أدب التزفين (ترقيص الأطفال) (2 -5)

أ.د/ إيمان محمد أمين الكيلاني - الجامعة الهاشمية – الأردن


                                          
الأصل في التزفين أنه أدب نسائي ماضياً كما هو حاضراً، أن كل المعاجم تقول:"ترقص به الأم وليدها"، أو ما يشبهها من عبارات ، وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه، من سر ضياع هذا الأدب، كما أن الأبحر الشعرية التي يوزن بها تشير إلى أنه مما يسهل على ألسنة الناس عموماً والنساء خصوصاً كالرجز، والمنهوك، يقول صديق حسن خان:"الخفيف وهو المنهوك وأكثر ما جاء في ترقيص الصبيان واستقاء الماء من الآبار"
 وليس من الغريب أن يرتبط التزفين بالنساء خاصة في الماضي، فما زالت النساء إلى اليوم أقدر وأبرع في هذا الفن ؛ لأنهن ألصق بالطفل-غالباً- من الرجل،كما أنهن أكثر عاطفة- عموماً-  خاصة في المرحلة العمرية الأولى، بل إن الرجال غالباً ما يلتقطون أغاني النساء يداعبون بها أطفالهم.
ووجدنا أنّ أبا عبد الله محمد بن المعلى الأزديّ قد ألف كتاباً سمّاه "الترقيص"، وذكره السيوطيّ مرّات كثيرة في المزهر،. "   وقد ذكره كذلك إسماعيل باشا البغدادي وترجم له، فهو: "محمد بن المعلى ابن عبد الله الأسديّ ويقال : الأزديّ البصريّ النحويّ اللغويّ المتوفّى في حدود 550، خمسين وخمسمئة، له جامع المُرْقِصات والمُطْرِبات ... "  أي التزفين .
ولا ندري إن كان هذا هو كتاب الترقيص نفسه بتسمية أخرى، أو أنه كتاب آخر، المهمّ من كلّ ما قدّمناه هو وجود كتاب يتحدّث عن ترقيص الأطفال عند العرب .
ومما يشير إلى دوران هذا الأدب في حياة العرب واهتمامهم به هو أن ثمة كثيراً من الروايات التاريخية تشير إلى تسمية أعلام بألقاب غلبت عليهم بسبب ما كانوا يزفنون به من كلمات خاصـة، ارتبطت بطفولتهم الأولى وبقيت ملاصقة لهم محببة إليهم،حتى لازمت أسماءهم، ومن ذلك أن الأخطل حين كان صغيراً كان يلقب دَوبلا؛ لأن أمه كانت ترقصه به .
وذكر ابن النديم أن عمر بن شبة، إنما سمي بـ"أبي شبة"؛لأن أمه كانت ترقصه وتقول:
                                يا بأبي وَ شَبّا          وَعاشَ حَتّى دبّا        
                                         شَيْخًا كَبيرًا خِبًّا
فهي تتمنى أن يكبر فيُبأبىء أي ينطق بالباء في بداية كلامه، ثم يشب، بل ويعيش حتى يصبح شيخاً كبيراً منحني الظهر يدب دباً، كناية عن طول عمره. وأما سيبويه ومعناه رائحة التفاح، فقيل: إن أمه كانت ترقصه بذلك في صغره . ويذكر أنّ ابن طباطبا العلوي"….سمي جدهم إبراهيم طباطبا؛ لأن أمه كانت ترقصه وهو طفل فتقول: طباطبا، تعني: نم" . وهو ما يعرف في عاميتنا بالطبطبة، وهي أن تدق الأم على ظهر صغيرها دقاً منتظماً لطيفاً يجعله ينـام تحت تأثير إحساسـه بالحنان والأمان.                                                                                                                     
"ومحمد بن عبد الكريم بن الفضل الرافعي القزويني وكان يلقب في صغره ببابويه... ويذكر أن عمة له كانت ترقصه به في صغره فاشتهر به".
والخطاط المشهور الحسن بن مقلة ، ومقلة اسم أم لهم كان أبوها يرقصها فيقول: يا مقلة أبيها، فغلب عليها. وأما زبيدة زوج هارون الرشيد"فقد ولدت في زمان المنصور، وكان يرقّصها ويقول: أنت زبدة أنت زبيدة، فغلب ذلك الاسم عليها".

تعليق عبر الفيس بوك