عَلّمْـنِي الصَّـيد

طارق الصابري – سلطنة عُمان

 

الخطوات التي تتخذها في أمور الحياة عليك أن تضمنها قرارات مناسبة تبعدك كل البعد عن الاعتماد على الغير. أما إن كنت مفرطاً بالاعتماد على الآخرين في تلبية رغباتك واحتياجاتك فذلك يدل على عدم مقدرتك في الخوض في معترك الحياة وبناء نفسك.
ونتيجة ذلك غالبا ما تكون مشحونة بالطاقات السلبية المثبطة للهمة ومؤطرة بغلاف من عدم الثقة بالنفس والخذلان ومصحوبة بالإحساس بصعوبة الانتقال من مرحلة إلى أخرى، بل مقرونة بصعوبة في بدء الخطوة أساساً .
والأشد خوفا عليك في هذه الحال هو أنه من السهل أن تُقاد إلى حيثما يشاء من هم أجدر منك في نظرك أنت فقط لتصبح إمّعةً أي تابعًا لهم. وليس ذلك فقط بل إنك لن تستطيع مجابهة أي شيء دون اللجوء لمن يقف معك ويدعمك لأنك لستَ صاحب قرار.
ومن ناحية المعيشية سوف تبني كل ما تريد من قصور وآمال في خيالك فقط دون أن تفرضها على أرض الواقع، وعلى ذلك تضع جل اهتمامك في احتياجات الغير وتهمل نفسك. ويولّد ذلك في داخلك خوفا يعزلك في إطار انفرادية تدمر بها نفسيتك أكثر من ما تتوقع.
لكن عليك أن تتعلَّم أنه لا شي يأتي بسهولة فهنالك عوائق كثيرة، تقف حجر عثرة في طرقات المجد وتحقيق الذات. وإذا ما استرجعت شريط ذكريات طفولتك ستتعلم منها الكثير، أما كنتَ يوما تحاول الوقوف وبعدها المشي ومن ثم تهرول في جنبات البيت؟، أما كنت تحاول الكلام وتختلط الحروف بين شفتيك ولسانك والسن الواحدة؟ أما كنت تصارع من أجل الطعام كي تغذي نفسك، تمسك بقطعة وتفرط من يدك وتحاول مرارا؟ أما كنت تمسك القلم جاهدا لترجمة حروف نطقتها على غلاف كتاب أو ورق أو على جداران البيت.
كل ذلك كُـبر معك معتمدا على من حولك لمساندتك وها أنت اليوم ذاك الطفل نفسه الذي يجوب بدواخلك؛ تقدم اعتذارات صنعتها بنفسك، تارة، وتهوّن تارة أخرى، وتهوّل أحايين كثيرة، وكل ذلك نابع من معدومية الثقة بالنفس ودائما ما تدّعي على نفسك وتلصق بها مقولة "نحنُ أغبياء" وتليها بكلمة "لـو" قمنا بكذا وكذا وكذا.. إلخ.
وليس لي فيه من العلم إلا القليل فلذا لن أتطرق كثيرا غير أنّ هذا يعدَّ علامة على عدم الاستواء النفسي وضعفك صار متلازمة مرضية تشاركك إحباطاتك منذ الصغر وتفشى في عقلك الباطن وسوف يصير رفيقا لك في عمرك المتقدم.
وقد يرى البعض أن مثل هذه الحالات نادرة في مجتمعنا، قد يكون ذلك بمفهوم البعض ولكن المشكلة ليست في ندرتها بل في أنها معدية وقابلة للانتقال بين الأشخاص
لنختتم كلامنا ولنرجع قليلا ليس بالزمان البعيد، بل لنعد إلى زمن الأجداد والآباء، ولن نرمي بالمشكلة على عاتق اختلاف الأزمنة الذي يجوب بفكر الكثيرين ويرون أن الفرص قديما كانت أرحب وأكثر وتختلف، عن هذا الزمان الذي نعيشه فقديما تواجدت أيضا التحديات وتتابعت الصعوبات، وليس من المبالغة في شيء إذا قلنا إن التحديات متشابهة بين زماننا الحالي وزمان الآباء في الماضي؛ لكن مع فوارق قليلة هي اختلاف التوقيت وتنوّع الأدوات.
وهنا أطرح السؤال الأهم الذي أشرت إليه في العنوان، هل كان القدماء حقا يقبلون بـالسّمكة..؟ أم أنهم تمثلوا بالمقولة الصينية المعروفه: "لا تُعطني سَمكة بلْ علّمني الصّيد".

تعليق عبر الفيس بوك