مشروع الحلم الامبراطوري الصيني (العظيم)

ماهر القصير – السعودية
باحث في السياسة الدولية


من القولات الشهيرة للرئيس الصيني (شي جين بينغ) قوله "علينا بذل الجهود الحثيثة وأن نتقدّم بإرادة لا تعرف الهوان من أجل دفع قضيتنا العظيمة إلى الأمام، وأن نكافح من أجل تحقيق الحلم الصيني بالتجديد العظيم للأمة الصينية".
 تتبنى الصين في علاقاتها الدولية المبادئ الخمس لما يُسمّى “ميثاق بكين” الراجع تاريخ إعداده لسنة 1964 تحت إشراف الوزير زهو إنلاي، Zhou Enlai، الذي ترتكز عليه دعائم السياسة الخارجية الصينية، وهي: احترام سلامة الحدود وسيادة الدول المطلقة عليها، عدم الاعتداء، عدم التدخّل في الشؤون الداخلية، التكافؤ والبحث عن المصالح المشتركة، التعايش بسلام".
إن الصين باتت علي أعتاب تخطي الولايات المتحدة علي المستوي الاقتصادي، بتحقيقها لنسب نمو تصل إلي 30% في مجال التصدير، و40% في مجال الاستثمار الرأسمالي، و7.75% للناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2011، لتحتكر الترتيب الثاني بين أقوي دول العالم اقتصاديا. ومن المتوقع - وفق بعض التقارير الاقتصادية - أن يشهد عام 2018 تفوق الاقتصاد الصيني علي نظيره الأمريكي. وعلى المستوي العسكري، زادت الصين من موازنتها العسكرية عام 2012 لتصل إلي 106 مليارات دولار بنسبة زيادة تصل إلي 12% عن العام السابق، بما أثار مخاوف دول الجوار، لاسيما في ظل الخلافات الحدودية مع الصين حول السيادة على الجزر في بحر الصين الجنوبي وحقوق السيادية في البحر الأصفر.
وعلي الرغم من تصاعد التوترات الإقليمية نتيجة للنفوذ الصيني المتصاعد، فإن العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول جنوب شرق آسيا آخذة في التطور المطرد، حيث وصل حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الإقليم عام 2011 إلي نحو 292.8 مليار دولار بمعدل نمو تجاوز 35.7%، وزادت الاستثمارات المشتركة بنسبة 10.9% لتصل إلي 7.4 مليار دولار. كما نجحت الصين في توطيد علاقاتها التجارية حتى مع الحلفاء الإقليميين لواشنطن، حيث ارتفع مستوي التبادل التجاري بين الصين والفلبين إلي 27.7 مليار دولار عام 2010، ووصل حجم التبادل التجاري بين الصين وماليزيا إلي نحو 100 مليار دولار، وبين الصين وإندونيسيا إلي نحو 30 مليار دولار . وفي السياق ذاته، اقتنصت مكانة الشريك التجاري الأول لكوريا الجنوبية من الولايات المتحدة.
ووثقت الصين علاقاتها التجارية مع دول القارة الآسيوية باتفاقيات للتجارة الحرة، خاصة مع الآسيان، التي دخلت حيز التنفيذ في يناير 2010، والتي تعد أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، لأنها تشمل 1.7 مليار مستهلك بناتج محلي إجمالي مشترك قدره 1.3 تريليون دولار. (..)
مما شكل لدى الولايات المتحدة خطرا قادما وصداما محتملا مع الدولة الصاعدة، وهو الدافع الرئيسي لتكثيف الوجود العسكري الأمريكي للإقليم وأدى إلى تصاعد الاهتمام الأمريكي بمنطقة جنوب شرق آسيا والمحيط الهادي بقوة في الآونة الأخيرة، لاسيما مع إعلان الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، عن عزمه زيادة الوجود العسكري الأمريكي في جنوب شرق آسيا، خلال زيارته لاستراليا في نوفمبر 2011، التي أعقبت مشاركته في قمة زعماء رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في مدينة بالي الإندونيسية، ثم إصداره توجيها استراتيجيا جديدا لوزارة الدفاع الأمريكية في يناير 2012 بعنوان "الحفاظ علي القيادة العالمية. والمعروف بأولويات الدفاع للقرن الحادي والعشرين"، يؤكد فيه حيوية الإقليم للمصالح الاقتصادية والأمنية الأمريكية، وضرورة تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع حلفاء الولايات المتحدة هناك (..).
وحيث إن منطقة آسيا/الباسفيك تمثل مركز الثقل العالمى ديموجرافياً، واقتصادياً، وسياسياً، إذ إنها تحتضن أبرز القوى الصاعدة حالياً، أى كوريا الجنوبية واليابان والهند والصين, وهى تحوى أو تلامس قوى دولية تقلق الأمريكيين مثل كوريا الشمالية وروسيا وباكستان. يضاف إلى ذلك كلّه تعدد الممرات البحرية الاستراتيجية أمنياً وتجارياً، وثروات بحر الصين الكامنة والمكتشفة.
وتستند الاستراتيجية الأمريكية الجديدة على فكرة رئيسة هى "الالتزام المتجدد بتأكيد مكانة أمريكا فى منطقة آسيا/الباسفيك" يأتى هذا التحول فى الاستراتيجيات الأمريكية للأمن فى ظل الأزمة التى تعيشها الولايات المتحدة، بينما يشهد الاقتصاد الآسيوى دينامية كبيرة ونموا مطردا واستقرارا نسبيا، مما قد يشكل خطرا ويعمق حالة الركود والأزمة الهيكلية التى تعصف بكل من أمريكا وأوروبا.
وربما يكون الصعود الصيني المخيف للأمريكيين سبباً وراء حسم الإدارة الأمريكية لهذا التوجه، إضافة إلى التحسب من البروز القوي للهند من أجل التقدم. فالصين بحلول عام 2049 الذي سيصادف احتفالها بمئوية جمهوريتها سوف تحتفل بتبوأ ناتجها المحلي الاجمالي المرتبة الأولى على مستوى العالم. فلدى الصين حالياً 9 .1 تريليون دولار احتياطي نقدي، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف احتياطيات دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، لكن الأهم من ذلك هو أن هذا التقدم الاقتصادي الصيني لم يأت عبر نظام اقتصادي رأسمالي تتزعمه الولايات المتحدة، ولكنه جاء عن طريق اقتصاد موجّه، وربما لا يعرف الكثيرون أن معظم الشركات الكبرى في بورصة شنغهاي إما أنها مملوكة بالكامل أو جزئياً للدولة. كما أن معدل النمو الاقتصادي الصيني بلغ خلال ربع القرن الأخير 9%، وازداد معدل دخل الفرد ستة أضعاف، وتم الصعود بما لا يقل عن 400 مليون صيني إلى ما يتجاوز معدل حد الفقر.
التقدم الصيني لم يكن اقتصادياً فقط مقارنة بالوضع الأمريكي لكنه امتد إلى كل مناحي القوة الشاملة للصين، وأصبحت القوة الناعمة الصينية متفوقة هي الأخرى بقدر يوازي تقريباً التقدم الاقتصادي. فوفقاً لتصنيف “فورتشين” أخيراً لأكبر الشركات العشر في العالم، لم يكن للولايات المتحدة غير اثنتين فقط هما “والمارت” في الترتيب الأول، و”ايكسون موبيل” في الترتيب الثاني، في حين كانت هناك ثلاث شركات صينية من بين الشركات العشر الكبرى في العالم هي: سينوبيك وستيت غريد، وشركة بترول الصين الوطنية، وأخيراً بدأ واضعو السياسات في الصين يدركون أن مصالح الصين الاقتصادية باتت تمضي بمعدلات أسرع من الاستطاعة العسكرية اللازمة لحماية هذه المصالح، لذلك قرَّروا العمل على تجسير الفجوة بين النمو والمصالح الاقتصادية والمقدرة العسكرية.
في هذا السياق أُعطيت الأولوية لحماية الخطوط والطرق البحرية لناقلات النفط، وعملت الصين على تقديم تمويلات ومساعدات تقنية ولوجستية لتشييد موانئ وخطوط أنابيب بترولية في باكستان وبنغلاديش وبورما. وبمجرد الفراغ من إكمال هذه المنشآت ستوجه الصين مخططاتها وقواتها البحرية نحو الشرق الأوسط والمحيط الهندي حيث لاتزال واشنطن تهيمن عليهما.
وهذا التوجه كان من شأنه زيادة الإنفاق العسكري الصيني في توجه أقلق الأمريكيين، حيث تتجه الصين لبناء أول حاملة طائرات وتنوي صناعة خمس أو ست منها في المجمل، وربما كان الأكثر خطورة هو تطوير الصين لتكنولوجيا صواريخ جديدة واستحداث تقنية مضادة للأقمار الاصطناعية بما يهدد السيطرة البحرية والجوية التي تبني عليها الولايات المتحدة تفوقها .............................
يتبع (أمريكا ومواجهة المشروع الصيني الدولي الصاعد)

 

تعليق عبر الفيس بوك