ثلاث روايات جديدة للعراقي محمد حيّاوي

...
...
...

 

الروائي والقاص محمد حيّاوي العائد من المنفى إلى العراق صدمه مشهد "الأرض اليباب" على أبواب بغداد فأصدر روايتيه "خان الشّابندر"، و"بيت السودان" عام 2016م،  ومع إطلالة عام 2018 أصدر رائعته الجديدة "سيرة الفراشة" وهي باكوة أعماله الفنية.. حيّاوي لا ينسج من خياله شخصيات قصصه أو رواياته فأينما يمَّمتَ وجهك شطر شخصية ما  في دهاليز أي رواية أو قصة ستجد شخصيات معجونة بالواقع العراقيّ.. وفي هذه التقدمة القصيرة نلقي الضوء على رواياته الثلاث الأخيرة ....

خان الشّابندر

رواية "خان الشّابندر" تقع في 175 صفحة من القطع المتوسط وصدرت في العام 2016 عن دار الآداب البيروتيةتحاول إعادة اكتشاف الذات العراقية التي تبدّدت ملامحها بعد الحرب وسقوط الديكتاتورية. وتستند ثيمتها إلى الفجيعة والانسحاق المجتمعي بين ممارسات الديكتاتورية وبشاعة الارهاب وانفلات الأمن في البلاد وسنوات الحرب الأهلية. يحاول بطل الرواية، العائد تواً إلى العراق بعد غياب أكثر من عشرين سنة، أن يفهم طبيعة المتغيرات الاجتماعية العميقة التي حصلت للناس والأمكنة ونمط العلاقات وذكريات الماضي، لكنَّه يُحبط في النهاية عندما يكتشف أن تلك العلاقات ونمط الحياة قد تشوّهت وتحوّل البشر إلى موتى أحياء لا ذاكرة لهم ولا مستقبل، مجرّد حاضر دام يتمرغ في مخاضة من العنف والدماء. وفي المقابل ثمَّة قِصَّة حُبّ فادح تربط البطل بإحدى بائعات الهوى "هند"، التي تتوعده بالسعادة والحماية والتمتّع بحدائقها، لكن مقابل ثمن باهظ سيدفعه من وعيه ومفهومه الفلسفي للحياة:
تحاول الرواية، وعلى الرغم من كم الألم الهائل فيها، بناء يوتوبيا بديلة للمدينة المُنتهكة، يوتوبيا مُعلّقة بين السماء والأرض، تتخاطف في فضاءاتها الملائكة وينثر فيها الحكيم "مجر" مُثله، وتتجسد بين أضلاع خرائبها صحائف تاريخ مضى ولن يعود.
تتميّز الرواية، وهي الثالثة للكاتب، بشكلها البعيد عن التجريب والتعقيد محاولة الاستفادة من بُنيتها السرديّة المتواصلة وسلاسة موضوعها وبساطة شخصياتها على الرغم من غرائبيتها.


بيت السودان

رواية "بيت السودان" تقع في 165 صفحة من القطع المتوسط وصدرت في العام 2016 عن دار الآداب البيروتية وتحاول الرواية رصد الأحداث والمتغيرات العميقة التي جرت في العراق خلال العقدين الأخيرين، بدءً من دخول القوات العراقية الكويت وانتهاءً بإسقاط نظام صدام على أيدي الأمريكان، ثم تسلّق قوى الإسلام السياسي على رقبة البلاد ونشر شرائعها بما رافقها من فساد وعنف وتخلف، مرورًا بالانتفاضة الشعبية وقمعها ومن ثم فرض الحصار الاقتصادي الظالم الذي حول البشر إلى كائنات مدجنة لا تفقه من مستقبلها شيئًا وتصارع من أجل البقاء، وكل ذلك يجري على خلفية السرد، إذ تدور أحداث الرواية في بيتٍ كبير يقع على أطراف المدينة، تعيش فيه مجموعة من النساء الجميلات سوداوات البشرة، يمتهنّ الرقص الشعبي ليالي الجمعات، حيث جمهورهنّ من الكسبة البسطاء والحمّالين الذين يكدّون بشرف طيلة الأسبوع، ثم يكافئون انفسهم بمتعة نزيهة وغير مكلفة.
في ذلك البيت المليء بالعجائب الصغيرة، يجد بطل الرواية «علاوي»، الشاب الوسيم أبيض البشرة، نفسه وحيدًا في بيتٍ يعجّ بالنساء السوداوات الجميلات، تقف في مقدّمتهن «ياقوت» سيِّدة بيت السودان وأميرته المطلقة، التي تغدق عليه بعاطفتها المُحرقة. وبين عذابات اللهفة الجارفة، تشتعلُ الأسئلة في رأسه عن حقيقته. هل كان لقيطًا؟ وما قصّة فارق السن بينه وبين ـ أمّه ـ «ياقوت» الذي لا يتجاوز العشر سنوات؟ وهل يحقّ له عشقها والذوبان في آتون جسدها العاجي الأسود؟ لاسيّما وأنّها تصر على عدم السماح بتدنيس تلك العلاقة المقدّسة والغريبة، حتى تدخل في مسار الأحداث "عفاف" وهي فتاة شابّة بيضاء البشرة متمردة ثورية السلوك ومحتدمة المشاعر الوطنية، يحرقها حيفها على العراق المحتلّ، فتأخذ الأحداث مسارات أخرى مختلفة ومليئة بالعواطف والوجد والعشق والنضال الجريء ضد قوات الاحتلال، قبل أن تكتشف حقيقتها كامرأة، فينطفئ ثأرها وتبرد نارها، لتأتي صدمة النهاية القاسية مثل صرخة مُدوِّية تحاول وضع القارئ أمام سؤال صادم هو الآخر، مفاده: هل من حدٍّ فاصلٍ بين القسوةِ والجنون؟
الرواية، على الرغم من خلفيتها السياسية، إلّا أنّها رواية عشق ووله عميق، تستند إلى مجموعة أساطير مستوحاة من الألواح السومرية التي تتنبأ بما سيحل بالعراق من أحداث ودمار وانهيار للبنى التحتية والمجتمعية والأخلاقية، مكتوبة بقالب سردي سلس وأسلوب مشوّق يحفز القارئ على متابعة أحداثها.


سيرة الفراشة

رواية "سيرة الفراشة" تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط وصدرت في العام 2018 عن دار سطور ببغداد وتحاول أن تروي مأساة جيل كامل ينسحق تحت آلة الحرب المُدمرة وتُنتَهك تطلّعاته وتتبدّد أحلامه ويفقد هويّته وذاكرته وتاريخه، لا سيما هؤلاء الذين لديهم مَلَكة الإبداع والخلق، فثّمة الموسيقي عازف البيانو "بسّام" وصانعة الرسوم المتحركة زوجته "ندى" والفنانة التشكيلية المغرقة في التصوف "نارسس" سليلة الأسرة الإيرانية الارستقراطية، واستاذة الموسيقى "سارة" المرأة اليهودية اليساريّة التي تنتشل "بسّام" من ضياعه وتخبّطه في مخيم اللاجئين وتقدّمه إلى عالم الموسيقى المبهر.
لكنّها في الوقت نفسه قِصَّة البسطاء من العرب، هؤلاء الذين أضاعوا بوصلتهم ووقعوا في لحظات نادرة من التاريخ في براثن الخديعة والعنف والرّذيلة من دون أن يفقدوا أرواحهم تماماً، مثل "نعيمة" و"نسيمة" و"عبد الله" و"أم حسونة" وغيرهم.
وفي المحصلة تحاول هذه الرواية، التي استندت إلى تكنيك غير معقّد ولغة خاصّة، أن تقدّم تلك التفاعلات الدرامية الموجعة وترصد التأثيرات الإنسانية الساحقة، من دون أن تتدخل في الأحداث أو تنحاز إلى جهة أو معتقد ما أو اخضاع تلك الأفكار والانثيالات لمحاكمة غير منصفة، لا ترصد في الواقع سوى الانسحاق الإنساني، في محاولة لإطلاق صرخة مكتومة، لا تكاد تغادر الحَلْق، ليس بوجه الحرب ومأسيها وحسب، إنما بسبب الألم الموجع.

تعليق عبر الفيس بوك