التاريخ لا يدون مرتين

أحمد بن خلفان المعمري

التاريخ إرث حضاري تتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل وما يورث من جيل سابق يكون إرثاً حصرياً للجيل الجديد، ونحن وكل الدلائل شاهدة على أننا عمان التاريخ، وعمان الحضارات، وما وجدته الاكتشافات الأثرية في عدة مناطق في ربوع عمان خير دليل على ذلك، وآخرها في منطقة دهوى بولاية صحم بشمال السلطنة التي تشير إلى حضارة يمتد تاريخها من 2500 إلى 2000 قبل الميلاد، ويعد من أقدم المستوطنات البشرية المكتشفة في المنطقة.

يمتد تاريخ عمان العريق إلى أكثر من خمسة آلاف سنة شهدت أرض عمان خلالها العديد من الأحداث والحقب التاريخية المختلفة وتعددت الشخصيات البارزة التي أسهمت في بناء تاريخ عمان الذي يزخر بالعديد من الإنجازات والثروات الفكرية التي ساهمت في التنوع الثقافي في عُمان، وبرع العمانيون في شتى المجالات حيث ظهر العديد من العلماء والمفكرين والأدباء، أمثال مازن بن غضوبة وكعب برشة الذين عاصروا عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى يديهم أسلم العديد من أهل عمان، والإمام الربيع بن حبيب والمحبوب بن الرحيل وغيرهم الكثير من الذين لا يسعنا المجال لأن نذكرهم جميعًا، ومن أهل عمان الذين ظهروا في كتب التاريخ الإسلامية والذين كان لهم العديد من المؤلفات والكتب في مختلف العلوم.

 

تعاقبت الحضارات على أرض عمان واستوطن الإنسان العماني هضابها وجبالها وسواحلها وأسهم في التطور البشري والحضاري عبر عصور مختلفة، وما قام به العمانيون خلال عصور الاستعمار في القرن السابع عشر من طرد المستعمر من أرض الجزيرة وتأمين خطوط الملاحة ووصول البحارة إلى شرق أفريقيا وآسيا وإرسال السفير أحمد بن النعمان كأول سفير عربي إلى الولايات المتحدة الأمريكية على متن السفينة سلطانة في عام 1840م، والعهد الزاهر لحكم السيد سعيد بن سلطان (1807_1856) وامتداد الإمبراطورية العمانية على امتداد أراض شاسعة شملت شبه الجزيرة وشرق أفريقيا وأجزاء من قارة آسيا.

إن ما يحاول القيام به البعض من العبث بالتاريخ ليس وليد اللحظة وليس محض صدفة بل هو عمل ممنهج لمحاولة تغيير الحقائق تارة وأخذ إرث الآخرين تارة أخرى، أو مشاركتهم التاريخ على أقل تقدير. قد نستهجن أحيانًا ونأخذ الأمور بهزلية في كثير من الأحيان لكن نحن في عمان نعرف أن التاريخ لايدون مرتين وأن تاريخ عمان يحفظه الصغير قبل الكبير ولكن علينا الانتباه إلى أن هذه الترهات في قادم الوقت وتعاقب الأجيال قد تزيف ما نراه اليوم حقائق لاغبار عليها.

الحفاظ على الإرث التاريخي والحضاري والمخزون الفكري هو واجب يجب أن تقوم به جميع الجهات وليس الجهات المعنية بالتراث والثقافة فقط، كما أن الاهتمام به يجب أن يغرس في الأجيال جيلاً بعد جيل، وهنا يأتي دور المجتمع في جعل ما توارثته الأجيال حديثاً للمجالس، والإسهاب في ذكر تاريخ عمان والاعتزاز به، وهو الذي على أساسه نواكب تطور الحاضر ونرسم المستقبل، وإن لم نفعل فإننا سنبكي على الأطلال، هذا إن بقيت الأطلال أصلاً.

 

ودمتم بود...

تعليق عبر الفيس بوك