إشكالية العلاقة بين الحلم والواقع في" منامات" جوخة الحارثي (1)

د. إحسان اللواتي – جامعة السلطان قابوس

 

يلج القارئ في عالم هذه الرواية (1) مزوداً بفكرة قبلية استفادها من عنوانها، حاصلها أنه مقدم على قراءة رواية يشكل الحلم أساسها الأول، أو يتبوأ فيها مقاماً مميزاً في أقَل تقدير. هذه الفكرة المسبقة سرعان ما يتبدى للقارىء كونها في محلها بمجرد أن يستهل قراءته، فالحلم حاضر في الرواية كلها حضوراً مكثفاً بارزاً، لا بل إن حضور الحلم حضور طاغ لا يأذن للواقع أن يكون ذا حضور مستقل عنه، فيغدو الواقع ــ والمراد به في هذه الدراسة كلها الواقع الروائي، أي ما هو واقع في الرواية نفسها، بغض النظر عن العلاقات التي يمكن أن تربطه ببعض ملامح الواقع الخارجي المعيش ــ حلماً، ويغدو الحلم واقعاً، ويتداخل الاثنان حتى يصعب ــ إن لم يتعذرــ الفصل بينهما أحياناً. ولهذا التداخل دلالته التي عبّر عنها الخواجه بقوله " لكأنّ اضطراب الحياة وإشكالاتها العديدة واختلاط المعقول في اللامعقول حطّم الكثير من المتاريس الفاصلة. وأسلوب التعبير هنا يرغب في الإيماء أن في الواقع من الميلودرامية واللامعقول واللاواقعية، مع أنه واقع، الشيء الكثير، بما يسّوغ الحلم وينسجه داخل الحقيقي دون عائق"(2).

صحيح أنّ الفصل بين الحلم والواقع ماثل بنحو واضح في وعي الشخوص الروائية أحياناً، فهي ذي بطلة الرواية وراويتها تقول مفصحة عن هذا الوعي: " في منامي تلك الليلة كنت أهمهم: ولكنه حلم، مجرد حلم" (3). وشبيه بهذا الموقف موقفها من هدايا محبوبها، الهدايا التي كان وجودها الخارجي يجأر بنفي الحلم:" في درجي اليوم أرى كل الأشياء الصغيرة القاتلة التي لا يمكنها التخلص مني ولا يمكنني تجريدها, كل الأشياء الصغيرة تتسع عيونها المصمية, عيونها التي تقول: لم يكن حلماً " (4).
بيد أنّ هذا الفصل الواضح كثيراً ما ينسحب متراجعاً, تاركاً مكانه لتحول الواقع إلى حلم من جهة, ولتحول الحلم إلى واقع من جهة أخرى. فمن الجهة الأولى يصير الواقع, كل الواقع, حلماً في وعي محبوب الراوية, فنجده يقول: " كأني أعيش خارج اللحظة, كأن كل ما يحدث مجرد حلم, وفي لحظة ما سأستيقظ. قلت بتوجع: ولكن هذه اللحظة لا تأتي. رفع عينيه إليّ: هل الحياة إلا حلم؟" (5) وليس الأمر مقتصراً عليه وحده, فهذه هي الراوية تقول أيضاً: " أتلك البداية أم النهاية ؟ البدايات حلم, والنهايات ؟ حلم آخر, بطعم آخر " (6). وفي لقائهما, حين أرادها أن تأخذ يده, رأت الواقع حلماً, وأخذت تسأل نفسها ما إذا كانت أفاقت منه: "دائماً لم أؤمن بخلود هذا المستحيل، ودائماً شككت في حقيقة هذا المنام الطويل، فهل أفقت؟"(7).
ومن الجهة الأخرى، جهة تحول الحلم إلى واقع، تشعر الراوية باستمرار أنّ أحلامها " تمزقها". وما كان لمثل هذا الشعور أن يراودها لو أنّ أحلامها قنعت بكونها أحلاماً حسب، ولم تشرئب إلى الواقع:" مزقتني المنامات الطويلة المتكررة، صهلت فيّ أفراس الآلام حتى قلت: الموت أو الموت، ثم انخلعت عن الجحيم، بيد أني أختنق الآن بالدخان"(8). وتصرح الراوية أيضاً بأنها كلما حاولت الابتعاد عن واقعها، أعادتها إليه أحلامها التي تشبه وحوشاً مفترسة أو قوى مزلزلة، وهذا كله مثقل بالدلالة على ما للأحلام من وثيق ارتباط بالواقع: "مناماتي المتكررة لا تقول مزيداً كل مرة، تمزقني بإتقان وحسب. وحين نأت سمائي عن أرضها ونمورها الجارحة تقاطرت النجوم لفرط ذوبها وعمق نهشتها الباقية. أبداً تعوي فيّ مساحات الحلم البعيدة، وأبداً تزأر في فضاء كلما اقترفت وهم الابتعاد زلزلت سكونه منامات"(9).
إنّ ما تقدم ليدل بوضوح على أنّ العلاقة بين الحلم والواقع في "منامات" ليست علاقة سطحية ضحلة يتسنى استجلاء أبعادها بنظرة عابرة، فهي علاقة إشكالية التباسية في المقام الأول. وتسعى هذه الدراسة إلى مقاربة جانبين مهمين من جوانب هذه العلاقة، يتمثلان في: الوظائف الحلمية والتقنيات الفنية.


الوظائف الحلمية:
تود هذه الدراسة من منطلق منهجي أن تقصر اهتمامها على الوظائف الحلمية التي ترتبط مباشرة بالطرف الآخر من العلاقة الإشكالية، أي الواقع؛ منعاً لتشعب الموضوع وامتداده خارج النطاق المقرر، فللحلم كما هو معروف وظائف كثيرة شغلت بها حقول وتخصصات معرفية متنوعة، مما لا وجه للخوض فيه ههنا. ويمكن ــ ضمن النطاق المقررــ الوقوف على الوظائف الحلمية الآتيه:
1- كشف الواقع النفسي: من الثابت المقرر في الدراسات النفسية أنّ للأحلام وظيفة كبرى تتمثل في الكشف عن مكنونات النفس البشرية وأحاسيسها الكامنة فيها، وبتعبير فرويد: "الأحلام تمثل تظاهرة للحياة النفسية أثناء النوم " (10).  وقد تكفلت البحوث النفسية بعرض نظريات وتفصيلات متعمقة في سبيل بيان هذا، مما لا سبيل للتعرض له هنا (11).
   تبتدىء الرواية بحلم يكشف عن مدى شوق الراوية إلى أبيها المتوفى من ناحية، وعن إيمانها باستحالة رجوعه إليها من ناحية أخرى: " دشداشته البيضاء تومض وتختفي كآخر نجمة في الأفق، أنا خلف الوميض ألهث، وعبثاً أحاول اللحاق به، أكتشف أننا نصعد سلماً حلزونياً، يلتوي على الأسطوانة الداخلية لبرج عال يشرئب إلى سماء لا حدود لها" (12).
وفي الحلم نفسه, تجد الراوية نفسها تقول: "أنا لست أنا, وبيتي ليس ذلك البيت, خذني معك, خذني " (13), وهذا كلام دال دلالة ظاهرة على مدى شعورها بالاغتراب عن نفسها وعن محيطها الذي تعيش فيه, وهي الدلالة التي وقفت عليها الراوية بنفسها لاحقاَ:
" أخذت أجمع الأطباق والأكواب لأخذها إلى المطبخ. حين وقفت أمام المغسلة, أخذت أحدق في الماء يسيل على الصحون, بدا لي كل ذلك غريباَ جداَ, وتذكرت جملة قلتها لأبي ذات حلم: بيتي ليس ذلك البيت " (14). إنّ تذكرها لكلامها في حلمها ليشير إلى إدراكها أنّ حلمها السابق هذا لم يكن سوى سبر دقيق لواقع نفسي كائن لديها.
وحين يغلب على الراوية الإحساس بالتيه والضياع, فإنها سرعان ما تشاهد الحلم الآتي:
"أسير في السكة الضيقة, وقت الغروب, أرى الأبواب الملونة عن يساري, تنزلق قدمي إلى اليمين, أتشبث بشيء ما ولا أسقط في الضواحي, أشيح بوجهي عن الهاوية, لا أرى البلح الأصفر والأحمر, أواصل السير, تنزلق قدمي مراراً وأنا أنظر للبيوت على الجبل. أنزلق مرة أخيرة وأهوي بين أذرع النخيل بلا قرار" (15).  
هذا الحلم ــ بما اشتمل عليه من تفصيلات و صور جزئية موحية ــ يعكس الإحساس بالضياع بما يحمله من مفارقة صارخة بين المرغوب فيه والمعيش.  ففي مستوى الرغبة نجد الراوية شديدة الانجذاب إلى ماهو خير؛ لذا هي قادرة على أن تتبين ألوان الأبواب مع أن الوقت وقت الغروب, وأن تتشبث بشيء ما, وأن تشيح بوجهها عن الهاوية, وأن تواصل السير وهي تنظر للبيوت "على الجبل". لكن مستوى العيش مختلف, ففيه ــ والحديث هنا عن العيش في الحلم ــ سير في سكك ضيقة وقت الغروب, وفيه انزلاق متكرر حتى السقوط مرة أخيرة بين أذرع النخيل.
وسيطول المقام إذا ما سعى المرء إلى تتبع كل الأحلام التي ظهرت فيها وظيفة كشف الواقع النفسي لدى راوية الرواية وشخصيتها الرئيسة, فهذه الوظيفة هي أبرز الوظائف الحلمية ظهوراً في الرواية وأكثرها شيوعاً. ومع هذا, قد يحسن بنا أن نتوقف عند حلم أخير؛ لما له من دلالة مهمة في بناء الرواية وسيرورة أحداثها:
"كنت أتبعه وهو يدخل الأشجار ويخرج منها بيسر, وأنا متعبة, أناديه فلا يجيب, تضاعف عدد الأشجار, وتضاعفت سرعته, ولكني ركضت, أمسكت كفه بقوة وقلت: أطلقني, فلم يلتفت, ودخل شجرة ضخمة ولم يخرج. هذه هي النهاية, هكذا كان المنام الأخير الذي لم يعد أخيراً"(16).  
الحلم هنا حاكٍ عن عدم قدرة الراوية على تقبل حقيقة تخلّي محبوبها عنها واتجاهه إلى امرأة غيرها وعدم قدرتها كذلك على التخلي عنه, فهي لاهثة راكضة وراءه لا لشيء إلا لتستجديه حريتها, الحرية التي لن تكتب لها إلا بعد إمضائه هو بالموافقة (17).
2- تجاوز الواقع: إذا كان الفن الروائي بعامة يتصف بأنه "بناء متخيل يعيد بناء الواقع في سلسلة متخيلة من الوقائع والصور" (18), فإن إعادة بناء الواقع قضية كبيرة تستلزم التمهيد لها بتجاوز الواقع الفعلي المعيش حتى يتسنى تأسيس واقع أعيد بناؤه. تجاوز الواقع, إذن, مهمة أساسية يتكفل الفن الروائي بالقيام بها. هذا حين نتحدث عن الرواية بنحوٍ عام, أما عندما نتحدث عن رواية تقوم أساساً على "منامات" فإنّ هذه المهمة تغدو آكد وأجلى؛ وذلك لأن تجاوز الواقع وظيفة من وظائف أحلامنا المعروفة, وفي هذا قال الفيزيولوجي بورداخ:  
"إن حياة النهار بأعمالها ولذاتها, بسرائها وضرائها, لا تتكرر في الحلم على الإطلاق, بل الأصدق أن الحلم إنما يهدف إلى تخليصنا من كل أولئك" (19).
ومرجع هذا في الحقيقة إلى أنّ "الحلم هو النتيجة لعدم الرضا, والحافز على العمل. ولكن لا يستحق الأهمية الفنية الحقيقية سوى الحلم الذي يحفز الفنان للتغلب على الواقع, ويكتشف اتجاهات المستقبل في الحياة المعاصرة" (20).
يظهر تجاوز الواقع بوصفه وظيفة حلمية "أبدية" في الرواية, حين نقرأ قول الراوية:
"وحين أغمض عيني, أحلم حلمي الأبدي بلا انتهاء, أني خفيفة, أرتفع وأطير بعيداً بعيداً في سماء جد صافية وبها من الروعة ما لا يحتمل " (21) .
وكون الحلم هنا مشتملاً على ممارسة غير منتظرة الصدور من إنسان عادي في حياته العادية، وهي ممارسة الطيران، كاشف عن انطلاق هذا الحلم من منطلق ازدراء الواقع والنقمة عليه، مما يعني بالنتيجة الرغبة الأكيدة في تجاوزه، " فحين تنطوي أفكار الحلم على هزء وازدراء ومناقضة مرة، يتترجم هذا كله في تشكيل عجيب غريب للحلم الظاهر، في لا معقولية الحلم"(22).
إنّ الراوية تظهر وعياً بضرورة أن تحافظ أحلامها على وظيفتها هذه؛ لهذا لن تبقى للأحلام أية أهمية إن هي التقت بالواقع وتماهت معه:
"ما جدوى الأحلام إن كانت تتحقق، وتمنح نفسها حق التنازل عن الرؤى البهية، وتنزل عن جوادها المحلق إلى صخور الأرض لتعرض أشياءها بلا تفاصيل ثمينة؟" (23).

3- ترجمة الأمل: إذا كان" الفنان الناضج هو الذي يستطيع أن يحوّر الحلم ويحوّله في اتجاه الحقيقة" (24)، فإن الاكتفاء بتجاوز الواقع لن يكون مثالاً على نضج واضح، ما لم يترافق مع ترجمة واضحة المعالم لما يراد للواقع الجديد أن يكون عليه، أي مع ترجمة للأمل المنشود في صورة أو صور محددة لها نحو من أنحاء الصلة مع المستقبل، لا كما سيكون فعلاً، بل كما يراد له أن يكون، وبتعبير فرويد:" إن ما يظهره لنا الحلم هو المستقبل، لا كما سيتحقق، وإنما كما نتمنى أن نراه متحققاً" (25).

ويؤدي الحلم في الرواية وظيفته المتمثلة في ترجمة الأمل في صورتين اثنتين من الأداء، فتارة تبرز هذه الوظيفة في مجموعة من الصور ذات الطابع الغرائبي )العجائبي) المذكّر ببعض الأمنيات الواردة قديماً في شعر الغزل العذري ، وهو الطابع  الذي " تعترض فيه الشخصيات بقوانين جديدة ، تعارض قوانين الواقع التجريبي " (26) . وهذا مثال بارز:
"نحلم معاً، بصوت عال، وبلا صوت، أحلاماً مستحيلة وغريبة، من قبيل الموت عشقاً أعلى الشجرة المسكونة بالجنيات الجانيات زهر الآلام، والتحول إلى نورسين صغيرين يهربان من الشاطئ إلى عرض البحر ليغرقا في تحقق كلي، وفصل الأصابع المشتبكة عن الأجساد لصنع لوحة فريدة دائمة, والغناء حتى الإغماء, والدخول معاً في الكتب والسباحة في أزرق الخرائط" (27).
إن الطابع الغرائبي لهذه الصور الحلمية المتعاقبة التي وصفت بأنها " مستحيلة وغريبة"، ليس يمنع من رؤية ما وراءه من آمال وطموحات تتلخص كلها في الظفر بالمحبوب والاندماج معه في لوحة من لوحات الانسجام التام، وهذه الآمال المترجمة هي التي تتمثل فيها الوظيفة الحلمية هنا.
وتارةً أخرى، يختفي الطابع الغرائبي، أو يكاد، وتظهرصورحلمية أخرى تتولى ترجمة الأمل إلى صور هي أقرب صلةً بالواقع، وإن لم تلتقِ به تماماً.نقرأ في الرواية أن الراويةـ بعد أن أفزعها صراخ أمها بعد منتصف إحدى الليالي ـــ أخذت تحلم حلماً خاصاً:" حين عادني النوم المتقطع رأيت حجرة نائية في بيتنا القديم، بيت أبي، دخلتها، عتمة خفيفة، مكثت قليلاً، وحين أردت الخروج، أضيئت الحجرة فجأة، ورأيت باقة حمراء جميلة متفتحة أمامي..." (28)، وهكذا يمضي هذا الحلم، راسماً بأبعاده المختلفة ترجمة لأمل الراوية بالتخلص من واقعها المرير المؤلم، دون أن تكون هذه الترجمة واضحة الغرائبية.

4ــ التحريك الرمزي: يعرض بعض دارسي الأحلام إلى أنّ " الممتع في الأحلام أنها تجمع بين الوعي واللاوعي، حيث تتصادم مظاهر الحياة اليومية مع حكمة العقل الباطن المخيفة. كثير من العلماء رأوا في أحلامهم حلولاً لمسائل كانوا يفكرون بها، ومن ثم أدركوا واكتشفوا حلها"(29)، كما يعرضون إلى أنه " تدل سيرة حياة بعض عظماء الرجال على أنّ أحلاماًً بعينها قد تكون حافزاً لاتخاذ قرارات ولإتيان أفعال مهمة"(30)، ويتوصلون من خلال هذا كله وما ماثله الىأنّ " الأحلام لها كلها معنى ومدلول، فهي ذات معنى لأنها تنطوي على رسالة ليستطيع المرء أن يفهمها إذا ما كان لديه المفتاح لحل لغزها، وهي ذات مدلول لأننا لا نحلم بشيء ثانوي حتى لو عبّر عن ذاته بلغة تخفي الشيء المهم لرسالة الحلم وراء واجهة لا مضمون لها ولا معنى" (31).
وعلى الرغم مما في كلام فروم هنا من تعميم ينبغي ألا نطمئن إليه، فإن ما يهمنا هو أن نستخلص أنّ الأحلام تمتلك القدرة على أن تحمل لصاحبها رسالة معينةّ تفيده في حل مشكلة يعانيها أو قضية تشغل باله، فتكون الأحلام بهذا محركةّ صاحبها في اتجاه ما ونحو اتخاذ قرار ما، وقد يكون هذا التحريك رمزياً، غير مدلول عليه في صراحة وجلاء.

مثل هذا التحريك الرمزي يمكن للمرء أن يلحظه في الحلم الآتي:
"بعد سلسلة طويلة من الانكسارات والتعذيب المستمر, رأيتني في المنام أخلع قميصاً بيتياً لأعطيه خطيبته معتذرة لها عن طول الاستعارة, وانخلعت عن جحيمي بمعجزة..." (32).
فلنلحظ هنا، ابتداءً، أن هذا الحلم جاء" بعد سلسلة طويلة من الانكسارات والتعذيب المستمر"، أي بعد أن قوي في باطن الراوية التوق إلى الخلاص والفكاك من كل هذا الثقل النفسي.لكن، ما هذا القميص؟ وما أهميته؟ قصة القميص نقرؤها بعد قرابة ثلاثين صفحة من الكلام المتقدم، لنكتشف أنه لم يكن قميصاً عادياً كغيره من القمصان:
" قال: ماذا ترتدين؟ قلت: قميص بيتي قطني، ألح: ما لونه؟ أجبت كأنما يجب عليّ أن أجيب: زهري به ورود زرق. تنهّد، وصداها لم يخطئني أيضاً...(33).
إن هذا الحوار المقتضب بين الحبيبين ليحمل دلالة على أن القميص بات يحمل عبق العلاقة الحميمة التي تربط بينهما، فهو ليس قميصاً حسب، إنه شاهد حب، وجامع قلبين. وإذا كان هذا هكذا، فإن خلع القميص في المنام يغدو مرادفاً لترك هذا الحب. الحلم، إذن، يحرّك الراوية تحريكاً رمزياً إلى تناسي علاقتها مع محبوبها، بعد أن أصبح هذا المحبوب ذا خطيبة هي غير الراوية.

تعليق عبر الفيس بوك