الأنا والآخر في "ابتسامة الجَدْي" لـ ديفيد غروسمان(6-6)

قراءات في الأدب الصهيوني المعاصر:



أمين دراوشة – أديب وناقد فلسطيني – رام الله


سلبية أم إيجابية؟ حلمي العجوز الفلسطيني المجنون، يحيا في مغارة في الضفة الغربية، لم ينطق بالكلام إلا متأخرا، ولديه عين واحدة، بعد أن فقد الأخرى بسبب الجن إثناء طيرانه فوق القرية، وتحليقه فوق الدوار كطائر. له 22 بندوقا وست أو سبع نساء، آبائهن يأتون بهن إليه ليستر عليهن، بعد أن يكتشف الآباء حملهن، وذلك مقابل مبلغ من المال يعطى له. لذا أطلق الناس في عندال عليه لقب حلمي الطرطور، ولديه ولد احتفظ به وأحبه واسماه يزدي.
نشأت علاقة غربية بين حلمي ومساعد الحاكم العسكري يوري، فقد أحبه حلمي، وقال عنه: "إنه بمثابة الابن، مثل الولد الذي كان لي، لقد قفز قلبي نحوه ما أن رأيته مع الحاكم العسكري"، فخلال زيارة الحاكم العسكري ومساعده إلى المنطقة، برفقة المختار سعدي العز، الذي قال "إن اليهود والعرب سيستفيدون من بعضهم"، نعته حلمي بالمنافق، وصاح بصوت عال: "أكاذيب، أكاذيب، ليس لديكم ما تفعلونه في قريتنا، اذهبوا بعيدا، عودوا إلى بلدكم، أغلقوا الباب خلفكم، تقهقروا، والعقوا جرائمكم". حلمي المجنون والمسالم فقد سيطرته على نفسه، وصرخ في جيش الاحتلال على غير العادة، فمنذ التحاق ابنه يزدي "مع طائفة الممثلين الجوّالين" لم يعد لديه ما يخشاه. توقف عن الخوف بعد أن شعر بأنه فقد ابنه، وأخذ يصرخ بالحاكم العسكري ومساعده "بأنهما لن يجدا أبدا مكانا بيننا" ـ (ص97ـ80).
استطاع يوري ذو العينين الثاقبتين، أن يوقف حلمي ويهدئه، ويحصل على ثقته. ونمت بينهما علاقة وطيدة، إذ شعر كل منهما بالحاجة إلى الآخر، فيوري عانى من طفولة قاسية، بسبب والده العنيف، وحلمي يحس بأنه خسر ابنه ويحاول تعويضه. كما يعاني يوري من الخداع والخيانة والكذب من كل من تعامل معه من الإسرائيليين: زوجته وصديقه وحميه، فوجد أن حلمي الفلسطيني يعطيه ما عجز عنه المجتمع الإسرائيلي، فجاء يوري إلى مغارة حلمي، وعاش معه خمسة أيام، وهو "ينسج أحلامه حول بناء طريق إلى عندال وإدخال الكهرباء وإقامة مستشفى"، في تعبير صريح عن معارضته الاحتلال الذي "يسمم حياة الشعبين، وإن الإسرائيليين كبتوا ذكرى الكذبة المتواصلة عن أشياء خطيرة أخرى". لكن الناس، وبسبب ما قاسوه من الاحتلال وأعوانه من العملاء، لم يوعدوا يثقون بأحد من الإسرائيليين، فظنوا أنه جاسوس بثوب جديد، وأن حلمي العجوز يقدم ستارا له. لكن العجوز يقول عن العلاقة بينهما: "خمسة أيام قضاها معي.. ناديته ذات يوم باسم يزدي، فالتفت نحوي لامع العينين، وتوهجت العلاقة المليئة بالحياة في أعماقه أيضا"، فحدثه عن ضرورة فعل شيء ما، لأن القصص وحدها لا تكفي، "تكلم عن الواجب، عن تشكيل قيادة جديدة جريئة سيضطر الإسرائيليون للتعامل معها. أعلن أن العنف ليس الحل، ولكن ينبغي أن توقظونا من غفوتنا المسمومة، تحدثوا إلينا.. وفي النهاية سيسمعكم أحد ما" ـ (ص133).
إنه البخث عن قيادة بديلة وعميلة، لذلك يرى يوري أن كل ما يفعله يزدي غير مجد، فكل "من يحارب معتوه، وكذلك من يحاول تغيير الأشياء" ـ (ص134)، ما يوحي بأن المثقف الإسرائيلي يستفيد من الاحتلال، ويدافع عنه، ولا يحمله مسؤولية الدم المراق، فالفلسطينيون دائما هم السبب في ضياع فرص السلام، وفي المساهمة في ذبح عائلاتهم، وتدمير مدنهم وقراهم، ومقاومة المحتل القوي عته وهبل. الاحتلال قدر الفلسطينيين، ومقاومة القدر عبث، ولا مجال لتغيير الواقع، وجل ما يمكن أن يقدمه الاحتلال هو بناء مستشفى أو تعبيد طريق. أما عن الحرية والكرامة والاستقلال، فلا أحد يجيب، لأن المثقف ملتزم بالمشروع الصهيوني القائم على إحلال شعب محل شعب آخر.
ولم يكتف الكاتب بذلك، بل يورد على لسان حلمي العجوز الفلسطيني الهاذي، أجمل ما يقال في الاحتلال الدموي، وظني أن الكاتب كان في حالة وعي كامل وصاف، وهو يدس الكلام في فم حلمي، خدمة للاحتلال ودفاعا عنه!
يقول حلمي وكأنه يتغزل في الاحتلال: "لماذا يدفعون لعايش مقابل كلّ فنجان يشربونه من القهوة، ومقابل كلّ قطعة بقلاوة يأكلونها في مقهاه، أي حكومة احتلال هذه التي لم تسلبنا زوجاتنا بعد، ولم تعدم مختارا واحدا أو عضواً من أعضاء طوائف الجوالين؟ ولماذا يزدروننا إلى حد المشي فرادى بلا سلاح في عندال، ولماذا يحط ترفعهم من شأننا ويخيم علينا احتقارهم البارد كخيوط العنكبوت الدبقة، إلى حد إننا نهيم في وسطهم كأننا أصبنا بالصرع" ـ (176).
لكن حلمي، في لحظات صفاء نادرة في الرواية، يرفض موقف يوري، وصورة الاحتلال العصريّ التي يحلم بها، كما يرفض موقف يزدي، ويطرح الحل الأمثل للاحتلال: "اهرب يا يوري، اخطف السوط الذي يلسع وجهك، واخرج بنفسك من بلادك.. اهرب" ـ (ص258). وفي غياب هذا الحلّ، يعبّر حلمي عن ذلك بالفعل لا بالقول، ولأول مرة، وفي مغارته التي يحتجز فيها يوري باختياره، وحين يحضر كاتسمان لإنقاذه، لا يجد حلا سوى أن يزرع رصاصة من مسدس ابنه الشهيد في صدر كاتسمان، ليبقى الصراع مفتوحا، وتنتهي الرواية بخسارة الجميع.
من أبطال الرواية الأساسين، يزدي بن حلمي، الذي التحق بحركة التحرر الوطني الفلسطيني، متمردا على تعليمات أبيه، وسلبيته. والمؤلف لم يوفق في اختيار اسم غريب، رغم أنه عايش الشعب الفلسطيني، وأورد العديد من الأغاني الشعبية والكلام العامي في الرواية، والعديد من أنواع النبات الذي ينمو في فلسطين، دلالة على معرفته العميقة بالبيئة الفلسطينية. وزاد في الغرابة اعتبار يزدي ابن حرام، فهو فتى غير شرعي لحلمي، وكأنه يحاول تحقير من اختار طريق المقاومة.
اختفى يزدي لمدة ثلاثة شهور، وعاد فجأة لرؤية والده، الذي يصف حالته: "وصل قبل الفجر متيبس الأطراف، يطلّ الموت من وجهه الطفولي ذي الشارب الغضّ. جاء بسرعة انقلاب الأفكار في رأسي. ولم أكن قد رأيته منذ عام، منذ مضى مع الممثلين الجوالين، جوقة الحكواتية. ولم أدر طيلة ثلاثة أشهر هل كان حيا أو ميتا" ـ (ص42)، وذلك بعد أن استطاع الفتى الصغير أن يعرف أن الاحتلال ليس قدرا، وأنه يمكن بالمقاومة هزيمته. لكن الكاتب وعلى لسان حلمي يحاول أن يقنع القارئ، أن الفتى لم يعد نقيا وطاهرا كما كان، وأن الجماعة التي التحق بها، تضحك عليه ونزرع فيه أماني لا يمكن لها أن تتحقق.
كان يزدي يراسل والده عبر وضع أوراق من نبات تعطي معاني مختلفة بوضعها في جذع شجرة. ويتحدث حلمي عن فهمه لمعنى الأوراق، التي كان يزدي "يوشوش لأطراف أصابعي عبرها بأخبار انتفاضة جديدة وأخبار حرب ضد الطغيان من حولنا" ـ (ص45).
أما شكري بن لبيب، وهو صديق عربي لحلمي، أصبح حكيما مع السن، ويستشيره حلمي دائما، فقد تحدث بكلمات قاسية عن خربشات يزدي "دم وحرب مقدسة وانتفاضة شعبية"، وعن "ثورة منظمة، إرهاب ودمار، ضرورة انتصاب ظهورنا المحنية وافتداء عزتنا"، فارتعد حلمي: "لطمني العالم لطمة قاسية، خدعني، سلبني ابني الوحيد، الأبله الوحيد الذي ادخرته للحب" ـ (ص45). لكن، الحب لا يزهر بظهور محنية، وعزة منسية.
ويحاول الكاتب على لسان حلمي التقليل من شأنه ومن هيبة المنظمة الفلسطينية، فيقول حلمي عن صورة وصلته لولده: "ابني الحبيب، حليق الرأس كعادته ويبدو مثل الكراكوز في بذلة عسكرية مرقطة، يحمل بندقية ورقية ويغطي شفته العليا شارب نحيل" ـ (ص45). وعندما يأتي يزدي لرؤية أبيه، يصفه الأخير بأنه "كان بالغ الحماقة والاعتزاز بنفسه عندما أفلت من أفكاري على جانب التلّ واقفا أمامي، يتصرّف كرجل مكتمل الرجولة"، فهو لم يعد ذلك الفتى الأبله والمعتوه، بل يشعر بالكرامة ويستطيع الدفاع عن نفسه وعن البلد، ولن يبقى ذليلا إلى الأبد، ويسأل والده: "ماذا كان أمامي، يابا، أن أبقى وأتعفن في عندال!" ـ (ص46).  
أخبر يزدي والده عن أصدقائه في بيروت، وعن معسكرات التدريب، وعن قادته الشجعان، فأصغى مندهشا، وتساءل من أين جاءته كل هذه الكلمات، "ذلك الذي كان شبه أبكم حتى بلغ الثانية عشرة، ولم يكن يستطيع الكلام معي إلا بلغتنا الطفولية المشتركة" ـ (ص48).
ولأن حلمي بدأ الكلام متأخرا، ويزدي تكلم في سن الثانية عشرة، ولحلمي حفيدة بكماء، فإن ذلك يشير إلى انعدام وجود لغة مشتركة، وعدم قدرة الإسرائيليين على التواصل مع الفلسطينيين.
تحدث حلمي مع يزدي في مواضيع شتى: عن ألعابهم وبلدتهم وناساها، وتكلموا "عن سعدي العز، الدودة الفاسقة الذي أصبح مختارا"، وحاول يزدي أن يفهم أباه: "أنت تحلم، يا أبي. تقع على عاتقنا مسؤولية القيام بأشياء جليلة، ينبغي أن نقاتل"، ليرد حلمي بأنهم أقوياء وأشداء ولا يمكن هزيمتهم بالقوة. فيسخر يزدي: "بم إذن؟ بالصمت؟ بأحلام في برميل!"، ليشعر حلمي بالمهانة، وبشاعة كلمة برميل في فم ابنه ويقول: "لا، ليس بالصمت، ولكن بأن نكون أكثر نعومة من الريشة وأكثر هشاشة من البيضة". لكن يزدي يرى أنه "لا فائدة، يابا، فهم لا يفهمون سوى لغة القوة. ستكون حربنا ضدهم من طراز جديد، طويلة وقاسية، وسنستخدم من الأسلحة الصبر العنيد.. ولن يحتملوا ذلك"، وهذا عكس أفكار ابيه، الذي يعلق: "إنه يعرف أفكاري ويمقتها. لن أراه مرة ثانية. أعرف ذلك جيدا" ـ (ص50).
ثمّ يعود الكاتب، على لسان حلمي، ليخبرنا أن سبب فقدان يزدي يعود إلى منظمة التحرير الوطني الفلسطيني التي لا تفهم أن إسرائيل لا يمكن أن تهزم، وأنها تزرع في نفوس الشباب أحلاما لا يمكن أن تتحقق. يقول حلمي: "عندما كان يزدي معتوها بسطت عليه حمايتي، أعطيته الحياة. لكن العالم لمسه وترك ميسمه على جلده. والعالم يروي قصصا أكبر. حاكه الممثلون الجوالون في حلمهم، أغووه بآمالهم، ولم تعد قصصي تكفيه" ـ (ص87). ثم يتذكر يوم حاول تسليته بقصصه الغريبة، كيف صرخ فيه غاضبا: "يابا، إلى متى تحلم بهذه الطريقة.. ألا ترى، يابا، أننا هزمنا على يد غرباء سلبونا حتى الهواء الذي نستنشقه ونهبوا جمال ريفنا بعيونهم، نهبوا الحقول الناضجة وأشجار الزيتون،.. وهم يمتصون الآن حياتنا وإرادتنا وعزتنا، لسنا في نظرهم سوى نوع من الطاعون، مجرد هياكل رجال".
عرف يزدي ذاته، وفهم الآخر الإسرائيلي، الذي يحاول سرقة كل شيء جميل منه ومن وشعبه. وهو يسرد لأبيه قصة سيف الدين الشعيبي: الناس خرجوا إلى أعمالهم في إسرائيل، وأوقف حاجز عسكري الباص، وصعد جنود الاحتلال إليه، وطالبوا الرجال بالنزول من أجل الفحص والتفتيش. العجوز رفض النزول وصرخ بصوت مرتفع سمعه الجميع: "أنا يا حضرة الضابط لن أتحرك من هنا لأنك أمرت الرجال بالنزول من الباص، ولا يوجد رجال. هنا، يا سيدي، هياكل فارغة فقط، ليسوا كالرجال في زمني، الذين كانوا رجالا من لحم ودم. هؤلاء رجال صنعوا من ورقة مغلفة بالأزرق" ثمّ خطف بندقية الضابط، وأطلق النار على نفسه.
أصبح الفلسطينيون مجرد عمال وعبيد، ينطلقون عند الفجر إلى أعمالهم "في بيوت اليهود وأماكن البناء والمستشفيات والمصانع والمطاعم والحقول وبيارات البرتقال وشوارع المدنية والحدائق العامة والكيبوتسات ومحطات البنزين ودكاكين البقالة ومحلات الخياطة والمسالخ والموانئ"، ولكن الشباب الفلسطيني، عاد من جديد والتحق بالنضال، وقاوم عملية غسل دماغه ومحو ذاكرته. يخاطب يزدي الفدائي والده: "أنت يابا، تتكلم بلا حياء عن هواء الحرية الوردي الذي استنشقته عندما حلقت كالطير فوق عندال، لكنك كنت في الواقع عبداً بين العبيد، تنادي الرجل الذي اغتصب أمك يا أبي، أعتقد، يابا، أن العمل الذي قام به سيف الدين الشعيبي كان أكثر نبلا من قصصك التي لم يسمع بها أحد في القرية" ـ (ص261ـ262).
كما تحدث حلمي مع شكري بن لبيب، الذي أخبره عن الوضع السيئ، وعن شاب "جرح في مظاهرة في الخليل، تهشمت جمجمته بضربة هراوة، وفقد عقله، وأن بنتا في الثالثة عشرة من العمر.. اعتقلت وجرى التحقيق معها.. طوال الليل". ولم يسمح لأحد من عائلتها بالتواجد معها. كما تحدث شكري عن بيوت "جرى نسفها في نابلس وأريحا، وأن المراعي وحقول القمح صودرت.. وأن العائلات تشتت، بعض أفرادها في المنفى عبر النهر والبعض الآخر لا يتمكن من مغادرة بيته" ـ (ص263)، فكان تعليق حلمي: "اليهود لن يتحملوا صبرنا، الذي يحرك الجبال"، ليصرخ به شكري: إنك "كالقدر المكسورة، تهب الريح من شقوقها.. لقد سرقوا جميعا، صغارا وكبارا". ويقول حلمي، على الرغم من أن شكري رجل مسالم، ولم يقم بفعل عنيف إلا أنه "يحتقر جبني وحماقتي"، ويتذكر كيف قدم جنود الاحتلال إلى مغارته، وأخذوه إلى مبنى إدارتهم في جوني، حيث رأى الكثير من الشيوخ والكثير من الأولاد، الذين يظهر عليهم أثار التعذيب: دخل الضابط وقال: "هؤلاء الأولاد والبنات وقعوا في يد الجيش بينما كانوا يتآمرون على الأمن والنظام". وتحدث عن صحيفة ومتفجرات، وتدخل ضابط آخر قائلا: لو حدث ذلك عند جيش احتلال آخر كان "سيعدمهم على الفور، لكننا لسنا احتلالا عاديا" ـ (ص269).
الأولاد الفلسطينيون، استطاعوا أن يتفوقوا على آبائهم، واستطاعوا أن يفهموا أن الاحتلال زائل لا محالة، وأن مهادنة الاحتلال لا تجلب سوى العبودية والذل. وحين أفرج عن الأولاد، شاهد الجميع معسكرات جيش الاحتلال، وحواجزه، ودباباته، فقال أحدهم: "من واجبنا التمرد). وه ما يشير إليه حلمي حين يقول إنه "تكلم عن المقاومة المسلحة وعن أعمال ذات دلالة رمزية"، وإننا "تجرعنا ما يكفي من المهانة، أما مرحلة الصمود، مرحلة المقاومة السلبية، التي هي مجرد جبن، فقد انتهت واستهلكت نفسها". وحين وافق حلمي على كلامه في قلبه، أضاف الولد: "إن هناك جمعيات سرية ومخططات وأسلحة تأتي من وراء النهر، ومقاتلين مدربين يعبرون الحواجز بالسر ويذوبون بيننا.. سنواجه الطغيان بالقوة، ونحطم القبضة الحديدية بالقبضة الرصاصية" ـ (ص269 ـ 270). وعندها اشتعل ضوء في عينيّ يزدي. وعرف حلمي أنه فقده، فقد أنطلق الشباب يقامون المحتل، بكل طريقة ممكنة، وسقط يزدي مع بعض رفاقه في اشتباك مسلح مع الحاكم العسكري كاتسمان وجنوده.
كانت للكاتب رؤيته العميقة لدرجة الغليان لدى الشعب الفلسطيني، وتوقع أن لا يبقى دون فعل، وأنه لا بد له من أن يثور ضدّ الاحتلال، وهذا ما كان بالفعل، إذ انطلقت الانتفاضة الفلسطينية في العام 1988م، كما أن مقاومة الشعب الفلسطيني مستمرّة.
الكاتب ديفيد غروسمان، من أصحاب الفكر اليساري، وهو ينادي بحل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ولكن الأعمال الأدبية التي كتبها تظهر أن نظرته إلى الشعب الفلسطيني لا تختلف كثيرا عن غيره من الكتاب الإسرائيليين، فهو ما يزال يشعر في دخيلته أنه من عرق أنقى، وأن الحل الذي ينادي به يتم عبر تنازل الفلسطيني عن مزيد من الأرض، ومزيد من الكرامة، حتى يهدأ بال الإسرائيلي المدجج بالسلاح، ويطمئن إلى أن الشعب الفلسطيني لن تقوم له قائمة، تحت احتلال متنور، يتناسب مع أخلاق القرن.
....................................
المصادر:
1)    ديفيد غروسمان، “ابتسامة الجدي”، ت حسن خضر، اتحاد الكتّاب الفلسطينيين، القدس، ط، 1996، ص5.
2)      -- مناحم بيري، الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي كاستعارة في القصة والرواية الإسرائيلية المعاصرة، في العودة إلى الصحراء ـ دراسات وشهادات في الثقافة العبرية، مجموعة كتّاب، ترجمة وتحرير الكاتب محمد حمزة غنايم، منشورات مركز أوغاريت الثقافي، رام الله، ط1، 2002م، ص74.
3)    مناحم بيري، مرجع سابق، ص75.
4)    جيلا رامراز-رايوخ، العربي في الأدب الإسرائيلي، ترجمة نادية حافظ وإيهاب صلاح، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط، 2000م، ص243.
5)    -مناحيم بيري، مرجع سابق، ص75.
6)    جيلا رامراز- رايوخ، مرجع سابق، ص244.


a

تعليق عبر الفيس بوك