في الاحتفال باليوم العالمي للشعر في (21 آذار / مارس):

حسام عقل وعزوز إسماعيل وشرف الدين يناقشون "بملابسه البيضاء" للنحّاس


القاهرة - ناهد زين الدين


 في قاعة نيلسون مانديلّا بالجمعية الأفريقية التابعة للاتحاد الأفريقي بالزمالك بالقاهرة وتحت شعار: (الأدب العابر للحدود)، وضِمن نشاط الصالون الأدبي لابن القناة و سيناء أُقيمَتْ ندوة نقدية لمناقشة الديوان الخامس للشاعر المصري إبراهيم موسى النحّاس "بملابسه البيضاء الأنيقة" الصادر عن دار "الكاتب" باتحاد الكتّاب الجزائريين, ناقش الديوان د. حسام عقل, و د. عزوز إسماعيل, وأدار الندوة الشاعر والناقد الأدبي صالح شرف الدين مؤسس الصالون, بحضور لفيف من كبار المبدعين و المثقفين المصريين و العرب.
       بدأت الندوة بعرض سيرة ذاتية للشاعر و دوره في إثراء الحركة الأدبية والثقافية على المستويين المصري والعربي, ثم إلقاء بعض المقاطع الشعرية من الديوان, ليبدأ الناقد الأدبي د. حسام عقل في عرض دراسته النقدية حول الديوان, فبدأ بالحديث عن رؤية الشاعر الوجودية تجاه الموت و الحياة, و أنَّ الديوان يعبِّر عن الإنسان العادي بكل ما تحمله كلمة إنسان من معاني و تناقضات بشرية و بكل ما فيه من بطولة و انكسار, و إيمان و نزَق و لحظات قوة و ضعف, كما نلمس داخل الديوان الإحساس بجحود العالم و خيانة الأصدقاء حتى بعد نزول الذات الشاعرة إلى القبر, كما وضَّح أنَّ الشاعر تعامل مع الموت تعاملًا وجوديًّا باعتباره الحقيقة المطلقة لكن من منظور "الفانتازيا" حيث تخيَّل الشاعر أنَّه رحل عن الحياة تمامًا و من قلب عالم البرزخ يطل على العلاقات البشرية,و رغم فكرة العُذلة و الوحدة نلمس تحدِّي الذات الشاعرة للموت من خلال تلك القهقهة الكبيرة في نهاية الديوان,يؤكد هذا التقدير للحياة و الفن والموسيقى حيث يراها ضرورة في حياتنا نتحدّى بها صمت العالم, منهيًا حديثه حول رؤية الشاعر بأنَّها تنتمي لفن السيرة الذاتية" الأوتوبيوجرافي" التي تعتبر من أصعب الأنساق في الكتابة, وربط الناقد في هذا السياق بين تجربة الشاعر و تجربة رواية"الأيام" لطه حسين و تجربة الشاعر المصري حسن فتح الباب في ديوانه"حارة المجدلي". مؤكدًا أنَّ الديوان يشبه الثقوب السوداء في علم الفلك, فرغم أنَّ الديوان يتكوَّن من ثمان وسبعين صفحة فقط لكنَّه يحمل طاقات هائلة تجعله يحتاج للقراءة أكثر من مَرَّة.
      ثم تطرَّق لبعض الجوانب الفنيَّة في الديوان فتناول عتبة العنوان و الإهداء والمفتتح وربطهم برؤية الشاعر داخل الديوان,و تنوُّع توظيف الشاعر للضمائر, و توظيف الرمزية مثل رمز الأم داخل الديوان, و اللعب ببلاغة التورية باحتمال الجملة أو الكلمة لأكثر من معنى, مع الصورة السوريالية أحيانًا, و توظيف التناص ليس مع محمود درويش أو المتنبي فقط بل مع نفسه من خلال التناص مع إحدى قصائد الشاعر من ديوان سابق, كما نلمح البعد الإيروتيكي الجسدي الذي جاء مُوظَّفًا فنيّا دون ابتذال, كما نجد لعبة الفضاء البصري و توظيف الفراغات الطباعية لخدمة الدلالة, فيفكك الشاعر الكلمة إلى حروفها مفردة مع تنضيد الحروف بشكل مائل و كأنَّها تتداعى و تسقط و تموت, كما أسهب الناقد في نزوع الشاعر إلى كسر أفق التوقُّع لدى القارئ- بمفهوم ياوس في نظرية التلقي-  مستشهدًا على ذلك الملمح بآخر مقطع في الديوان. وفي نهاية القراءة النقدية نبَّه الناقد الشاعر إلى الاختلاف معه في وجود غموض شديد في بعض المقاطع في مقابل تبسيط زائد في مقاطع أخرى.
       ثم جاءت الدراسة النقدية - المستفيضة أيضًا – للدكتور عزوز اسماعيل التي ركَّزت على أنَّ النصُّ السرديُّ في هذا الديوان الفارق يحمل شعرية متميزة، نراها جلية في التعبير عن الغياب و الموت، و كان معجمه دالاً في طرحه، والذي يكمن فيه قوة الشعرية التي تبيِّن الإبداع الحقيقي عند الشاعر، من خلال اللباس الأبيض الذي يمثل الكفن، والموت، والقبر، والدود والتراب، والألم ، و الفقد، و كلها كلمات قاسية على النفس. يتحدث بلسان الموت أحياناً وهو يمثل حالة الفقد والوعي في الوقت نفسه، الوعي بالذات و الوعي بالآخر في غيابه القاسي، و يماهي الشاعر بين ما لدينا من معارف و حقائق عن الموت و بين ما يراه شخصيّاً لدى الناس في الحقيقة المدهشة، سارداً و شارحاً تنهيدات مميته، بدءًا من المكان "القبر" الذي عبَّر عنه بـ "هنا" فهو يشير إلى الموضع و الحيز، حيث اللاعودة/ الموت, و مَن سيرحل بأنّه سيعتاد التأخير خارج البيت, و استشهد بقول الشاعر: ((هنا سأعتاد التأخّر خارج البيت/ أدرّبهم- كثيرًا/ أن يذوقوا/ حلاوة الحضور/ في مقدِّماتِ غيابه الطويل..)) فإذا كان الموت هو الفجيعة الكبرى فهو يقابلها بنص ساخر يرتد من خلاله إلى نفسه، يموت الأب و تصاب الأم بالزهايمر المفاجئ نظراً لذلك الفقد و لوعة الفراق، و تصبح هناك أكذوبة الأثر الذي يبقى على حد تعبير الشاعر داخل الديوان, كما تطرَّق الشاعر بالتفصيل إلى عتبات النص الشعري و قام بتحليل الغلاف و ربطه برؤية الشاعر داخل الديوان,موضحًا أنَّ النص " كافكاوي" بامتياز, كما يتعانق مع الشاعر الإنجليزي توماس ستيرنز إليوت في عزلته المميتة و الشوق للتنفس و البحث عن الذات المفتقدة من خلال الموقف الوجودي للذات الشاعرة من الموت,كما تحدَّث عن توظيف الشاعر للخيال, وطبيعة معجمه الشعريّ.
 ومن مقاطع الديوان التي ألقيت في الندوة قول الشاعر:
((ليسَ وحيدًا إلى هذه الدرجةِ
أن يُفضّلَ أبوه الجنَّةَ عليه
أن تغوصَ أمُّه في "زهايمرَ" مفاجئٍ
و يتساقطُ مَن حولَه
كنزيفٍ بحافظته.
لا يزال معه
جسدٌ متعفّنٌ
و حروفٌ
يمسح كُلَّ يومٍ عنها
غبارًا أرَّقَهُ.

مجنونةٌ هي اللغةُ
ملعونٌ هو الجسدُ
كيف سمحا لنفسيهما
أن يسجنا كُلَّ هذهِ النارِ؟!
وإلاّ ..
فما قيمةُ
أن يُفَجِّرَ المقهى بالضحكاتِ
رافضاً أن يقولَ:
                       أحبك يا موتُ؟!)).
         
   

تعليق عبر الفيس بوك