رواية في الفلسفة الإسلاميّة:

البُعْد الضَائِع في عَالَم صوفيّ (2)

محمّد رضا اللواتيّ – سلطنة عُمان


الفَلاسِفَةُ المُسْلِمُونَ: (الكندي، الفارابي، ابن سينا، إخوان الصفا، ابن رشد)
 
(1)     الحياةُ الفلسفيّة

غرفة المكتبة في منزل السيّد ناصر -والدِ إيمان- جميلةٌ جداً. أرضيَّتها خشبيّة، وجدرانها مصبوغةٌ بلون الخشب المشمشيِّ، يوحي بالجديّة والانتباه. كانت عقارب ساعة ضخمة على الحائط المواجه للسيِّد ماهر تشير إلى الساعة الثامنة وخمس دقائق. وقف السيِّد ماهر وخلفه لوحة بيضاء كبيرة، وأمامه منضدة وضع عليها جرَّة ماء مع مجموعة من الأكواب في صحنٍ فضيٍّ جميلٍ، بجانبه صحنٌ ذهبيّ اللون، به دلّة فضّيّة تحيط بها مجموعة من الفناجين الصغيرة. وفي ركن المنضدة، وضعت مجموعة من الأوراق والأقلام. قام يقظانُ بواجب الضيافة، فقدّم للسيِّد ماهر فنجاناً من القهوة العمانية، بينما جلست إيمان على كرسيٍّ مقابل المنضدة وبجوارها كرسيُّ يقظانَ. احتسى السيِّد ماهر فنجانه، فعرض عليه يقظانُ المزيدَ. وافق السيد ماهر وهو يقول:
-    ما نوع هذه القهوة؟ لست أذكر إنني تناولتها من قبل.
-    لعلَّ هذه أوّلُ زيارةٍ لك لعمان؟، سأله يقظان.
-    السيِّد ماهر: بلى، هذه أوّل مرة أزور فيها عُمان. لقد سمعت عنها الكثير، ومسقط جميلة جدّاً.
-    يقظان: القهوة التي تحتسيها الآن عُمانية 100%. أهل عمان يصنعونها ويشربونها بشغف. لقد أصبحت هذه القهوة من علامات ضيافة العمانيّين لزوارهم.
-    السيِّد ماهر: وهل يقدّمونها في المقاهي كما تُقدّمون القهوة التركية؟.
-    كلا مع الأسف، ردّت إيمان.
-    السيِّد ماهر: ولم لا؟ لا أجد في القهوة التركيّة ما يجعلها أفضل وألذّ من القهوة العمانية هذه، حتى تصبح تلك شهيرة إلى ذلك الحدِّ، دون قهوتكم العمانية اللطيفة.
-    يقظان: كلامك سليم يا سيِّد ماهر. رُبَّما كان على المسؤولين في وزارة السياحة أن يفكّروا في هذه النقطة
-    ولماذا لا نفكّر نحن ونقدّم لهم اقتراحنا حول ذلك؟، تساءل السيد ماهر بكلّ جدٍّ.
-    ممكنٌ فعلاً. أعدك يا سيِّد ماهر أن أفعل ذلك إن شاء الله –تعالى-، ردّت إيمان وقامت بتسجيل ملاحظة في دفترها المخصّص لتسجيل أعمالها وإلتزاماتها.
-    السيِّد ماهر: هل قلت "وزارة السياحة" يا يقظان؟ هل لديكم في عُمان وزارة مختصّة في السياحة؟.
-    يقظان: بلى، إنّها وزارة فتيّة جداً، تأسّست قبل فترة قصيرة فقط.
-    السيِّد ماهر: إنّ إنشاءَ جهةٍ حكوميّةٍ مستقلّةٍ في مستوى "وزارة" في بلدٍ تُعني بالسياحة فيها لدليلٌ على وجود مقوّمات وعناصر السياحة في ذلك البلد ....
-    يقظان: صدقت ياسيِّد ماهر. إنّ عُمانَ زاخرةٌ بالعديد من المقوِّمات السياحيّة. فمسقط وحدها قد استقطبت 1,715,435 زائراً خلال العام 2003م. لا شك أنّ وزارة السياحة ستسعى لجعل عُمان ضمن مصافِّ كبرى دول العالم من حيث السياحة.
-    إيمان: إنّه رقم كبير يا يقظان. هل أنت متأكّد من معلوماتك؟.
-    يقظان (مبتسما): كلَّ التأكد.
-    إيمان: وهل تعتقد أنّ وزارة السياحة ستنجح يا يقظان؟ إنّ التحدِّي الماثل أمامها قويٌّ جدّاً.
-    الأمر ليس ببالغ الصعوبة ياإيمان، علّق السيد ماهر واستطرد: مئات من محبِّي السياحة في الدول الغربية، وربَّما الألوف، يتوقون لمشاهدة الطبيعة التي تزخر بها البلدان العربية، لاسيما الخليجيّة. إنّ استثمار هذه الطبيعة لجذب السائحين أمرٌ ممكنٌ جدَّاً. وقبل قليل أكّد يقظان أنَّ أكثر من مليون ونصف المليون زائر كانوا متواجدين في مسقط في العام 2003م.
-    هل أطّلعت يا إيمان على المشاريع التي تنوي وزارة السياحة تنفيذها خلال الأعوام القادمة؟، سألها يقظان.
-    كلَّا. ما هي؟.
-    يقظان: إنّهم يريدون إقامة المدينة الزرقاء في شاطئ السوادي.
-    المدينة الزرقاء؟، سألت إيمان باستغراب.
-    يقظان: نعم. سيكون مشروعاً سياحيّاً عملاقاً يعدّ الأكبرَ من نوعه من جهة المساحة. وهناك مشروع بيئيّ صحروايّ سيتم إقامته في رمال الشرقيَّة لكي يجسِّد البيئةَ الصحراويّةَ للسلطنة.
-    فكرة عظيمة، علّق السيِّد ماهر.
-    أضاف يقظان: وهناك أيضاً مشروع سياحيّ يتمثل في إعادة بناء المدينة القديمة في عبري. إضافة إلى مشروع كهف الهوتة الأوّل من نوعه في الخليج الذي يقود السائحين إليه قطار يمرّ عبر نماذج للأحياء البحريّة في عُمان.
-    وهذه أعظم، علّق السيِّد ماهر.
-    لمعلوماتك يا سيِّد ماهر، يوجد في عُمان أكبر كهف في العالم، قال يقظان وهو يبتسم.
-    لم أسمع به من قبل، علّق السيِّد ماهر متعجِّباً.
-    نعم قرأت عنه. إنّهم يفكّرون في تجهيز طريق يقود السيارات إليه، علَّقت إيمان.
-    رائعٌ فعلاً. أرجو أن تنتشر هذه الأخبار لتصل إلى محبِّي السياحة، علق السيد ماهر.
-    يقظان: إنّهم يجهدون لتحقيق ذلك فعلاً. لقد عهدوا إلى شركة " فيوجي" القيام بتمثيل عُمان سياحيّاً لدى دول الخليج العربيّ. "فيوجي" شركة عالميّة ومتمرسة في العمل السياحيّ.
-    إيمان (مبتسمةً): يظهر أنّ يقظانَ ينوي تحويل درس الفلسفة إلى درس سياحة.
-    السيِّد ماهر: إنّني أتوق إلى اكتشاف عُمان وزيارة بعض مرافقها السياحيّة، ولكنّني مرتبط بالمعرض عصراًَ، وأصبح لديّ الآن برنامج لم يكن متوقّعاً سيشغلني في الفترة الصباحيّة أيضاً.
-    لا بأس عليك يا سيِّد ماهر. يمكننا من الغد فصاعداً، أن نقوم بالتجوال في ضواحي مسقط، ونأخذك إلى بعض المرافق السياحيّة المهمّة خارج مسقط أيضا، بشرط أن لا تتوقف عن الدرس في أي مكان كنّا. قال يقظان ذلك وهو يضحك.
-    هذا كرم عظيم يايقظان. سأكون ممتنّاً لك وتأكّد تماماً أنّنا لن نتوقّف عن التحدّث في موضوعنا الأساسيّ، إلاّ بالمقدار الذي يسمح لك أن تعطيني فكرة موجزة عن المرافق التي سنزورها.
-    موافق، قال يقظانُ فرحاً.
-    إيمان: سوف نطرح الفكرة على والدي هذا المساءَ يا سيِّد ماهر.
-    حتما، علّق السيِّد ماهر ثم قال: حسناً، لننتقل الآن إلى الفلسفة الإسلاميّة. أمستعدانِ؟
-    نعم، صاح يقظان

بدأ السيِّد ماهر حديثه بذكر الله –تعالى-، وصلّى على نبيّه الكريم وآله، وأثنى على أصحابه الكرام، ثم قال:
-    ليس من شكّ في أن تغطيتنا لمسائل الفلسفة الإسلاميَّة ودراستها بشكل جدِّيٍّ لن يكون ممكناً أبداً في الأيام الستّة القادمة، ولكن ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه. اعتبرا هذه الدورة دورة تعريفيّة لأهمّ المواضيع التي تتناولها الفلسفة الإسلاميَّة عادةً. نريد لإيمان ويقظان أن يكتشفا الجانب المفقود في عالم صوفي. ذلك الجانب هو الفلسفة الإسلاميَّة، وأعظم إنتاج لهذه الفلسفة يتمثّل في الحكمة المتعالية. وسوف تتأكّدان بنفسيكما، يا إيمان ويا يقظان، أنّ الأجوبة عن أسئلة صوفي مبثوثة في ذلك البعد المفقود في عالمها. سوف نتناول اليوم مسائل العلم والمعرفة، وغداً نتحدث عن العلّيّة، وبعد غد عن الوجود. سنخصّص صباح الثلاثاء للحديث عن وجود الله –تعالى- وصفاته، ونطرح صباح الأربعاء خلق العالم والأهداف من خلقه. وليكن موضوع القضاء والقدر مخصَّصا للخميس، أما آخر يوم الدورة فسوف نتناول فيه موضوع الإنسان الكامل وضرورة وجوده وظاهرة الوحي وحتميّتها. إليكما البرنامج: (وزع السيد ماهر جدول الدروس):
السبت = العلم والمعرفة.
الأحد = العلّية في الكون وشرائطها.
الاثنين = الوجود والتحقق.
الثلاثاء = وجود الله وتوحيده.
الأربعاء = أهداف خلق العالم والنظام الأحسن.
الخميس = القضاء والقدر والجبر والاختيار.
الجمعة = الإنسان الكامل وحتمية الوحي.


-    البداية يجب أن تكون بالإطلاع على مسائل العلم واكتشاف حقيقته وكيف يحدث، وقيمة المعرفة، قال السيِّد ماهر واستطرد: ولكنّني أريد أن أبدأ المشوار بمقدِّمة أُخصِّصها للحديث عن الفلسفة الإسلاميّة وأشهر رموزها وبعض أهمّ إنجازاتهم. لقد دخلت إيمان عالم صوفي فوجدت فيه أشهر فلاسفة الغرب، ولم تلقَ إلا أثراً طفيفاً لرمز أو رمزين من رموز الفلسفة الإسلاميّة. لذا، يجب أن نُوجد في ذهنها توازناً. سنعرِّفها بالفلاسفة المسلمين وبعض نتاجاتهم. جاهزان؟
-    تماماً، ردَّ يقظانُ.
-    علم الاجتماع، علم النفس، علم الاقتصاد، علم السياسية، علم الفيزياء، علم الأحياء، علم الطب، وسائر العلوم بما فيها الفلسفة، ليس صحيحاً أن ننسبها إلى دين ما، فنقول مثلا: الطب الإسلامي، أو نقول علم الاجتماع المسيحيّ، إلاّ في الحالات التالية:
1.    أن يكون الدين الذي ننسب إليه أيّ علم هو المُوجدَ لذلك العلم بنحو لا يكون لهذا العلم أثر إلاّ بعد ظهور ذلك الدين.
2.    أن تكون معظم المسائل التي يبحث فيها ذلك العلم أو أهمّها على الإطلاق هي ذات المسائل التي طرحها هذا الدين وحثّ على التحقيق فيها وتعلّمها.
3.    أن تكون الأفكار العليا لدين ما، وأسسه التحتيّة، تتغذّى وتستند على ذلك العلم، ومنها تنال واقعيّتها وقيمتها.
4.    أن تكون طريقة التحقيق والبحث -أعني المنهج في حدِّ ذاته وليس نوعيّة مسائله فحسب- قد عرضها الفكر الدينيّ وحثّ عليها.

بدأ السيِّد ماهر بكتابة النقاط الأربع التي تحدّث فيها على السبورة الكبيرة وأضاف قائلا:
فلو أنّ عمّالاً مسلمين قاموا برصف شارع، فهل يصح أن نطلق عليه الشارعَ الإسلاميَّ؟
-    كلّا، ردَّ يقظان.
-    ولكن لنفترضْ أنّ فكرة رصف الطرقات لم يعرفها البشر من قبل، ونادت بها لأوّل مرّة الثقافة الدينية والأفكار الإسلاميّة؟
-    الموقف يختلف الآن، أجاب يقظان.
-    بالضبط، قال السيّد ماهر وأضاف: أصبح لدينا اليوم علمٌ يُسمى بعلم الفلسفة الإسلاميّة، وليس ذاك لأنّ الفلسفة لم تكن معروفة قبل الإسلام، وأنّ الإسلام أوّلُ من دعا إليها، كلّا. ولكن لأنَّ مسائل الفلسفة تدور حول وجود الله –تعالى-، وتتولّى إثباته، وتبحث في صفاته وأفعاله، وهذه المسائل هي نفسها المسائل التي طرحها الدين الإسلاميّ. الدين الإسلاميّ دعا إلى التفكّر في أمر الخالق وعلوِّ شأنه وحياته ووجوده وأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وأفعاله. وهكذا فالتحقيق في هذه المسائل سُمِّي بالفلسفة الإسلاميّة.
-    إيمان: عذراً على المقاطعة يا سيِّد ماهر ... هل يمكنك الاستدلال على ما ذكرت من أنّ الدين الإسلاميّ دعا إلى التفكّر في ذلك؟.
-    السيِّد ماهر: كثيرة جِدَّاً هي الآيات التي دعا فيها القرآنُ الكريمُ إلى التفكُّر يا إيمان. ففي القرآن يوجد "أفلا تتفكرون"(1) ونظائره بكثرة. تأمَّلي قوله –تعالى-: "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جُنُوبهم ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض"(2) ومن التفكير في السماوات والأرض إلى التفكير في النفس: "أولم يتفكّروا في أنفسهم"(3). وحتى التفكير في خلق الإبل أيضاً، لم يهمله الكتاب المجيد: " فلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت".(4)
-    إيمان: فعلاً. هناك تركيز واضح على ضرورة التفكُّر.
-    السيِّد ماهر: وأمّا الإله وشؤونه، فذكرُهما كثيرٌ. تأمَّلا قوله –تعالى-: "الله نور السماوات والأرض"(5)، "هو الأوَّل والآخرُ والظاهرُ والباطنُ"(6)، "ليس كمثله شيء"(7)، "وهو معكم أينما كنتم"(8)، "يقول له كن فيكون"(9).
-    إيمان: واضح. إذن سبب تسميتنا الفلسفةَ لدى المسلمين بالفلسفة الإسلاميَّة أنّها تحقّق في نفس المعارف التي دعا الدين الإسلاميّ إلى التحقيق فيها.
-    أحسنتِ. هذا أحد الأسباب، قال السيِّد ماهر.
-    وهل من أسباب أخرى؟، سأله يقظان.
-    السيِّد ماهر: بلى. هنالك معارف تُسمَّى بـ أصول الدين. ومن هذه الأصول التوحيد، فهو الأصل الأهمّ والأساس الذي يستند الدين بسائر تشريعاته عليه. ومن تلك الأصول كذلك المعاد، فالاعتقاد باليوم الآخر مفهوم دينيٌّ يحتلّ مرتبة الأساس في المنظومة الدينيّة لدى المسلمين، لدرجة أنّ عدم الاعتقاد بالمعاد يُخرج المسلمَ من إسلامه وإن كان معتقداً بالتوحيد.
-    إيمان: هذا صحيح.
-    أضاف السيِّد ماهر: الفلسفة الإسلاميّة تحقّق في هذين الأصلين، فهي تُثبت التوحيد بأسلوب مُحْكَمٍ جِدَّاً وتُثبت الحياة بعد الموت كذلك.
-    يقظان: إذن، النقطة الثالثة من النقاط الأربع التي ذكرتَها، سيِّد ماهر، تنطبق أيضاً على موضوعنا.
-    نعم، ردّ السيِّد ماهر واستطرد: ليس هذا فحسب، بل و النقطة الرابعة أيضاً تنطبق هنا.
-    إيمان: كيف؟.
-    السيِّد ماهر: لحظتما التركيز الشديد على التفكير في شؤون الخلق في الآيات المارّة. لو لم يكن التفكير وسيلةً لبلوغ الحقيقة، لكان التركيزُ عليه وشِدَّةُ الحثِّ على ممارسته بلا معنى. وسوف تكتشفان في الدروس القادمة أنَّ هناك طرازاً واحداً من التفكير يتعهَّد بإيصالنا إلى النتائج الواقعيَّة.
-    يقظان: ما هو هذا الطراز من التفكير؟.
-    السيِّد ماهر: إنَّه التفكير الذي يستند على البدهيَّات.
-    إيمان: وما علاقة التفكير الذي يستند على البدهيَّات بالفلسفة؟.
-    السيِّد ماهر: الفلسفة تحقّق في مواضيعها بالاستناد على البدهيّات.
-    إيمان (مستفهمة): تقصد أوّلاً: إنّ أحد أسباب إطلاق الفلسفة الإسلاميّة على الفلسفة الموجودة لدى المسلمين هو أنّها تتبنى وسيلتها الخاصّة وأسلوبها الأمثل للوصول إلى الحقائق لأنّ الدين يريد أيضاً من الإنسان سلوك منهج في التفكير يوصله إلى اليقين. ثانياً: هذه الوسيلة وذلك الأسلوب الأمثل للوصول إلى الحقائق هو الاستناد على البدهيّات. هل هذا الفهم صحيح ياسيِّد ماهر؟.
-    السيِّد ماهر: إنّه صحيح تماماً يا إيمان، وأشكرك على دقتك وتركيزك.
-    شكراً، ردَّت إيمان بفرحٍ شديدٍ.
-    سحب السيِّد ماهر كرسيّاً وجلس عليه، ثم قال: لا شكَّ أنّكما سمعتما شيئا عن الزخرفة الإسلاميّة. في الواقع، لم يتحدث القرآن عن الزخرفة، ولم يدعُ أتباعه إلى منهج معيّن في صياغته. والمسلمون الأوائل لم يكونوا يعرفون شيئاً عن الزخرفة على الإطلاق. إن دخول الفرس والترك والروم والهنود في المجتمعات الإسلاميّة أبان النصف الثاني من زمن الدولة الأموية، وسريان الثقافات المختلفة في المجتمع المسلم، فضلا عن إطلاع المسلمين على نمط حياة المجتمعات التي فتحوا بلدانها، أسهم في تعلّمهم العديد من الفنون، ومنها فن الزخرفة.
-    إذن من أين جاءت هذه التسمية؟، سأله يقظان متعجّباً.
-    السيِّد ماهر: تسمية "الزخرفة الإسلاميّة"؟ ... لقد جاءت من خلال إدخال الحكَّام الأمويّين فنَّ الزخرفة إلى المساجد بعد عملها في قصورهم. هكذا نشأ ما يسمّى الآن بـ "الزخرفة الإسلاميّة"، وهو ممّا لا يمتُّ بصلة إلى أصول التفكير الدينيِّ الإسلاميِّ.
-    ولكن بصراحة ... إنّه فنّ رائع جِدَّاً وبديعٌ ياسيِّد ماهر، قال يقظان مبتسماً.
-    إنني أحبه أيضاً يايقظان، قال السيِّد ماهر.
-    إيمان: لا تنسَ يا يقظان أنّنا ننكر فقط نسبته إلى الفكر الدينيِّ الإسلاميِّ.
-    يقظان: نعم..نعم.
-    السيِّد ماهر: وُلد التفكير الفلسفيُّ عند المسلمين قبل 14 قرناً، وهذا العمر هو نفس عمر الحياة العقليَّة عند المسلمين. الواقع أنَّ العربَ لم يعرفوا التفكيرَ العقليَّ قبل الإسلام أبداً. وعندما بزغ الإسلامُ، الذي حثَّت تعاليمُه على التفكير في أكثر من 300 آية، طالبَ الناسَ بالاعتقاد وفقاً للحججِ العقليَّة فقط، ورفضَ التقليدَ وعدم التحرِّيَ العلميَّ رفضاً قاطعاً، فتأثّرَ المسلمون بهذه التعاليم، وبدأت الحياةُ العقليّةُ بالولادةِ والنشوءِ عندهم مع ولادةِ التعاليمِ الدينيَّةِ. ولأنَّ الحياةَ العقليّةَ تعني الحياةَ الفلسفيّةَ -على أساسِ أنَّ التحقيقَ الفلسفيَّ يستند على البدهيّات ويريد لنتائجه اليقينَ من هذا الطريق، والعقل ما هو إلا أداة لبلوغ الحقيقة فالحياتان العقليّة والفلسفيّة مآلها واحد- لا ثمّة جدوى من محاولة التفكيك بين الحياة الدينية التي عاشها المسلمون وبين حياتهم الفلسفيّة. وكما علمتما فإن الجسر الرابط بين الحياتين هو العقل والتفكير العقليّ، حيث أنّ كلتا الحياتين -الدينية والفلسفية- تتغذّيان على العقل ومن وعائه تشربان، وبالتالي هما معاً تحييان بالحياة العقليّة.
مارس المسلمون التفكير العقليّ، وحاولوا الاستدلال على العديد من الأفكار الدينيّة، ومارسوا الترجمة والتأليف، وقاموا بتطوير علم الفلسفة تطويراً كبيراً جداً من ناحية الكمّ والكيفّ.
-    يقظان: ولكنّني سمعت أن الفلسفة الإسلاميّة ما هي إلاّ إعادة صياغة للفلسفة اليونانية بشكل يتناسب مع التفكير الإسلاميِّ، هل هذا صحيح؟.
-    السيِّد ماهر: ليس الأمر كذلك يا يقظانُ وإن كان البعض يحبُّ أن يدَّعيَ ذلك. لقد وصلت إلى المسلمين قرابة 200 فقط من المسائل الفلسفيّة في التراث اليونانيِّ. ولكنّ تحقيقات المسلمين أنفسهم أضافت 500 مسألة أخرى لا يوجد لها أثر في التراث اليونانيِّ، ليبلغ مجموع المسائل في الفلسفة الإسلاميَّة 700 مسألة فلسفية. فهل يجوز أن يُقال، بعد ذلك، أنّ الفلسفةَ الإسلاميَّة تكرارٌ للفلسفة اليونانية؟
-    كلا، لا يجوز ذلك إطلاقاً، ردَّ يقظانُ مندهشاً.
-    وحتى المسائل الـ 200 التي وصلت إلى المسلمين من اليونان ... لم يتركها المسلمون كما هي. بل طوَّروها وغيّروا في تركيبتها، وبذلك قد أوصلوها إلى مرحلة التكامل. أذكر من تلك المسائل مسألة امتناع تسلسل العلل إلى ما لانهاية. هذه المسألة تعرَّضت لتطوُّرٍ كبيرٍ عند المسلمين. بل إنَّ التراثَ اليونانيَّ حمل استدلالاً واحداً فقط على امتناع التسلسل، أمّا المسلمون فقد أضافوا على استدلال اليونان الوحيد 10 استدلالاتٍ أخرى رائعةٍ. ونفس الأمر ينطبق على مسألة تجرد النفس، وإثبات واجب الوجود، وتوحيده، وامتناع صدور الكثير عن الواحد، وإتحاد العاقل والمعقول، وغير ذلك.
-    لم أسمع من قبل عن هذه العناوين يا سيِّد ماهر، قالت إيمان مستغربة.
-    سوف تتعرّفان إليها عما قريب إن شاء الله –تعالى-. لقد وصل إلى المسلمين من التراث اليونانيِّ برهانٌ واحد فقط على إثبات وجود الله –تعالى-، وهو برهان المحرِّك الأوَّل. وعندما حقّقت فيه الفلسفةُ الإسلاميَّة، وجدته عاجزاً عن إثبات موضوعه، لأنّ مفهوم الحركة عند أرسطو لم يكن صحيحاً، فكان برهانه ضعيفاً يعجز عن الاستدلال. فما كان من الفلسفة الإسلاميَّة إلاّ أنْ طوَّرته، إذْ غيَّرت مفهومَ الحركة من الانتقال الدفعيِّ إلى الخروج التدريجيِّ. وفضلاً عن ذلك، فقد عرضت الفلسفةُ الإسلاميَّةُ عشراتِ الأدلَّة على وجود الله –تعالى-، كلُّها أمتنُ من برهان الحركة. أمّا في موضوع تجرُّد النفس عن المادة، فلم يصل من التراث اليونانيِّ شيءٌ يُذكر في هذا الجانب المهمِّ على الإطلاق. الفلسفة الإسلاميَّة هي التي أوجدت هذه المسألة وحقّقتها وبرهنت على وجود النفس وتجرُّدها. أما تحقيقات الفلسفة الإسلاميَّة في الوجود، وإثبات أصالته، ووحدته، والوجود الذهنيّ، وسبب احتياج الموجود إلى علَّة، وأقسام الحدوث، والحركة الجوهريَّة، وقاعدة بسيط الحقيقة، والبعد الرابع، وغيرها من المسائل العديدة ممّا لم يكن له أثر في التراث اليونانيِّ على الإطلاق ... أقول كلُّ تلكم التحقيقاتِ من قِبَلِ الفلسفة الإسلاميَّة تدلُّ على استقلال الحياة العقليَّة في الإسلام عن اليونان استقلالاً تامَّاً. كم هو مؤسف أن يزعمَ البعض، عن عدم تحقيق ولا إطّلاع، أنّ الفلسفة الإسلاميَّة ما هي إلا تراث يونانيٌّ في شكل مستحدث يتوافق مع الدين الإسلاميِّ، قال السيِّد ماهر متألّماً.
-    فعلاً. إنَّه ظلم فادح أن لا يعرفَ العالمُ عظمةَ الفلسفة الإسلاميّة، ردّت إيمان.

2: الرؤية الكونيَّة

-    لن يعرفَ الباحثُ اتِّجاهات الفلسفة الإسلاميّة وأنماطَها ما لم يفهم تعاليمَ القرآنِ الكريمِ المتعلِّقةَ بمعرفة الله –تعالى- وعالمِ الغيب. إن الذين نشأت الفلسفةُ الإسلاميُّة في حجورهم هم مسلمون. وهؤلاءِ تأثّروا بتوجيهات كتابهم المجيد، وأشربت تعليماتُه في أرواحهم. فليس صحيحاً إذن إرجاعُ ميولهم الفكريّةِ ونزعاتِهم دائماً إلى أصول أجنبيّة من إغريقيّة وهندوسيّة وفارسيّة وغيرها. إن هذه الثقافات وصلت العالم الإسلامي بكثافة في عهد الحاكم العباسيِّ المأمون، ولكنّ المسلمين كانوا قد مارسوا التفكير العقليّ والبحث في شؤون الخلق والخالق قبل ذلك بكثير. لست أنكر تأثّرهم بتلك الثقافات بعد ترجمتها إلى العربيّة، ولكنّ منطلق التفكير لا يمكن أن يكون هذه المعارفَ الأجنبيّةَ. إنّ كتاباً يعدّه المسلمون دستورهم، يعكفون على دراسة آياته وفهم تعاليمه وحفظه، يدعوهم في أكثر من 300 آية كريمة منه إلى التفكير، والبحث، والتحرِّي، والتحقّق في شتى المسائل لاسيما الألوهيّة، ويمنعهم أشدَّ منع من أن يعتقدوا أمراً عن غير دليل أو برهان، أفلا يكون لهذا الكتاب أيّ توجيه ولا تأثير على أتباعه، حتى تأتي ثقافات أجنبية مترجمة بعد أكثر من قرن فتؤثر فيهم وتدعوهم إلى التفكير والبحث العقليّ؟، تساءل السيِّد ماهر مستغرباً.
-    لا يمكن قبول ذلك، ردّ يقظان.
-    إيمان: تفضّلت يا سيِّد ماهر وقلت أن الذين يذهبون إلى هذا الرأي ربما لم يطّلعوا على توجيهات القرآن الكريم في هذا المنحى. هلّا أسمعتنا بعض الآيات التي ترفض الاعتقاد بشيء عن غير دليل؟.
-    السيِّد ماهر: تأمّلي هذه الآية "قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" (10)، وتأمّلي قوله –تعالى- "قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون" (11). وتأمّلي: "ولا تقف ما ليس لك به من علم" (12).
-    إيمان: واضح جدّاً يا سيِّد ماهر. تفضّل أكملْ حديثَك.
-    السيِّد ماهر: شكراً. عرض كتابُ المسلمين المجيدُ طرقاً ثلاثة للمعرفة؛ طريقَ الأدواتِ الحسِّيَّة، وطريقَ البحثِ العقليِّ، وطريقَ القلبِ والعِرْفَان. على إثر ذلك، تكوّنت بين المسلمين ثلاث طبقات من العلماء في طلب المعرفة والظفر بها؛ فطبقة انتهحت منهج الحسِّ، وطبقة انتهجت نهج البراهين العقليّة، وطبقة سعت إلى بلوغ طريق العِرْفَان.
بالطبع، كما سيمرّ عليكما لاحقاً، ليس للحسِّ وحدَه مستقلاً عن العقل، إمكإن بلوغ أدنى معرفة مهما تضاءلت. ولكنّ المقصود من المنهج الحسيّ عند الفلاسفة المسلمين هو الاستناد على المعطيات الحسيّة، كما أنّ المقصود عندهم من المنهج العقليّ هو اعتماد الدليل العقليّ دون الاستناد على المعطيات الحسيّة.
-    يقظان: وهل كلّ هذه الطرق تُنتج معرفةً يقينيّةً؟.
-    السيِّد ماهر: المعرفة عبر المسلك العرفانيّ أقوى وأشدّ، بينما تأتي المعرفة العقليّة الخالصة في المقام الثانيّ. ستعرفان كلّ ذلك في المسائل القادمة.
-    إيمان (مبتسمة): ننتظرها إذن بفارغ الصبر.
-    السيِّد ماهر: المهمّ هنا أن نعرف أنّه كان لكل مسلك رجاله وعلماؤه، حقّقوا إنجازاتٍ عظيمةً أثَّرت بعضها في الحضارة الإسلاميّة تأثيراً بليغاً، وجعلتها تتقدّم إلى الأمام أشواطاً. فمثلاً، يُعدّ الكنديّ، والفارابيّ، وابن سينا، ونصيرالدين الطوسيّ، وابن رشدٍ، من كبار رموز الاتجاه العقليِّ. وهذا لا يعني أنّهم لم يكونوا يعترفون بوجود الاتّجاه العرفانيّ، أو كانوا لا يرونه مسلكاً إلى المعرفة. غاية ما في الأمر أنّ هؤلاء الرجالَ عكفوا على طلب الحقيقة عبر البحث العقليِّ فحسب. وفي المقابل، فإنّ من أشهر رموز الاتجاه الثاني -أعني الاتجاهَ القلبيّ أو العرفانيّ- إخوانَ الصفا، وابنَ عربيٍّ، وحيدراً الآمليَّ.
........
وحتّى نعطيَ تاريخَ الفلسفةِ والحياة العقليّة عند المسلمين حقّه، يجدر بنا هنا أن نُشيرَ إلى مشكلة حدثت بين رِجال المسلك العرفانيِّ وأتباعِ المنهجِ العقليِّ.
-    إيمان: وما هي تلك المشكلة؟.
-    المشكلة كانت طغيانَ المسلك العقليّ-الفلسفيّ على المسلك العرفانيّ-القلبيّ.
؟!؟!؟!
أضاف السيِّد ماهر: إنّني أستطيع أن أرى علامات الإستفهام والتعجّب وأقرأ الدهشة في وجهيكما، وهذا متوقّع. دعاني أُكمل:
إنّ تقسيم مسالك المعرفة إلى عقليّ-فلسفيّ وعِرفانِيّ-قلبيّ تقسيم منطقيٌّ، نظريٌّ، ولا يمنع أتباع أحد المسلكين من سلوك المسلك الآخر. بل إنّ المسألة على العكس تماماً، فالعلاقة بين المسلكين علاقة تكامل، ولا يمكن الوصول إلى تمام المعرفة بالاكتفاء بأحد المسلكين دون دمج الآخر معه.
-    يقظان: أعتقد أنّني فهمت مشكلة طغيانِ المسلكِ العقليِّ-الفلسفيِّ على المسلك العرفانيِّ-القلبيِّ. فبدلاً من مزجهما ودمجهما ببعضهما، إكتفى رجال المسلكِ العقليِّ-الفلسفيِّ بالنظر والبرهان والاستدلال العقليِّ عن السلوك العرفانيِّ-القلبيِّ. هل هذا صحيح.
-    أحسنت يايقظان. إنّه صحيح تماماً. لقد وفّرت علي الكثير كُنت سأقوله.
-    إيمان (متفكّهةً): يبدو أنّ أخي قد أصبح فيلسوفاً ...
ضَحِك الجميع، ثمّ تابع السيّد ماهر:
-    الثابت تاريخاً أنّ طلاب التحصيل العلميِّ قد هجروا المسلك العرفانِيَّ-القلبيَّ للشهرة التي حظي بها التفكير الفلسفيّ فأضحى المنهجَ الأوحدَ والأفضلَ لبلوغ الحقائق الدينيّة.
هذه المشكلة ارتدّت نكسةً في تاريخ المعرفة والفلسفة.
-إيمان: إلى هذا الحدِّ؟
-    السيِّد ماهر: كانت هناك ردّةُ فعلٍ معاكسةٌ من أتباع المسلك العِرفانيِّ-القلبيِّ تجاه رِجال المسلك العقلي-الفلسفيّّ تمثّل في انزعاج شديد تحوّل لاحقاً إلى عداءٍ بين رموز الجانبين.
أمّا النكسة الحقّة فتجسّدت في نفور أتباع المسلك العِرفانيِّ-القلبيِّ من ذات المسلك العقلي-الفلسفيّ، لا من رجالاته ورموزه فقط، ما أدّى إلى اتّساع الهوّة بين الطرفين.
-    إيمان: إنّها حقّاً كارثة ....
-    كانت كارثة وكانت ستستفحل لولا أن رحمنا الله –تعالى- فوقانا شرّها ....
-    يقظان: هناك إذن أخبار سارّة؟، أكمل ياسيِّد ماهر أرجوك.
-    نعم يايقظان. نشأء اتجاه ثالث توسّط في إزالة الهوّة السابقة الذكر وذلك بدمج المسالك الثلاثة للمعرفة في بوتقة واحدة. فظهر هذا الدمج في أشكاله السطحيّة والأولى لدى الفارابي بادئ الأمر،  ثم تلته في ابن سينا. وبالرغم من أن ابن سينا كان رجلاً عقليّاً جدّاً، إلاّ أنّه أشار في طيات بحوثه إلى وجود حكمة عليا، فوق الأسلوب البرهانيِّ والتحقيق الفلسفيِّ. بل إنّه تمنّى أن يكتب في الحكمة العليا شيئاً، لكنّ أمنيته لم تشهد النور.
يمكننا أن نعدّ ابن تركة واحداً ممن حاولوا الجمع بين الاتجاهين، وإزالة الفوارق بينهما، في كتابه "تمهيد القواعد". وأتى من بعده شيخ الإشراق شهاب الدين السهرورديّ، فأسَّسَ حكمةَ الإشراق، التي مارس فيها محاولات الجمع بصورة أدقّ وأوسع ممّا فعله ابن تركة. ومن بعد السهروردي ظهر محمد بن باقر الداماد -المؤسس الحقيقي لمدرسة أصفهان الفلسفيّة- الذي قام بذات العمل أيضاً، ثمّ أخيراً انتهى المطاف إلى محمد بن إبراهيم الشيرازيّ، المعروف بصدر المتألهين، الذي تمكّن من إنشاء الحكمة المتعالية التي تجمع بين التفكير العقليّ الفلسفيّ والشهود القلبي العرفاني، وآيات القرآن وتعليمات الأولياء. تعد محاولة صدر المتألهين هي الأنضج، وسوف تطّلعان عن قريب إن شاء الله –تعالى- على إنجازاتها.
-    إيمان: ما أروعَ أن تكون هناك حكمة بهذه الأوصاف، حقاً ستكون حكمة متعالية.
-    إن هذه المناحيَ الثلاثةَ في طلب المعرفة أوجدت أنماطاً من الرؤى الكونية.
-    إيمان: ما معنى "رؤية كونية"؟.
-    الرؤية الكونية تطلق على نظرتنا إلى الكون من جهة المبدأ والغاية والمنتهى؛ من أين جاء الكون، ولماذا جاء، وإلى أين يذهب. هناك الرؤية الجغرافيّة للأرض، وهناك الرؤية الفيزيائيّة، ولكن أيّاً منها لا تتحدث عن جهة منشأ الكون ومآله الأخير. عندما تتكون عندنا فكرة عن هذا الموضوع، تصبح لدينا رؤية كونية.
-    إيمان: فهمتُ.
-    السيِّد ماهر: هناك أيضاً الرؤية الفلسفيّة عن الكون، التي تنهج منهج البحث العقليّ الصرف في الوجود، وهناك الرؤية العرفانية عن الكون، وهي التي تنهج منهج التطهير الباطنيّ والطهارة القلبيّة، بالرياضات والمجاهدات. وهناك الرؤية الدينيّة عن الكون، التي تستند على بيانات الدين فحسب، وهنالك الرؤية المتعالية، وهي الجامعة بين هذه الاتجاهات جميعها.
-    يقظان: وفقاً لما مرّ علينا، يجب أن تكون الرؤية المتعالية الجامعة هي الأنضج.
-    نعم، لكنّ الريادة هي للعقل في تأسيس الحكمة المتعالية.
-    إيمان: ولماذا؟.
-    العرفان هو مشاهدة الحقائق مشاهدة شخصيّة. فلو أنّ عارفاً طرح عليكِ –ياإيمان- رأيَه حول مصدر الوجود، فهل ستقتنعين في رأيه لأنّه يقول أنّه استقى هذا الرأي من مشاهداته العرفانية؟
-    سكتت إيمان ثم قالت مترددة: كلا.
-    السيِّد ماهر: سوف تطالبينه بالبرهان، أليس كذلك؟
-    بلى، قالت إيمان وقد عادت الثقة إلى صوتها.
-    إذن، فالعارف أيضاً مطالب بتقديم أدلّة وبراهين على مشاهداته العرفانية.
-    إيمان: فهمت الآن.
-    يقظان: وماذا عن التعليمات الدينية؟.
-    السيِّد ماهر: إنّها تلعب دور الإرشاد والتنبيه والتوجيه يا يقظان.
-    يقظان: فقط؟.
-    السيِّد ماهر: في المرحلة الأولى، علينا إثبات وجود الله –تعالى-، هذا قبل الاعتقاد بالنبوّة. وبالتالي ليس صحيحا أن نستند على التعليمات الدينية لأجل إثبات وجود الله –تعالى-.
-    يقظان: صحيح، لقدوضح الأمر.
-    السيِّد ماهر: نحن في حاجة إلى الأدلة العقليّة أيضاً لإثبات ضرورة الوحي وظاهرة النبوّة. وبعد ذلك تصبح التعليمات الدينيّة لِما تبقّت من المسائل الكونيّة نافعة جداً، وتلعب دور توجيهنا إلى الوجهة الصحيحة.
ولكن أعود لأكرّر: يلزمنا دائماً تقديم الأدلة العقليّة.
-    إيمان: واضح جدّاً.
-    السيِّد ماهر: لنرجعْ إلى ما كنّا فيه. الاتجاهات الثلاثة في الفلسفة الإسلاميّة مارست جميعها دوراً رياديّاً في تقدّم الفلسفة الإسلاميّة. الكلّ ساهم مساهمةً فعّالةً في دفعها إلى الأمام. علينا أن لا نبخس حق الأوائل في دورهم الرياديِّ. ولكن لأن دروسنا هذه محدودة جدّاً، فلن نستطيع التحدّث عنهم جميعاً. سنذكر أشهرهم على الإطلاق، لأنّ "عالم صوفي" مع شديد الأسف، لم يفعل ذلك. ولنبدأ بأوّل رائدٍ في هذا الميدان.

قام السيد ماهر بإعطاء ورقة لكلٍّ من إيمان ويقظان، سجّل فيها موجز ما مر:
    أطلق على الفلسفة لدى المسلمين "الفلسفة الإسلاميّة" لأنّها تحقّق في المسائل التي يستند عليها الدين الإسلاميّ برمته من قبيل الوجود الإلهيّ وتوحيده وصفاته وأفعاله.
    ولأنّها، أيضاً، تحقّق في المسائل التي دعا الدين إلى الاعتقاد بها طبقاً للبرهان.
    ولأنّ الأسلوب المتّبع فيها، وهو المستند على البدهيّات، يضمن سلامة النتائج وواقعيّتها، وهذا المنهج بعينه هو الذي دعا الدين الإسلاميّ إلى انتهاجه عند التحقيق في مثل هذه المسائل.
    حركة التفكير في الإلهيّات لدى المسلمين لم تكن ناشئة من تأثير الثقافات المجاورة والمترجمة، وإنما ترجع نشأتها إلى دعوة الكتاب المجيد للتحقيق والبحث العلميّ قبل الاعتقاد.
    ليست الفلسفة الإسلاميّة تكراراً وإعادة صياغة للفلسفة اليونانية
    من جرّاء دعوة الدين الإسلاميّ إلى البحث العلميّ بالمنهجين العقليّ والعرفانيّ نتجت تيارات بعضها تنتهج الأسلوب العقليّ وبعضها تتمسك بالأسلوب العرفانيّ، وبدأت الهوة بين المنهجين تزداد.
    الجمع بين المسلكين العقليّ والعرفانيّ كان نتيجة جهود جبّارة بُذلت تُوّجت بروعة الحكمة المتعالية.

3: الإحاطة التامّة والأمانة التامّة والالتزام التامّ

-    يؤكِّد المحققون أنّ الرجل الذي يستحقّ أن يقال عنه أول فيلسوف إسلامي هو يعقوب بن إسحاق الكنديُّ المتوفَّى السنة 260هـ/873م، قال السيِّد ماهر.
-    يقظان: ولماذا هو وحده دون غيره؟.
-    لقد ظهر هذا الرجل النابغة في الفترة العلميّة الثقافيّة العظمى للدولة الإسلاميّة، مرحلة النهم الفكريِّ والجوع العلميّ الثقافي تجاه كلّ ما هو جديد في عالم المعرفة. ففي عهد المأمون العباسيِّ، عاشت الدولة الإسلاميّة مرحلةً انتقاليّةً كبرى على المستوى الفكريِّ والثقافيِّ. لقد أسَّسَ المأمون العام 830م بيت الحكمة الذي كان مجمعاً علميّاً يحوي مكتبةً عامّةً ومرصداً فلكيّاً. لقد أنفق المأمون لإنشائه من الأموال ما يعادل 950,000 دولار أمريكيٍّ.
-    في ذلك الزمان .... يا إلهي إنّه مبلغ هائل جداً، قالت إيمان مذهولة.
-    يقظان: بل خياليّ.
-    بلى. قام المترجمون القابعون في بيت الحكمة بترجمة المؤلّفات الإغريقيّة والهندوسيّة والفارسيّة، من السريانية والفهلويّة والسنسكريتيّة، ما بين العام 750م والعام 900م. فقام الكنديُّ بتعلُّم كل هذه العلوم، وأتقنها إتقاناً عجيباً، إلى الدرجة التي مكّنته أن يؤلِّف في كلِّ هذه العلوم على اختلافها، وأن يمارسها عمليّاً. تخيّلا أن الرجل درس ظاهرة المد والجزر وأراد اكتشاف قوانينها، وقوانين الأجسام الساقطة في الهواء، وظاهرة الضوء. في الحقيقة كان أيضاً طبيباً، وفيلسوفاً، ومنجِّماً، ورياضيّاً، وفلكيّاً، وطبيعيّاً.
-    يقظان: ومع ذلك، فقد أطلقوا عليه "فيلسوف"؟.
-    نعم، لأنّه ترجم الكتب الفلسفيّة، وشرحها وبسّط الصعوبات فيها، وهذّب العديد منها. ألّف قرابة 265 كتاباً ورسالة؛ منها 22 كتابا في الفلسفة، و19 في النجوم، و16 في الفلك، و17 في الجدال، و11 في الحساب، و23 في الهندسة، و12 في الطبّ، و12 في الطبيعيّات، و7 في الموسيقى، و5 في النفس، و5 في المعرفة، و9 في المنطق. ولم يترك حتى الرؤيا والأحلام، إذ كتب فيها رسالة يشرحها، وألّف في الغذاء والدواء، وكيفيّة صناعة العطور، واختيار الأيام، وجهة القبلة.
-    إنه نابغة!!!، قال يقظان مندهشاُ جداً.
-    إنّه موسوعة!!!، علّقت إيمان مذهولة.
-    لقد دفع الرجل بالحضارة الإسلاميّة أشواطاً إلى الأمام. يمتاز بشدّة التزامه الدينيّ، وانتمائه التامّ إلى عقيدته، بالرغم من انغماسه الشديد في العلوم المختلفة. ويمتاز بأمانته ودقّته العجيبة في النقل والترجمة.
-    إيمان: ألم تهزّه مختلف هذه العلوم فتغيّر ولو يسيراً في قوّة انتمائه الديني؟.
-    نعم لم يهتزّ على الإطلاق. لقد ألّف كتاباً يردّ فيه على الدهريين، والطبيعيين، والثنوييّن، والملحدين. كما ألّف في التوحيد، والعدل الإلهيّ، وعرض البراهين على وجود الله –تعالى-. وألّف أيضاً في شروط استجابة الدعاء، وأن الكون يعبد الله –تعالى- ويُطيعه. وخالف أرسطو بشدّة، في رسالته التي يُثبت فيها تناهيَ العالم ومحدوديَّته وحاجته إلى مُوجدٍ وصانعٍ.
لعلّه تعرّض لوعكةٍ فكريّة خفيفةٍ؛ يُقال أنّه عكف على تأليف كتابٍ في متناقضات القرآن، ولكنّ الإمام العسكريَّ (ع) أقنعه بالرجوع عن ذلك، فرجع فعلاً وأحرق ما كان قد ألّف.
-    يقظان: ومن هو الإمام العسكريّ هذا؟.
-    الإمام أبو محمّد الحسنُ بن عليٍّ العسكريَّ (ع) من أئمة أهل بيت الرسول محمّدٍ (ص)، ومن أبرز شخصيّات الإسلام في عصره. عاش زمن المعتمد العباسيِّ الذي اضطهده كثيراً. مرقده الشريف في سامرّاء بالعراق كان قد تعرّض إلى هجوم بالعبوات الناسفة في الثاني والعشرين من الشهر الفائت.
-    إيمان: أه..تذكّرت. قام بعضهم بتحطيم قبّة مرقده ... كان لذلك صدى كبيرٌ في العالم الإسلاميِّ.
-    السيّد ماهر: نعم، لقد حطّموا مرقد إنسان لم يختلف أحدٌ على انتسابه إلى رسول الله (ص). حتّى إنّ ألدَّ أعدائه كانوا يعظِّمون جلالة قدره وعظم مقامه. يصفه "عبيدالله بن يحي بن خاقان"، وزير المعتمد العباسيّ، قائلاً: "ما رأيت ولا عرفت بسُرَّ مَنْ رَأى رجلاً من العلويّة مثل الحسنِ بنِ عليِّ بنِ محمّدِ بنِ عليٍّ الرضا في هديه وسكونه وعفافه ونبله، وكبرته عند أهل بيته وبني هاشم كافّة، وتقديمهم على ذوي السنِّ منهم والخطر"(13)
-    يقظان: لم يعد لدى هؤلاء الإرهابيِّين التكفيريِّين أدنى احترام لمقدّسات الدين.
-    إيمان: يا سيِّد ماهر، لقد جاء على المسلمين زمان أصبحوا أذلّاء مُهانين ومُشرّدين. أراضيهم تُغتصب، بُيوتهم تُهدم، وحتّى مقدّساتهم تتعرّض للإساءة. تذكرون تلك الرسوم الكاريكاتورية البذيئة المسيئة لنبي الإسلام محمّد (ص) ؟.
-    تقصدين الرسوم الـ 12 التي نشرتها مجلّة Jyllands Posten الدنماركيّة وزميلتها في الجريمة البشعة مجلّة Magazinet النرويجيّة. لقد خالفت المجلّتان قوانين احترام المعتقد التي نشرتها الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، وخالفتا إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقلّيات دينيّة ولُغويّة أيضاً. أعني الأقليّة المسلمة التي تسكن الدنمارك، وإلّا فإنّ الإهانة قد بلغت المليار وربع المليار مسلم على وجه المعمورة.
-    يقظان: ياسيِّد ماهر، رُبَّ ضارَّةٍ نافعةٌ. ألا ترى أنَّ هذا الفعل الشنيع قد وحَّد العالم الإسلاميَّ مرّة أخرى وأظهر غيرته على مقدَّساته ؟ إنّ المقاطعة التي فرضها المسلمون على المنتجات الدنماركيّة قد أوقعت خسائر فادحة جداً بالاقتصاد الدنماركيّ.
-    إيمان: فعلاً، لدرجة أنّ الهلع قد انتاب العديد من الشركات التي كانت تعرض إعلانات تؤكّد فيها عدم انتمائها إلى الدنمارك.
-    السيِّد ماهر: إنّ بإمكان المسلمين في الواقع أن يفعلوا شيئا أكبر بكثير من المقاطعة. على أيّة حال، لنرجع إلى موضوعنا.
-    إيمان: لنرجع إليه بهذا السؤال البسيط يا سيِّد ماهر، ممكن ؟.
-    السيِّد ماهر: بالطبع يا إيمان.
-    إيمان: هل كان الكنديُّ من أصحاب الإمام العسكريِّ ؟.
-    السيِّد ماهر: قيل هكذا. واستدلّوا على ذلك بتوجيه الكنديّ أسئلة إلى الإمام العسكريّ (ع)، روى محمّد بنُ يعقوبَ الكلينيُّ واحدةً من تلك الأسئلة في كتابه الكافي.
-    إيمان: قلتَ إنّ الكنديَّ قد ردّ على الدهريّين والثنويّين وغيرهم، فمن هم "الدهريّون" و"الثنويّون" يا سيد ماهر ؟.
-    السيِّد ماهر: الدهريّون فئة تُنكر وجود الله –تعالى- نظير الطبيعيّين والملحدين. أمّا الثنويّون فإنّهم القائلون بأن للكون مُوجِدين؛ أي جهتين تتحكّمان في وجوده.
-    إيمان: لقد أُعْجِبْتُ بهذا الرجل العملاق.
-    السيِّد ماهر: إنّه حقّاً عملاق من عمالقة الفكر والفلسفة الإسلاميّين. عربيٌّ من قبيلة كِندة. كان مولده في الكوفة، وسكنه في البصرة، وتحصيله العلمي في بغداد. عاش زهاء ثمانين عاماً. رحمه الله –تعالى-.
-    رحمه الله. كان عِراقيّاً إذن، قال يقظان متألِّماً.
-    السيِّد ماهر: نعم، كان عراقِيّاً بحسب التقسيم الجغرافيِّ الحاليِّ للدول العربية. ولكن كان عربيَّ اللسان، إسلاميَّ الانتماء، عالميَّ الثقافة، موسوعيَّ التفكير، جمِّ التأليف.
-    إيمان: ذكرنا العراق. لنبتهل إلى الله –تعالى- أن يعيدها مزدهرة معطاءاً كما كانت.
-    السيِّد ماهر: أحسنت يا إيمان. فعلا لنتضرعْ إلى الله –تعالى- أن يخلِّصها مما تعاني من محن ومآسيَ.

4: الفيلسوف الصوفيّ

-    قلّما يجتمع هذان الوصفان في شخص، بهذه الجملة بدأ السيِّد ماهر حديثه عن الفارابيِّ.
-    ولِمَ؟، سألته إيمان.
-    التصوّف -كما تعلمان- أسلوب في العيش يميل إلى الزهد والابتعاد عن ملذّات الدنيا. والمتصوِّفة، عادة، ليسوا ممن يميلون إلى البحث الفلسفيِّ، هذا إنْ لم يكونوا يكرهونه. التصوُّف في العادة منهج يدعو إلى الزهد، لا كنمط حياة فحسب، وإنّما كوسيلة لإدراك المعارف الإلهيّة أيضاً. إنّهم أناس لا يفضِّلون معرفة الإلهيّات بالبحث الفلسفيِّ.
-    إيمان: وهل هم محقّون في ذلك؟.
-    لست أعتقد بصحّة ذلك، ردّ السيِّد ماهر واستطرد: الزهد أمر عظيم، ولكن ذلك ليس يعني أن نجعل منه الطريق الوحيد الحصريَّ للمعرفة. سوف نأتي لاحقاً على ذكر طرق المعرفة وربما نعود إلى هذا الموضوع من تلك الزاوية مجدداً.
الرائد الثاني في خطِّ الفلسفة الإسلاميّة جمع بين التصوف كأسلوب يعيش به، وبين البحث الفلسفيِّ كمنهج عقليٍّ يؤمن به. إنّه أبو النصر محمّدُ بنُ محمّدٍ الفارابيُّ، من مدينة فاراب بخراسان، ت339هـ/950م. ريادة الفارابيِّ في هذا المنحى ترجع إلى تفوّقه التامِّ في فهم التراث الفلسفيِّ الإغريقيِّ، وشرحه وتبسيطه للعالِم ذلك التراث، لاسيما آراء ونظريات الفيلسوفين الكبيرين أفلاطون وتلميذه أرسطو.
-    إيمان: وهل هذا مبرِّرٌ كافٍ لجعل شخص ما رائداً للمنحى بأكمله؟.
-    السيِّد ماهر: بلى يا إيمان. لم تتضح فلسفة أرسطو وأستاذه أفلاطون حتى ظهور الفارابيِّ. يجب ألا ننسى أن هذين الرجلين كانا يُعَدَّان أعظم فلاسفة العالم، وأوائل الرواد في الخَطِّ الفلسفيِّ والتفكير العقليِّ. وبالتالي فإنَّ الشارح لنظريَّاتهم وآرائهم سيُعَدُّ، جزماً، رائداً أيضاً للمنحى. إن ريادة الفارابيِّ في الخطِّ الفلسفيِّ تفوق عند المحقِّقين ريادة الكنديِّ، نظراً إلى سعة فهمه وأحاطته التامَّة بآراءِ أفلاطون وأرسطو. تصوّرا إنّ ابن سينا، ذلك الفيلسوفَ العملاق ذا الذهنيّة الوقّادة -كما ستعرفان ذلك عن قريب إن شاءالله –تعالى- عجز عن فهم كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطو رغم أنّه قد قرأه 40 مرة، إلى أن وجد للكتاب شرحاً للفارابيِّ.
-    يقظان: أكمل حديثك عن الفارابيّ ياسيِّد ماهر. لقد شوّقتني.
-    السيِّد ماهر: رحل الفارابيُّ إلى بغداد لتحصيل العلم، فدرس المنطقَ والفلسفةَ. وفي وقت قصير تمكَّن من شرح أشهر أعمال أرسطو حتى غدا معروفاً في العالمين العربيِّ والإسلاميِّ بالشارح الأكبر لآراء كبير حكماء اليونان. أتعب الفارابيُّ نفسه لإزالة ما يبدو من اختلافات بين الحكيمين الكبيرين أفلاطون وأرسطو، إذ كان يعتقد أن العقول الكبيرة لا اختلاف بينها في تشخيص الحقائق، فكيف إذا كانت تلك العقول قد تغذَّت على المعارف الإلهيّة!.
-    مذا تعني بـ "تغذَّت على المعارف الإلهيّة"؟، سألته إيمان.
-    كان الفارابيُّ يعتقد أنّ مصادر معرفة أفلاطون وأرسطو تنتهي إلى الوحي.
-    يقظان (مذهولاً): هل كان يعتقد بنبوَّتهم

تعليق عبر الفيس بوك