المستشفى الجامعي ينظم الندوة الوطنية للأمراض الوراثية الكيميائية القابلة للعلاج

مسقط - الرؤية

نظم مستشفى جامعة السلطان قابوس -ممثلاً في عيادة الطب الوراثي والتطوري- الندوة الوطنية الأولى للأمراض الوراثية الكيميائية القابلة للعلاج السببي، تحت رعاية سعادة الدكتور عبدالله بن محمد الفطيسي مستشار رئيس جامعة السلطان قابوس، وحضور الدكتور خليفة بن ناصر الوهيبي مدير عام المستشفى الجامعي، وبمشاركة واسعة من العاملين بالمؤسسات الصحية بالسلطنة ودول الخليج العربي؛ بهدف توعية أطباء الأطفال من جميع مناطق السلطنة بماهية هذه الأمراض، خصوصًا البوادر والمؤشرات المبكرة التي تقود للتشخيص المبكر لهذه الأمراض؛ وبالتالي تدارك تدهور حالة المريض وحصول مضاعفات خطيرة قد تؤدي للوفاة أو، قد تترك آثارًا دائمة كمختلف أشكال الإعاقة الجسدية والذهنية.

واستمرت الندوة -التي نُظِّمت في فندق جراند هرمز، على مدار يومين- لتقف على بوادر التشخيص المبكر لهذه الأمراض والبدء بالعلاج اللازم في أقرب وقت ممكن، كما أنها تعد ملتقى لمشاركة التجارب والخبرات بين أطباء الأطفال، وصاحبها ثماني ورش عمل مكثفة؛ وذلك للتدرب عن كثب على التعامل مع هذه الأمراض.

ويُحاضر في الندوة استشاريون من المستشفى الجامعي والمستشفى السلطاني، إضافة لاستشاريين وأساتذة جامعات من مختلف دول الخليج العربية، رائدين في مجال الأمراض الوراثية الكيميائية على المستوى المحلي والإقليمي.

إن الكثير من هذه الأمراض تؤثر على أجهزة الجسم المختلفة، وتحتاج العناية بالمريض التنسيق الطبي المتواصل مع التخصصات الطبية الأخرى كأطباء الطب التطوري والأعصاب والقلب والعيون...وغيرها من التخصصات الطبية الأخرى. كما تستدعي الكثير من الحالات فحوصات دورية؛ وذلك لتجنب المضاعفات المستقبلية المصاحبة لهذه الأمراض قبل وقوعها.

وحول الأمراض الوراثية وأنواعها، تقول الدكتورة فتحية بنت محمد المرشدية استشارية أولى أمراض وراثية وكيميائية بالمستشفى الجامعي: تنشأ الأمراض الوراثية الكيميائية بسبب وجود خلل جيني يؤدي لنقص أحد الأنزيمات أو أحد المكونات الأساسية الأخرى للتفاعلات الكيمائية الحيوية التي تتم داخل الجسم؛ سواء لبناء مواد ضرورية يحتاج إليها الجسم أو للتخلص من المخلفات السامة لمواد عضوية أخرى ناتجة عن تفاعلات أيضية مختلفة. وبالتالي؛ فإن الأعراض المصاحبة لهذه الأمراض، وتأثيرها على أجهزة الجسم المختلفة، تختلف وفقًا لطبيعة الخلل الكيميائي، ومدى توزع تأثيراتها في أعضاء الجسم، ولكن من الممكن تصنيفها بشكل مبسط إلى أمراض التسمم السريع، والتي ينشأ عنها تراكم حاد في إحدى المواد الحيوية، ويؤدي التراكم السريع لهذه المواد في الدماغ مثلًا إلى تدهور سريع في المريض قد يبدأ بالخمول والتوتر، ويتطور إلى فقدان الوعي، وبد نوبات صرع واضطرابات في التنفس تؤدي للوفاة أو الإعاقة الدائمة، في حال تأخر التدخل الطبي الصحيح.

وتشير الدكتورة فتحية إلى أنه ينبغي التنويه إلى أن جزءا كبيرا من هذه الأمراض الأيضية المرتبطة سببا بتراكم مادة عضوية سامة أو مخلف عضوي أيضي، لها علاج سببي ترتبط نجاعته في الحد من خطورة المرض بعوامل؛ منها: طبيعة المرض، وسرعة التدخل العلاجي، وبوادر الاستجابة الأولى، والالتزام بالخطه العلاجية المقترحة، ولا شك أن عامل الوقت هنا هو أشدها حسما.

أما البعض الآخر من هذه الأمراض، فقد يؤدي للتراكم المزمن لمواد عضوية معقدة التركيب؛ وبالتالي التدهور البطيء والمتدرج في وظائف الأعضاء؛ مثل الدماغ مثلا، ففي كثير من هذه الحالات تبدأ الأعراض بالظهور بعد برهة من الزمن قد تتراوح بين عدة أشهر إلى عدة سنوات يكون قبلها الطفل المصاب طبيعيا تماما. وأما الصنف الآخر من الأمراض الوراثية الكيميائية، فينشأ عن القصور في القدرة على تزويد الخلايا بالطاقة اللازمة لعملها؛ وبالتالي حدوث اضطرابات في وظائف الأعضاء قد تؤدي لإعاقة دائمة ومتطورة أو فشل في وظائفها كفشل الكبد والقلب والعضلات والغدد الصماء...وغيرها من أعضاء الجسم المختلفة.

وحول التحديات والعلاج، يقول الدكتور خالد بن سعيد الذهلي استشاري أول أمراض وراثية وكيميائية: هناك الكثير من العوامل التي تجعل من تشخيص وعلاج هذه الأمراض أكثر تعقيدًا مقارنة بالتخصصات الطبية الأخرى ومنها: حداثة تخصص الوراثة الكيميائية، وعالميًا لم يكن جزءا أساسيا في مناهج كليات الطب ولا حتى في أفرع التخصصات الأخرى، وأدى ذلك إلى قلة إدراك الأطباء بمختلف التخصصات الطبية إلى ماهية هذه الأمراض، وتأخر تشخيصها، والبدء بإجراء التحويلات إلى المراكز الطبية المتخصصة لتتأكد من التشخيص وبدء العلاج في الوقت المناسب. كذلك تعد الأمراض الأيضية نادرة في مفردها ولكنها شائعة في مجموعها. لهذا؛ فإنه من الصعب أن يتبادر لذهن الطبيب المعالج وضعها في أولوية الاحتمالات عن تقييمه لحالة طبية تتلابس أعراضها مع بعض أمراض الطفولة الشائعة.

ويضيف: في الوقت الحالي أصبح تشخيص عدد من هذه الأمراض ممكنا بأخذ عينة من الوليد في الأيام الأولى بعد الولادة، ويؤدي هذا الفحص إلى تشخيص الأطفال قبل ظهور الأعراض عليهم؛ وبالتالي تجنب الدخول في حالة طبية حرجة وبشكل أساسي تفادي المضاعفات المستقبلية المترتبة على ذلك. ولأن هذا الفحص غير متوفر في السلطنة في الوقت الحالي، فإن الاعتماد الأكبر على التشخيص المبكر من خلال توعية وتأهيل أطباء الأطفال في جميع المناطق بالعلامات الأولية لهذه الأمراض. كما يؤدي الخلل الجيني إلى نقص دائم يلازم حياة الإنسان، وتعتبر أغلب الوسائل العلاجية الحالية غير شافية، ولا تؤدي إلى زوال المرض بالكامل؛ لهذا فإن القابل للعلاج منها يستدعي علاجًا مدى الحياة كحال الأمراض المزمنة الأخرى كالسكري وضغط الدم وغيره. ونظرًا لوراثة الخلل الجيني من كلا الوالدين في أغلب الأحيان، فإن الأسر التي تتعرض لوالدة طفل مصاب هي في الحقيقة عرضة لتكرار المرض في أطفالهم الآخرين في المستقبل.

وتقول الدكتورة زاندري بريور مرشدة وراثية أولى بعيادة الأمراض الوراثية الكيميائية: إن دور الإرشاد الوراثي في العيادة هو دور مكمل؛ حيث إننا نقدم الدعم والتثقيف لهذه العائلات، وقد يتضمن ذلك مساعدة المرضى وعائلاتهم للتأقلم مع الحالة والتكيف مع المضاعفات، إضافة إلى التيقن من إدراك وفهم المريض وأسرته بالمخاطر الوراثية وفرص تكرار المرض للأطفال القادمين في المستقبل وطرق الوقاية المتوفرة كالفحص قبل الزواج والفحص المبكر أثناء الحمل والفحص قبل غرس الجنين.

وقالت أصيلة بنت هلال الحبسية الممرضة المختصة بالأمراض الوراثية الكيميائية بعيادة الطب الوراثي والتطوري بالمستشفى الجامعي: تقوم الممرضات المختصات بالعيادة بالتنسيق المتابعة الطبية الدورية لهؤلاء المرضى ومتابعة نتائج الفحوصات المحلية والفحوصات الكيميائية والجينية الخاصة التي يتم إرسالها إلى خارج السلطنة، وإضافة إلى ذلك، نقوم بمتابعة استجابة المرضى للعلاج والإرشاد بتحضير وتغيير النظام الدوائي عند الحاجة والتنسيق للمتابعة الطبية للأم والجنين في حال حدوث حمل جديد في الأسرة. ولفئة الأمراض الكيميائية المتعلقة باضطراب العمليات الأيضية شأن خاص؛ حيث إنه السبيل الوحيد للتحكم في تراكم السموم العضوية في جسم المريض، وهو التحكم الدقيق في نوع ومقدار ما يتناوله المريض من غذاء لكل نوع من هذه الأمراض، ويعد التدخل الغذائي بالحمية الطبية العلاج الأساسي للكثير من هذه الأمراض.

وتشير كل من عايدة بنت منصور النبهانية وكاذية أولاد ثاني إخصائيتا التغذية العلاجية بالعيادة، الى أن للتغذية العلاجية دورا رئيسيا وفاعلا مع الفريق الطبي في وصف الحمية الغذائية لكل مريض ومتابعة التحكم في مضاعفات المرض، إضافة للمتابعة والوقاية من الآثار الجانبية لهذه الحمية الغذائية كنقص الفيتامينات وبعض المشتقات الغذائية الأساسية لنمو وصحة المريض.

وتؤكد سارة بنت سعيد العلوية إخصائية اجتماعية بعيادة الطب الوراثي والتطوري بالمستشفى الجامعي: إن أثر الأمراض الأيضية على المصاب وأسرته يحتاج دعما تكامليا بما في ذلك الجوانب النفسية والاجتماعية. وإن حاجة المرض لعلاج خاص لمدى الحياة وفي كثير من الأحيان تغيير النمط الغذائي، أو الالتزام بالحضور للمستشفى أسبوعيًا للعلاج الأنزيمي مثلًا، إضافة لاحتياجات المريض المختلفة داخل المنزل والمرتبطة بمضاعفات المرض كالإعاقة الذهنية أو الجسدية، ونقص أو عدم توافر سبل الدعم؛ المتمثلة في: التعليم والتأهيل المناسب وتكرار المرض بالأسرة من العوامل التي تشكل ضغطًا كبيرا على تركيب الأسرة وتفاعلها مع المجتمع المحيط.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة