصب مفعولاً بـ (تركنا) لا أنه ضُمّن معنى القول، بل هو على معناه بخلاف الوجه قبله، وهو أيضاً من أقوالهم، وقرأ عبدالله بن مسعود: سلاماً وهو مفعول به بـ (تركنا)" (2)
وأقول: إنّ قول الكوفيين هو قول الفراء (ت207ه) (3) وهو ما أختاره إذ يتفق والسياق، وربطها بالآية سابقتها.
-    سياقها:
وذهب أهل التفسير والإعراب إلى ربطها بالآية التي سبقتها: (وتركنا عليه في الآخرين)، فقد تكررت أربع مرات: الآيات: 78، 108، 119، 129، فقرأ عبدالله بن مسعود (ت32ه) (سلاماً) (4) في ضوء الملاحظ، وعدّ الفرّاء (ت207ه) النصب صواباً
ومنهم من عدّ (سلامٌ على نوح...) جملة مستأنفة قال بها: عبدالله بن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي (5)
ومنهم من عدّها جملة "دعاء بثبوت هذه التحية في الملائكة والثقلين جميعاً" (6)،     ومنهم من عدّها إنشاء (7) وما نختاره من هذا ترابط الآيات، وهذا التناسب بينها، وما يترشح من دلالة.
يتضح لك مما تقدم:
أولاً: أن المراد من الآيات (سلام...) على:
-    نوح، الأب الثاني للبشرية بعد آدم.
-    إبراهيم، من شيعة نوح.
-    موسى بن هارون، من عباد الله المؤمنين.
-    إلياسين، من عباده المخلصين.
-    أمّا إلياس، ولوط، ويونس فمن المرسلين، الذين عناهم بقوله: (وسلام على المرسلين).
ثانياً: إنّ هذا الذكر الخالد والثناء الجميل: لنوح، وإبراهيم، وموسى، وهارون، وإلياسين، ولوط، ويونس، ويونس، يجرى على لسان الأمم حتى قيام الساعة، تعليماً للمؤمنين أن يقولوا ذلك ولا يخلوا به أو يغفلوا عنه (8)
وبهذا يتجلّى ما سألت عنه - أيها النجيب - والله أعلم .
....................................
المصادر:
(1) أغلب كتب التفاسير قالت بهذا، ينظر:
- الطوسي: التبيان في تفسير القرآن، 8/506 .
- أبو حيان الأندلسي: البحر المحيط، 9/108 .
- محمد الطاهر بن عاشور: التحرير والتنوير، 23/48 .
- مصطفى فرج: التفسير المختصر، دار الهادي/بيروت، ط2، 2007م، ص524 .
 (2) الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، تحقيق أحمد محمد الخرّاط، دار القلم/دمشق، د.ط، د.ت، 9/317 .
(3) معاني القرآن، 2/388 .
(4) أحمد مختار عمر وعبدالعال سالم مكرم، معجم القراءات القرآنية مع مقدمة عن القراءات وأشهر القراء، مطبوعات جامعة الكويت، ط2، 1988م، 5/240 .
(5) ينظر:
- معاني القرآن، 2/388 .
- أبو حيان الأندلسي، البحر المحيط، 9/108 .
- ينظر: أبو حيان الأندلسي، البحر المحيط، 9/108 .
(6) ينظر: أبو البقاء العكبري(ت616ه): إملاء ما من به الرحمن في وجوه الإعراب في جميع القرآن، دار الكتب العلمية/بيروت، ط1، 1979م، 2/296 .
(7) ينظر: محمد الطاهر عاشور: التحرير والتنوير، 23/48 .
(8) ينظر: الزمخشري: الكشاف، 5/238 .

 

 

تعليق عبر الفيس بوك