التوظيف.. تحديات التعمين والإحلال

 

علي سالم الكلباني – مهندس

يُقال إنَّ أسوأ ما يصيب الإنسان أن يكون بلا عمل أو حب، وقد ظل هم البحث عن عمل أرقاً مستمرًا منذ بزوغ شمس المدنية بين البشر واستمر حتى يومنا هذا. تتخذ كل الدول سياسات وإجراءات ترسم ملامح مستقبلها ويكون توفير فرص العمل على رأسها، سواء كانت خطة لأمد قصير أو خطة إستراتيجية تمتد لعقد أو أكثر.

ما يهمنا الآن هو الواقع الوظيفي في السلطنة، طبقا لمعلومات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات فإنَّ عدد الباحثين (الناشطين) عن عمل قد تجاوز حاجز الـ٥٠ ألف باحث في يوليو ٢٠١٧ وأن السواد الأعظم من هؤلاء هم من الفئة العمرية دون الـ٣٠ عاما كما أن غالبيتهم من حملة الدبلوم الجامعي أو الشهادة الجامعية. لو أردنا أن نعيد قراءة هذه الأرقام بواقعية أكثر فيمكننا القول بأن الرقم ٥٠ ألف على كبره لا يمثل العدد الحقيقي للباحثين عن عمل في الواقع، وذلك لسببين رئيسين؛ أولهما أنه تحدث عن الناشطين وهم يمثلون نسبة قليلة لأن كثيراً من الباحثين اهتزت ثقتهم مع وزارة القوى العاملة، أما السبب الثاني فيُمكن استخلاصه عبر قراءة المؤشرات الإحصائية من نفس المصدر ومقارنتها في عدة سنوات. بصيغة أوضح، قارن بين مؤشر مخرجات الدبلوم الوطني والكليات والجامعات بالمقارنة مع عدد المشتغلين الجدد في القطاعين العام والخاص، ستجد أن هناك فجوة واسعة بين هذه الأرقام، فجوة تتحول فضاءً شاسعاً تضاف إليه آلاف النجوم سنوياً هم إخوتنا الباحثين عن عمل.

في تقديري العدد الحقيقي للباحثين يتجاوز المئة ألف باحث دون ذكر أصحاب الوظائف المقنعة أو أولئك الذين وظفوا من أجل زيادة نسبة التعمين لتستطيع المؤسسة جلب المزيد من العمالة الوافدة! الشيء الآخر الذي يمكن قراءته من ذات الأرقام أن الباحثين عن عمل هم من فئة (الشباب المتعلمين) الذين يفترض أن تستند عليهم الدولة لمواصلة التنمية، فإذا كانت الدولة أنفقت عليهم ملايين الريالات للتعليم والتأهيل، لكن دون توظيفهم، فذلك يعني- بنظرة واقع الأرقام- أن التعليم لم يحقق المأمول منه ببلادنا. في حين أن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- أيده الله- أولى التعليم جل اهتمامه وسعى لتطويره ورفع مستواه من أجل أن يكون عصب التنمية ودعامتها الرئيسة وذلك لا يتأتى إلا بإشراك هؤلاء الشباب في مجالات العمل المختلفة. قد يكون الموضوع التالي ليس ببعيد عن عُمان في حال استمرت مشكلة الباحثين عن عمل دون حل؛ حيث إن هناك دراسات أشارت إلى أن الباحث عن عمل قد يستخدم مهاراته التي اكتسبها أثناء تعليمه ليعيل نفسه ويكسب المال بصورة غير قانونية إذا لم يجد وظيفة، فوصل به اليأس وبدأ يحوّله شيئاً فشيئا إلى مجرم صغير، يكبر جشعه كل ما ازدادت مهاراته. على سبيل المثال خريجو الحاسب الآلي وتقنية الأمن الإلكتروني قد يتحولون إلى هاكرز إذا لم يعط فرصة أو مساحة يستغل فيها قدراته. أنا لا أقول إن الشباب سيتحولون إلى مجرمين ولكن اليأس والحاجة مع انتظار سنوات للتوظيف، قد يغيّر الكثير في مبادئ وأولويات الفرد خاصة إذا ما بذل كل ما يملك وكل جهد ليُحقق أحلامه.

بلغ الاستياء أن قام بعض الناشطين الباحثين عن عمل على تويتر بإنشاء وسوم "هشاتاجات" تنتقد كبار مسؤولي الدولة المعنيين بالتوظيف، ظنا منهم أن طرح 25 ألف فرصة عمل لن تساعد في حل مشلكتهم. إن ما يدعو للقلق هو العدد المتزايد للعمالة الوافدة القادمة للسلطنة ولا أتحدث هنا عن الوظائف الدنيا (العمّال ومن في مستواهم) إنما عن الوظائف الإدارية والتنفيذية فما أعلى، حيث إن الشركات العاملة مازالت توظف وافدين في الإدارة المتوسطة والعليا إلى يومنا هذا، ومما يحز في القلب أن بعض ملاك هذه الشركات هم من المسؤولين الذين أوكل إليهم موضوع التعمين تنفيذياً أو تشريعياً بانعدام المساءلة تضيع الذمم ويعيش كل شخص لمصلحته الخاصة.

الواقع الذي نعيشه الآن يقول أعداد الوافدين واضحة والكفاءات العمانية جاهزة لتحل مكانها ويبقى القرار رهناً بقلم صاحبه. ونحن هنا نتساءل ما المانع من أن يخطه لينفذ أو بالأحرى ما نوع المانع هل هو اجتماعي أم اقتصادي أم حتى سياسي؟!  

bur3d.x@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك