عبيدلي العبيدلي
وسط تضارب الأخبار القادمة من سوريا، وفي خضم تعدد السيناريوهات المحتملة لمستقبل تلك المشروعات التي باتت أخبارها تتسرب بشكل مقصود، وأحيانا بشكل عفوي، انبرى المبعوث الأممي إلى سوريا "ستيفان دي مستورا" كي يحذر من "أن الوضع في سوريا سيؤدي إلى تقسيمها، وسيعيد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى الواجهة، (مضيفا ) خلال كلمة له في معهد الدراسات العليا في جنيف، أن الحقيقة هي أن التقسيم الهادئ والطويل المدى لسوريا، الذي نشهده في اللحظة الراهنة في مناطق سيطرة مختلفة، سيكون كارثة ليس فقط على سوريا بل على المنطقة بأكملها“.
وإذا استثنينا الجبهة العربية، وتجاوزنا المشروعات الأمريكية، وحاولنا حصر تلك السيناريوهات في المشروعات التي تحكم سياسات الدول الإقليمية الضالعة في ساحة الصراع السورية، بشكل مباشر، وهي تركيا، وإيران والكيان الصهيوني، فسوف نجد أن هناك مجموعة من المشتركات في كل مشروع من مشاريع تلك القوى الإقليمية يمكن رصده في النقاط التالية:
ضمان عدم عبور الحالة السورية إلى أراض أي من تلك القوى، والعمل على حصر الصدامات والصراعات في نطاق الأراضي السورية، مهما بلغت المعارك من حدة، واتسع نطاقها على الصعيد الجغرافي، وتطورت الأسلحة المستخدمة فيها.
التأكد من الاستمرار في إنهاك النظام السوري، بغض النظر عن استمرار النظام الحالي، أو حتى عند قدوم نظام آخر كبديل له. وهذا ما دفع بالرئيس السوري بشار الأسد إلى القول، في مقابلة له مع قناة "ويون تي في" الهندية، " إن الوضع على الأرض في بلاده بات أفضل بكثير مما كان من منظور عسكري، وذلك مع تراجع المجموعات الإرهابية". وكأنه بهذا القول يريد أن يؤكد لتلك القوى أن نظامه قادر على المواجهة والصمود.
التوازن المطلوب بين عدم التفريط في استمرار تأكيد مشاركتهم في إدارة الصراع من جانب، دون أن يكون هناك تأثير سلبي على تحالفات أي منهم مع القوى الدولية، سواء تلك الضالعة بشكل مباشر في الصراع، أو متأثرة بشكل غير مباشر من تداعياته. إيران على سبيل المثال، تتحاشى ذلك في علاقاتها مع موسكو، وتل ابيب مع واشنطن.
الحرص على ألا تتحول الساحة السورية إلى مصدر نزيف مستمر، ودائم يرهق موازنة الدولة الإقليمية المتدخلة، من خلال تقليص كلفة ذلك التدخل، وحصره في الحدود الدنيا الممكنة، ليس على المستوى الاقتصادي والمالي فحسب، وإنما، أيضا، على الصعيدين، السياسي والعسكري.
على أرضية هذه القواسم المشتركة، هناك بعض التباينات عندما يتعلق الأمر برؤية كل من تلك القوى الإقليمية لدورها، ومدى انخراطها، ومستوى مشاركتها في ساحة الصراع السورية.
فالنسبة لتركيا، تحرص هذه الأخيرة، على إبقاء النزاع بعيدا عن حدودها السياسية والمجتمعية، وهذا يفسر شنها معركة "غصن الزيتون"، الهادفة أساسا إلى عدم "تسرب" حدود الدولة "الكردية" المزمع قيامها إلى الأراضي التركية. فهي تدرك أنه متى ما تم ذلك، فهذا يعني انتقال جزء من المشكلة الكردية إليها، وهذه مشكلة، لا تجد إسطنبول نفسها مهيأة لمعالجتها في الوقت الحاضر، وفي نطاق الظروف القائمة.
في السياق ذاته، تحاول تركيا أن تحقق التوازن المطلوب، وفي فضاء ساحة الصراع السوري، الذي يميز مشروعها عن مشروعات الإسلام السياسي الأخرى، النشطة في ذلك الفضاء والمصنفة في خانة الإرهاب مثل "داعش" و"جبهة النصرة".
بالنسبة لطهران، فهي تحاول، هي الأخرى تحقيق الصيغة المناسبة التي تؤمن لها، الحفاظ على سلامة وولاء الشريان "الشيعي" المخترق لأراضي الإسلام "السني"، الممتد من طهران، مرورا بالعراق، معرجا على الشام، قبل أن يحط رحاله في جنوب لبنان من خلال قواعد "حزب الله" اللبناني. ومن ثم فالقصد من تدخلها المباشر في سوريا، هو ضمان امتداد ذلك الشريان، ولو في المستقبل البعيد، أفقيا كي يصل إلى الأراضي السعودية، وعموديا كي ينغرس في الأردن، مع ضمان عدم استفزاز تل أبيب، من جانب، ودون تقوية نظام بشار الأسد بما يضمن له الاستقلال عن النفوذ الإيراني من جانب آخر.
هذا ينقلنا إلى تل أبيب، التي تضع نصب عينيها ضمان استمرار المعارك في سوريا، مهما بلغت من الصغر، بما يكفي تحقيق عدم الاستقرار، الذي يضمن صمت جبهة الجولان من جهة، ويرهق النظام القائم، أو القادم من جهة ثانية، على أن يتحقق ذلك سوية مع إحكام الطوق على سوريا، بما يحول دون قدرتها على نسج أي شكل من أشكال التعامل مع أي نظام عربي آخر، كي تتمكن بالاستفراد بالنظام السوري متى ما تناسب ذلك ومشروعها الصهيوني.
في خضم كل تلك المشاريع التي تقف وراء كل واحد منها إحدى القوى الإقليمية، يفتش المواطن العربي عن مشروعه الخاص به، لكنه يكتشف، وهو أمر يؤسف عليه، أن هناك مجموعة من المشروعات العربية المتناقضة بل والمتناحرة بين بعضها البعض، إلى درجة أن البعض منها يصب، بشكل مباشر أو غير مباشر الماء في طواحين المشروعات الأخرى المتربصة بالبلدان العربي من خلال الساحة السورية.
تحاشينا الحديث عن مشروعات الدول الكبرى تجاه الساحة السورية، كيلا لا نتهم بعدم العدالة في المقارنة، وحصرنا المقارنة بين المشروعات في تلك التي تقف وراءها دول إقليمية كي تتسق المعايير وتتكافا المقاييس. وفي خضم كل ذلك نكتشف أن الغائب الوحيد بين مشروعات تلك القوى الإقليمية هو المشروع العربي، رغم أن ساحة الصراع هي في موقع القلب من الجسد العربي. وهذا يطرح علامة استفهام كبرى حول المصير الذي يتربص بمستقبل البلاد العربية إذا ما واصل العرب جلوسهم على مقاعد المتلقين، بدلا من احتلالهم مراكز المبادرين، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصيرهم ومستقبل بلادهم، الباحثة عن مشروع عربي أصيل يحفظ للعرب حقوقهم، ويحول دون تلاعب الآخرين بمصيرهم.