قارئ اليوم .. قائد الغد

محمد بن حمد البادي

يُعتبر الرئيس الأمريكي الأسبق (جون كيندي) أشهر أسرع القراء على الإطلاق ولهذا السبب دأب (كيندي) على إبراز ذكائه وقدراته العقلية خلال حملاته الانتخابية، وكان دائماً ما يستعرض هذه المهارة الفائقة أمام الجمهور ليعرف ذلك، وقبل أن يدرس القراءة السريعة كان معدله العادي للقراءة 284 كلمة في الدقيقة، ولقد شاع بين الناس أنه دأب على صقل موهبته حتى وصل إلى سرعة تزيد على 1000 كلمة في الدقيقة، كما طور القدرة على اتساع مدى القراءة بما يسمح له بمرونة غير عادية لينوع من سرعة قراءته في الموضوعات المختلفة التي كان لزاماً عليه ـ بحكم منصبه كرئيس لأمريكا ـ أن يقرأها يومياً.

 

أما الأمريكي الآخر (شون آدم) الحائز على لقب {أسرع قارئ في العالم} في الوقت الحاضر، مثله مثل الآخرين، بدأ كقارئ عادي بسرعة متوسطة، وتشير قصته إلى أنه في طفولته ومنذ ولادته عام1971م كان يعاني من مشكلات في الإبصار، فقضى عدة سنوات في العلاج من أجل تحسين وضع الرؤية، وبذل في ذلك جهوداً مضنية، وبمجرد أن عادت عيناه إلى المرونة المعتادة بدأ (شون) عام 1982 في زيادة سرعة قراءته إلى أن وصل إلى الرقم القياسي 3850 كلمة في الدقيقة.

ولكن.. كيف هو حال القراءة في عالمنا العربي اليوم؟

(لاحظ.. أننا هنا نتحدث عن مجرد القراءة فقط.. وليس شيء آخر كسرعة القراءة أو مهاراتها)

ثم أين يقع القارئ العربي على الخارطة العالمية للقراءة؟

لسنا هنا في موقع للمقارنات، ولا مجال للحديث عن الأفضلية في عالم القراءة، ولكن ـ وحسب كل المؤشرات ـ يجب الاعتراف بأنَّ القراءة عند العربي لا تنال ذلك القدر الكبير من العناية والاهتمام، وحسب الإحصائيات فمعدّل الصفحات التي يقرأها الشخص في العالم العربي سنوياً يقلّ بأضعاف الأضعاف عن مُعدّل الصفحات التي يقرأها الفرد في الدول الأخرى، وهذا هو أحد الأسباب المهمة لتخلّفنا في الوقت الحالي؛ فنحن لا توجد لدينا تلك القدرة العالية على المداومة على القراءة وجعلها واحدةً من ضمن العادات اليومية الأساسية التي لا يُمكن الاستغناء عنها.

فعلى سبيل المثال.. نرى المكتبات في مدارس وجامعات الدول العربية مشيدة بأفضل التصاميم، ومزودة بكل اللوازم والأجهزة الحديثة، مليئة بالكتب والمجلدات والبحوث والصحف التي تحمل بين طياتها كل علوم أهل الأرض عبر كل العصور والأزمنة الحديثة منها والغابرة؛ ولكن مما يؤسف له أن تلك الكُتب والمجلدات والبحوث والدراسات المتكدسةِ على رفوفها لا تحظى بنظرة ولو عابرة من عيون مرتاديها، بعيدةً عن متناول أياديهم كحال بعدها عن عقولهم واهتماماتهم؛ بل قد نرى تلك الكتب وقد تكدس عليها الغبار لما اعتراها من تجاهل وإهمال، وهذا بالتأكيد ـ ولا غرابة في ذلك ـ ستكون نتيجته تخرّج أجيال مفلسة فكرياً وأدبياً، متلقيةً فقط للعلوم بطريقة التلقين، عاجزةً عن تحليلها، لا تملك إلا آفاقاً محدودةٍ وتطلعاتٍ معدودةٍ في شتى مجالات الحياة، وهذا مؤشر خطير ينذر بالتأخر الثقافي والفكري، وتخلفٍ عن ركب العلماء والأدباء في باقي دول العالم.

 إنّ القراءة غذاءُ العقل والروح، ومنبعُ الأفكار؛ وتعد أيضاً مصنعاً للعظماء، فقارئ اليوم قائد الغد، لأنّ القراءة تُعمق إحساس الشخص القارئ بالمسؤولية وتعرفه بأهمية دوره في الحياة تجاه أمته ومجتمعه وتفتح له آفاقاً جديدةً أكثر رحابةً واتساعاً، وكم غيّرت الكتب من طريقة تفكير بعض القراء نحو الأفضل، الأمر الذي انعكس على حياتهم اليومية، فغدوا أشخاصاً إيجابيين متفائلين بالغد، مرحين ومُرحبين بالحياة.

ومما لا شك فيه أنَّ الحياة اليومية تُغرق البشر في كثيرٍ من المشاكل والضغوطات النفسية والفكرية والبدنية، فنرى البعض منهم لا يملك القدرة الكافية على إيجاد الحلول لأبسط قضاياه، فنجده غارقاً في مستنقعها مكبلاً بقيود العجز عن مواجهتها، فيما قد تساعده القراءة على فتح مداركه المغلقة، فتمده بالحلول التي يبحث عنها؛ إمّا بالإلهام من أحداث روايةٍ مُعينة، أو أن تؤثر القراءة عليه بطرد القلق والتوتر والتخلص من ضغوطات الحياة اليومية، أو أنها تقوم بإزاحة الستار عن بعض الحلول الغائبة عن فكره تلك اللحظة فتتضح له بصورةٍ جليةٍ.

 إنَّ جميع الأسر بلا استثناء مدعوة للاهتمام بتنشئة وتعويد أطفالهم على حب القراءة والمداومة عليها لأنَّ الأُمة التي لا تقرأ لا خير فيها؛ ولا صلاح لشبابها وأهلها، وسيُحيطها التخلف من كل جهة، وسيجعل منها أمة منزويةً ومركونةً في الزوايا الضيقة والمظلمة، بعيداً عن أقلام المؤرخين أو رواة التاريخ؛ فهي لم تسع للعلم ولم تجد للمعرفة سبيلاً، فبالقراءة يتم تحصيل العلوم والمعارف وهي باب واسع للثقافة والأدب، سواءً كان ذلك للصغار أم للكبار، وهي البرهان الساطع على رقيِّ المجتمعات ونهضة الأمم وتحضر الشعوب، وهي السبيل إلى خلق جيلٍ مبدع قادر على خدمة نفسه ووطنه وأمَّته في كافة المواقع التي يكون فيها.

إنَّ القراءة بإمكانها فعل المعجزات لأيِّ فردٍ حينما يجعلها ضمن الوجبات الأساسية التي يتناولها خلال أوقات يومه، فهي التي تمد الإنسان بالطاقة اللازمة ـ مثلها مثل الطعام الصحي ـ وهي التي تحفِّز دماغه وتحرِّكه لتصبح بذلك من أهم العوامل المساعدة له على أداء العديد من المهام بإتقانٍ عالٍ بكل سهولةٍ ويسرٍ، حيث إنَّها توسِّع مداركه، وتفتح عقله، وتلفت نظره إلى أمورٍ كانت غائبة عنه.

تعليق عبر الفيس بوك