سؤال في التفسير:

وقفة لغوية وبلاغية مع آية قرآنية (26)

أ.د/ سعيد جاسم الزبيدي – جامعة نزوى

 

وسألني تلميذي النجيب: نمرُّ على ألفاظ في آي القرآن لم تتكرر، كقوله تعالى: (ومن شرّ غاسقٍ إذا وقب. الآية 3 من سورة الفلق). فما السرّ وراء ذلك؟
كنت قد اقترحت على إحدى طالبات الدراسات العليا أن تبحث في المفردات القرآنية التي لم تتكرر، وبعد البحث ظهر لنا أنّ الموضوع درسه الطالب حسين حنش الزهراني بعنوان: "المفردات التي لم تتكرر في القرآن الكريم – دراسة في الأصل والمعنى والسياق، في كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى، سنة 2010م، فصرفنا النظر عن البحث فيها، وها أنت ذا تسأل عنها فأقول:
أحصى هذا الباحث المفردات التي لم تتكرر، فوجدها تبلغ (389) مفردة، ووزعها على أربعة فصول:
الأول: أسماء الأعلام والذوات.
الثاني: الأبنية والمعاني العامة.
الثالث: أسباب التفرد.
الرابع: السياق وأثره في تحديد المعنى.
ولكنّني سأتناول المفردة موضوع السؤال على نهج يختلف عمّا عرضه الباحث لإتمام الفائدة.
وكانت الطالبة التي أشرت إليها أحصت الألفاظ التي لم تتكرر على اختلاف صيغها (2078) مفردة، وإنّ سرّ الاختلاف بين الإحصائين أنّ الباحث قصره على مفردات، وأنّ الطالبة توسعت إلى الأفعال بكلّ صيغها.
وجواباً على سؤالك، فأعرضه في مبحثين وخلاصة:
أولاً: في المعجم، والصرف:
جاء في كتاب (العين): "... ووقب الظلام، أي: دخل..."(1).
وجاء في (أساس  البلاغة): "وقبَ الليلُ، وظلام واقب"(2).
أمّا في الصرف فورد: وقَب، يقِب، وقباً، ووقوباً، فهو واقب، ووقيب: صوت قنب الدابة، وامرأة ميقاب: محماق، والوقبة: النقرة يجتمع فيها الماء، ووقبة الثريد: أنقوعته، والإيقاب: إدخال الشيء في الوَقْبة.
ثانياً: ما قيل في الدلالة:
قال الفرّاء (ت207ه): "والغاسق: الليل، (إذا وقب)، إذا دخل في كل شيء وأظلم"(3).
وقال الطبري (ت310ه): "(إذا وقب) دخل في ظلامه... وكان يقول في معنى وقب: ذهب"(4).
وقال ابن خالويه (ت370ه): "(إذا وقب) ومعنى وقب: ذهب ضوؤه، وإنّما يكون ذهاب ضوئه أمارة لقيام الساعة"(5).
وقال الطوسي (ت460ه): "الغاسق كلّ هاجم بضرر كائناً ما كان"(6).
وقال الزمخشري (ت538ه): "ووقوبه: دخول ظلامه في كلّ شيء"(7).
وكرر هذا أبو حيّان الأندلسي (ت745)(8).
وقال ابن عاشور (ت1393ه): "ومعنى (وقب) دخل وتغلغل في الشيء"(9).
وخلاصة القول:
اخترنا هذه النظرات في تفسير (ومن شر غاسق إذا وقب – الآية 3 من سورة الفلق) لبيان الآتي:
وأدقّ ما قيل في (الغاسق): كل هاجم بضرر كائناً ما كان، وفي الليل إذا اعتكر ظلامه، ودخل، وتغلغل في كل شيء. وهذا سرُّ ما تفردت به لفظة (وقب) حين أُسندت إلى (غاسق)، وأجملَ الراغب الأصفهاني (ت505ه) في (من شرّ غاسق إذا وقب) أنّها عبارة عن نائبة (10). والتعبير في الآية من العبارات القرآنية تركيباً ودلالة. والله الموفق للصواب.
.......................
المصادر:
(1)    الخليل بن أحمد الفراهيدي: كتاب العين، تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، مؤسسة الأعلمي/بيروت، ط1، 1988م، باب القاف والباء و(وايء) معهما،   . وينظر: الفيروزأبادي: القاموس المحيط، تحقيق أبي الوفا نصر الهوريني، دار الكتب العلمية/بيروت، ط1، 2004م، باب الباء فصل الواو، 1/183-184 .
(2)    الزمخشري: أساس البلاغة، تحقيق محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية/بيروت، ط1، 1998م، مادة (وقب)، 2/348 .
(3)    معاني القرآن، تحقيق عبدالفتاح إسماعيل شلبي وعلي النجدي ناصف، الهيئة المصرية العامة للكتاب/القاهرة، د.ط، 2000م، 3/301 .
(4)    جامع البيان في تفسير القرآن، دار الجيل/بيروت، د.ط، 1987م، 24/704 .
(5)    إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم، مكتبة المتنبي/القاهرة، مصورة عن نسخة دار الكتب المصرية عام 1941م، ص234 .
(6)    التبيان في تفسير القرآن، تحقيق حبيب قصير العاملي، طبع ذوي القربى/طهران، ط1، 1431ه، 10/433 .
(7)    الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق عادل أحمد عبدالموجود وعلي محمد معوض، مكتبة العبيكان/الرياض، ط1، 1998م، 6/465 .
(8)    ينظر: تفسير البحر المحيط، تحقيق زهير جعيد، دار الفكر/بيروت، د.ط، 2005م، 10/575 .
(9)    التحرير والتنوير، مؤسسة التاريخ/بيروت، ط1، د.ت، 30/549 .
(10)    المفردات في غريب القران, ص606

تعليق عبر الفيس بوك