رفع مكانة المعلم

 

خالد بن سالم البسامي

وظيفة المعلم، أعظم وأجل وظيفة منذ أن خلق الله سيدنا آدم إلى اليوم وإلى ما شاء الله للإنسان على هذه الحياة،، فهو الأساس الذي تتكئ عليه الحضارات والأمم في الارتقاء بالفكر والسلوك الإنساني، وبناء المجتمعات، وهو الحلقة الأقوى في سلسلة الحياة التي تغذي وتدفع بالأوطان نحو الرقي والتقدم بمختلف المجالات.

ولم يكن لمجتمعات على مر التأريخ أن يُكتب لها النجاح والتطور والتنمية إلا لأنَّها كرمت واحترمت المُعلم وارتقت به إلى مستوى يليق بمكانته وتأثيره الكبير على كل فرد من أفرادها، وجعلته أحد أهم محاورها الإستراتيجية في رؤيتها الحاضرة واستشرافها المستقبلي، فها هي اليابان التي تعترف أن سر تقدمها هو منح المعلم مكانة اجتماعية ووظيفية مرموقة، وهناك الكثير من الدول في وقتنا الحالي حينما تبحث وتتأمل عن سبب نهضتها فستجد حتماً اهتمامها بالتعليم، وعنايتها بالمُعلم والحفاظ على مكانته.

وسلطنة عُمان إحدى الدول التي كانت ولا زالت لها دور وجهد كبير في مجال التعليم، فهناك نواحٍ إيجابية تشكر وتقدر عليها الجهات القائمة على التعليم خاصة التعليم المدرسي الذي يُعتبر الخطوة الأولى، والركيزة الأساسية في مسار التعليم بمختلف مراحله، فالعناية به ضرورة لا مناص عنها وهذا ما تحرص عليه وزارة التربية والتعليم، التي تدرك وتعي أن دورها في الرقي بهذا الجانب يتطلب الكثير من العمل والجهد للوصول إلى مستوى من التمكين الفكري والعلمي والسلوكي للفرد العُماني.

ومن خلال استقرائنا لواقع التعليم اليوم، فأعتقد أنَّ أول خطوة يجب أن تضعها وتسعى إليها وزارة التربية والتعليم وجميع الجهات المعنية هو رفع المكانة الاجتماعية للمعلم، وحمايته قانونيًا وتشريعًا واجتماعيًا عن كل ما قد يسيء له، ويبعثر دافعيته، هذا إذا أردنا أن ندرك ذلكم المستوى من التمكين والتقدم للتعليم، والوصول إلى الغايات المنشودة منه في رقي وتنمية المُجتمع.

فحينما تتأمل مكانة المعلم الاجتماعية والوظيفية في وقتنا الحالي، تجد أنها تمر بمنحى يتحتم على جميع القائمين على التعليم وفي مُقدمتهم مجلس التعليم ووزارة التربية والتعليم أن يبحثوا بعمق وإخلاص ويفتشوا عن الأسباب والمسببات وراء ذلك، وعلى ثقة أنهم يدركونها جيدًا، وبعضها قد يكون هم سببها.

فقبل أيام قليلة كنت أحصي وأتابع ردود بعض المُعلمين والتربويين بشكل عام على تغريدة لأحد المسؤولين في وزارة التربية والتعليم حينما قدم تهنئته بيوم المعلم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فوجدت أكثر من 85% كانت ردودهم تنم عن عدم رضا وعدم قبول بوضع المعلم، ناهيك عن أنهم يتبادلونها فيما بينهم بنوع من السخرية، سخرية ممزوجة بحزن، وأسى.

وكنوع أيضًا من معرفة رأي الناس غير التربويين في مهنة التدريس، سألتهم ماذا لو لم تحصل على وظيفة غير التدريس فأجاب14 من 15 شخصاً بالرفض حتى لو لم يجدوا وظيفة، قد يكون كلاما مبالغا فيه حينما قالوا حتى لو لم يجدوا وظيفة، وعينة قليلة لاتخاذ رأي أو دليل، ولكن هذا مؤشر سلبي اتجاه مهنة التدريس لم يأتِ من فراغ.

ففنلندا تعد من أفضل نظم التعليم على مستوى العالم، لأنها نجحت في استقطاب مخرجات التعليم العام الممتازة إلى مهنة التدريس ليس بسبب الأجور الجيدة، بل بسبب المكانة الاجتماعية العالية والاستقلالية المهنية التي يحظون بها، حيث إن المعلمين الفنلنديين يتمتعون بثقة الجمهور العام والنخبة السياسية وهذا ما لا يوجد في العديد من البلدان *(سيمولا 2005).

وأكاد أجزم أننا في حال قمنا بعمل إحصاءات في خيارات الطلبة عبر نظام القبول الموحد، فإن نسبة قليلة جدا من خريجي دبلوم التعليم العام بالسلطنة بمختلف مستوياتهم التحصيلية من يضع الخيار الأول في نظام القبول تخصصات مرتبطة بالتدريس مقارنة بالتخصصات الأخرى.

 

 

لا ننكر الجهود الحثيثة التي تُبذل وأفكار وتصورات تُقر وتُنفذ، والآن في صدد بناء رؤية عمان 2040 في جميع القطاعات ومن ضمنها قطاع التعليم، وجوائز خاصة للمعلمين ستطرح الفترة القادمة، وسيقر لاحقًا نظاماً للرخص المهنية للمعلمين، وغيرها، فكل هذا الحراك الإيجابي اتجاه التعليم، ما لم يصحبه توجه واضح لتحسين الخطاب اتجاه المعلم ورفع مكانته اجتماعيا ووظيفيا، فلن نصل للمستوى المطلوب من نتائج في هذا القطاع مهما كانت الرؤية.

فالإنسان يكون في أوج عطائه، ويقدم أفضل ما لديه بإخلاص وتفانٍ في أي مكان وبأي وظيفة، إذا كانت لديه الرغبة الجادة والدافعية الممتلئة بالحب في خدمة وطنه وأمته، وهذا لن يتأتى ما لم يشعر هذا الإنسان بالانتماء والرضا اتجاه بيئة العمل، فهناك مؤسسات ولأنها يهمها الحفاظ على مؤشر الرضا لدى موظفيها، تعمد إلى معرفة كل الأسباب التي قد تؤثر على دافعية أفرادها سلبا وتعمل جاهدة لحلها، فهي بهم وبقوة حضورهم المهني تتطور وتنتج وتتقدم.

 

**سيمولا، إتش (2005): المعجزة الفلندية.. ملاحظات تاريخية واجتماعية على التدريس وتعليم المعلم. تعليم مقارن. 41 (4)، 455-470.

 

تعليق عبر الفيس بوك