راصدًا أحداثا ومشاهد "من وحي المكان"

السليمي يستدعي "ذاكرة الزمان" ويؤرخ لـ "التحولات الكبرى للتعليم في عمان"

الرؤية - خاص

تنبع أهميّة كتاب (من وحي المكان وذاكرة الزمان.. التحولات الكبرى للتعليم في عمان) لصاحبه يحيى بن سعود السليمي من اعتبارين؛ الأول هو طبيعة الموضوع الذي عالجه الكتاب وهو موضوع التربية التعليم في ظل التحولات الكبرى التي شهدها قطاع التعليم في عهد صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، باني عمان وحادي نهضتها المباركة.

وثاني الاعتبارين هو أهميّة مؤلف الكتاب والمكانة التي تبوأها والمسؤولية التي تجشم عناء حملها لنحو 10 سنوات حين تمّ اختياره لشغل منصب وزير التربية والتعليم في الفترة من 2001 وحتى العام 2011.

يمكننا تصنيف كتاب (من وحي المكان وذاكرة الزمان.. التحولات الكبرى للتعليم في عمان) والصادر من مؤسسة الانتشار العربي – بيروت؛ ضمن اتجاهين؛ الأول هو كتابة السيرة الذاتية حيث حملت فصول الكتاب ملامح من ذكريات الكاتب إبّان سنيه الأولى وبدايات عهد النهضة المباركة، وتنشئته الدراسية وعبق الأمكنة التي كان حاضرا فيها.

أمّا الاتجاه الثاني فهو أن الكتاب يؤرخ ويوثق لمسيرة التعليم في السلطنة، الأمر الذي يجعل منه مرجعا قيما للباحثين والمتخصصين.

يحوي الكتاب بين دفتيه 10 فصول جاء الأول منه بعنوان "وحي المكان وإيحاءات الزمان" وفيه نتتبع المؤلف وطفولته اليانعة بين طرق وأزقة مدينة مطرح العريقة بسوقها الكبير، يروي حكايتها من وحي الحضور في المكان، مُسلطا الضوء على أهم المعالم مثل قلعة الكوت وسور اللواتية وحارة العرين وطقوس الحياة اليومية فيها وأعيادها وفرحة شهر رمضان والتحولات العمرانية التي شهدتها المدينة؛ مما أهلها لأن تكون توأم مسقط العاصمة السياسية والإدارية. وفي هذ الفصل أيضا نطوف مع المؤلف على ذكريات الدراسة وبداية مشواره التعليمي لدى معلمي القرآن الكريم في مطرح أمثال المعلمة موزة الوهيبية ورضية الخصيبية والشيخ محمد بن زهران الهنائي ومحمد بن علي الحسني، وننتقل معه إلى مدرسة الأستاذ جمعة السودي ثمّ المدرسة السعيدية، وانتظامه في الجلس الثقافي البريطاني لدراسة اللغة الإنجليزية، لنسافر معه بعدها إلى القاهرة متدربا لشغل وظيفة محرر أخبار بالإذاعة والتلفزيون ثم انتقاله للعمل في القصر في الأول من فبراير 1978 ووصوله لمنصب أمين عام الاتصالات والتنسيق بالمكتب السلطاني، ثم يتدرج بنا حتى تاريخ تعيينه وزيرًا للتربية والتعليم في الرابع من نوفمبر عام 2001 ومغادرته كرسي الوزارة في فبراير من العام 2011.

تطرق السليمي في الفصل الثاني منه وتحت عنوان (الأولويات.. والتحديات) للبدايات الأولى لاستلام مهام الحقيبة الوزارية وأهم التحديات التي واجهته، وعرض فيه الكاتب عددا من القضايا التي تتصل بالتربية والتعليم باعتبارها الحاضن الرئيسي لتربية النشء وإعداده للحياة المستقبلية. ونطالع في هذا المبحث ملامح سريعة لأهم القضايا التربوية التي تتميز من حيث التناول والطرح بالحداثة والتجديد، وهي قضايا تتصل في مجملها بتطوير التعليم الأساسي ومناهجه، وتحديث النظام التعليمي، ورفع كفاءته ومعاييره المهنية، وتطوير البيئة التعليمية، وتوظيف التكنولوجيا في العملية التعليمية، وتوفير البنية التحتية الملائمة، واعتماد شهادة دبلوم التعليم العام.

وأفرد الكتاب فصلا خاصا بالمعلم باعتباره محور العملية التعليمية، وواضعا الرهان عليه في بناء عقول عمان. وقال السليمي فيه إنّ الكادر التربوي المؤهل والكفوء يعد ركنًا أساسيًا في عملية التطوير التربوي، وأنّ الاهتمام بالمعلم وتنميته وتأهيله ينبغي أن يكون الأولوية الأبرز في خطى التطوير التربوي. لافتا إلى أنّ التدريس هي المهنة الوحيدة القادرة على استيعاب أكبر كم من المخرجات التعليمية لذا تسارعت فيها وتيرة التعمين، ففلسفة تعمين وظائف الهيئات التدريسية في التعليم المدرسي قامت على مبدأ "التعليم من أجل العمل". مشيرا إلى أنّه رغم إيجابيات هذه الخطوة إلا أنّه كان ينبغي وضع أسس وضوابط تؤدي إلى تحقيق الجودة والمهنية اللتين تراهن الحكومة عليهما كثيرا؛ وهذا ما سعت وزارة التربية والتعليم إلى إنزاله على أرض ضمن استراتيجياتها وخطط التدريب والتأهيل.

وشكل التوثيق البصري حيزًا كبيرا من الكتاب حيث نطالع في مبحث "البوم الذكريات" عددًا من الصور التي تجمع السليمي بجلالة السلطان المعظم في مناسبات مختلفة، وكذلك صورة تجمعه بالسيد فهد، وصور أخرى متعددة منها صورا تجمعه بالملكة اليزابيث والرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح، وصور أخرى توثق لعدد من الفعاليات التي رعاها المؤلف أو تشرف بحضورها.

الفصل السابع من الإصدار تفرّد بالحداثة؛ حيث طرق محاور جديدة في قضايا التعليم والمناهج إذ تحدث فيه المؤلف عن "المواطنة والتعليم الريادي" موضحا أنّ قضية التربية الوطنية كانت حاضرة في مختلف المناهج الدراسية العمانية منذ بداية إعداد المناهج والكتب المدرسية في سبعينيات القرن الماضي، وأنّ أشكال معالجة مواضيعها تعددت وفق ما تتطلبه مراحل تقدم الوطن وازدهاره وبما يتناسب مع ما يطرأ على المجتمع العماني من تغير، وينسجم مع التطورات العالمية في هذا المجال؛ كي تتم معالجة موضوع التربية الوطنية وفق تطور المجتمع والنظام التعليمي. مضيفا أنّه تم تشكيل فريق عمل من مجموعة من التربويين في الوزارة لدراسة تربية المواطنة في المنهج الدراسية خلص في تقييمه إلى أهمية إيجاد منهج متكامل إلزامي معني بالتربية المواطنية وغرس الوطنية في نفوس الطلاب، وفق أسس محددة، ترتكز على توظيف التاريخ والمقومات الحضارية والبشرية والطبيعية التي تزخر بها السلطنة، واستصحاب المنجزات في عهد النهضة المباركة كنموذج مشرِّفٍ نادر بين الدول؛ باعتبارها نبعا غزيرًا للتربية الوطنية.

وفي الفصل الثامن "لأجل الموارد البشرية"، سلط السليمي الضوء على ما تم اتخاذه من خطوات، في سبيل الارتقاء بمنظومة العمل المؤسسي على مستوى الجهاز الإداري للدولة؛ مثل: دوائر شؤون المراجعين، وإيجاد نظام إلكتروني للمراسلات والتواصل الإداري، والبوابة الإلكترونية...وغيرها من الخطوات، قائلا إنّ الهدف من وجود هيكل تنظيمي للمؤسسة هو تنظيم الأعمال، وإيجاد قنوات تنسيق فيما بين القطاعات، ساردًا التغييرات التي أجراها على الهيكل التنظيمي أول عهده بالوزارة، وواصفا بأنها كانت مُتدرجة بعد خضوعها لمقياس التمحيص والتشخيص المتأنِّي، بحسب ما تقتضيه الحاجة والظروف المواتية للنجاح.

وتطرّق الفصل التاسع للتجارب العالمية في الارتقاء بالعملية التعليمية، كالتجربة السنغافورية والماليزية والصينية والأوزبكية، وتجربة المعاهد التكنولوجية في الهند، وكذلك التعليم في المملكة المتحدة وألمانيا وروسيا؛ وكيف أنَّ السلطنة حاولت الاستفادة من كل هذه التجارب بما يتماشى مع الخصوصية العمانية وقيم المجتمع العُماني.

واختتم السليمي مُؤلفه القيم هذا بجملة تساؤلات.. منها: كيف استفادت وزارة التربية والتعليم من الفرص المتاحة؟ وكيف وظفتها من أجل تحقيق نتاج نوعي؟ ودور البرامج والمشاريع في تحقيق تحول يتناسب وطبيعة تلك الحقبة من الزمن؟ مُقدما إجابات ضافية حول ما طرح وفق استقراءات علمية ومعرفية شاملة.

تعليق عبر الفيس بوك