عبد النبي العكري
تقلّد زيد بن رعد الحسين منصب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في 1 سبتمبر 2014 بعد موافقة الجمعية العامة في 16 يونيو 2014 على قرار تعيينه الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة. وبذلك، يكون زيد سابع شخص يتولى قيادة المفوضية السامية لحقوق الإنسان، إضافة إلى كونه أول آسيوي وعربي ومسلم يشغل هذا المنصب. وقد تعهد حينها بأن يكون مناصرًا في جنيف للمساواة بين الجنسين، وأعلن التزامه بالنهوض بالمساواة بين الجنسين في المفوضية السامية لحقوق الإنسان وفي المحافل الدولية.
وتشهد خبرة الأمير زيد المهنية على تبحّره في مجالات العدالة الجنائية الدولية، والقانون الدولي، وعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، وبناء السلام بعد النزاعات، والتنمية الدولية، ومكافحة الإرهاب النووي. وقد لعب دورًا مركزيًا في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، حيث ترأس المفاوضات المعقدة لتحديد أركان كل جريمة من الجرائم التي تبلغ حد الابادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وأصبحت المحاكم في شتى أنحاء العالم تستشهد الآن بتعريف "الجرائم ضد الإنسانية"، بعد ان فُصِّلت "أركانها"، باعتباره تعريفا ذا حجية.
ولاحقًا في عام 2009، طُلب إليه أن يترأس المراحل الختامية من المفاوضات المعقدة المتعلقة بجريمة العدوان، التي اعتبرتها المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ "الجريمة الدولية العظمى"، وتحديدًا فيما يتعلق بتعريفها القانوني والشروط التي يجب توافرها لتمارس المحكمة اختصاصا بشأنها. وقد اختُتمت تلك المفاوضات بنجاح وبتوافق الآراء في كامبالا بأوغندا في حزيران/ يونيه 2010.
وفي عام 2004، عيّنته الحكومة الأردنية زيد ممثلا للاردن ورئيسًا لوفده لدى محكمة العدل الدولية في المسألة المتصلة بالجدار الذي تبنيه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما مثّل زيد الأردن لدى محكمة العدل الدولية في ديسمبر 2009 في الدعوى الاستشارية المتصلة بإعلان استقلال كوسوفو.
وزيد متمرس في مجال الدبلوماسية المتعددة الأطراف، فقد سبق له أن شغل منصب ممثل الأردن الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك وكان سفير الأردن في الولايات المتحدة الأمريكية بين الأعوام 1996 حتى 2010
الأمير زيد حاصل على شهادة بكالوريوس من جامعة جونز هوبكنز ودكتوراه من جامعة كامبردج (كرايست كوليدج). وفي 14 حزيران/يونيه 2008، منحه معهد جنوب كاليفورنيا للقانون دكتوراه فخرية في الحقوق تقديرا لعمله في مجال العدالة الدولية".
هذا بعض ماجاء في سيرته الذاتيه المنشورة على موقع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وهو ما أهله بجدارة لاختياره من قبل الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون لمنصب المفوض السامي لحقوق الإنسان وهو ما صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة .هذا وخلف الأمير زيد القاضية نافينتيم بيلاي من جنوب إفريقيا والتي أعطت منصب المفوضية خلال ست سنوات من ولايتها مكانة مهابة وتصدت بكفاءة عالية لمهام المفوضية السامية لحقوق الإنسان فيما يخص تعزيز وحماية حقوق الإنسان على رأس أجهزة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في جنيف ونيويورك ومكاتبها حول العالم.
من هنا كان التحدي أمام الأمير زيد كبيرًا أن يحافظ على مكانة المفوض السامي وأن يبني على الإنجازات التي تحققت للمفوضية وأن يطور ويعزز دور الأمم المتحدة في حماية وصيانة حقوق الإنسان.
كانت هناك تحديات تواجه الأمير زيد كان لابد أن يتصدى إليها بشجاعة وصبر وحنكة ومثابرة. فهناك عقلية راسخة لدى الحكومات العربية والإسلامية بأن المسؤول الأممي المنتمي إليها سيراعيها ويتفهم ما تدعيه من خصوصية ومنها الخصوصية والاستثناءات في التعاطي مع ملفات حقوق الإنسان والانتهاكات بحق الشعوب والجماعات والأفراد. من هنا كان قلق العديد من منظمات حقوق الإنسان وخصوصا في البلدان العربية خصوصا كون الأمير زيد ينتمي إلى أسرة ملكية حاكمة وعمل لعقود دبلوماسيا رفيعا لديها وفي أهم موقعين؛ هما الولايات المتحدة والأمم المتحدة، لكن الأمير زيد وكما أثبت مصداقيته في المهام الأممية السابقة فقد أثبت مصداقيته كمفوض سام فوق الانتماءات والانحيازات. تعاطى الأمير زيد مع الدول العربية والإسلامية كما مع باقي الدول دون ممالاة أو تحيز. ومن هنا كان تململ الحكومات العربية والإسلامية تجاهه، والذي تطور لاحقا إلى عداء سافر من قبل بعض الدول العربية الاستبدادية. ويسجل للأمير زيد أنه أقنع الأمم المتحدة بفتح مكتبين للمفوضية السامية في بيروت وتونس لتجعل خدمات المفوضية في متناول البلدان العربية.
التحدي الثاني الذي واجهه الأمير زيد هو أن فترة ولايته تزامنت مع استمرار بل تصاعد عمليات التنظيمات الإرهابية الإسلاموية ونموذجها القاعدة وداعش، والتي أقامت دولتها التي احتلت مساحات واسعة من سوريا والعراق ولها امتداداتها عالميا وخصوصا في العالمين العربي والإسلامي من المغرب حتى الفلبين؛ حيث جرّت عددا من البلدان مثل ليبيا والعراق وسوريا واليمن وأفغانستان والفلبين وغرب إفريقيا إلى حروب أهلية، فيما تعاني العديد من البلدان مثل مصر ولبنان والمغرب العربي من عملياتها المسلحة، وتعاني العديد من بلدان العالم من عملياتها الإرهابية. ترتب على ذلك نتائج كارثية من جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات خطيرة وشاملة لحقوق الإنسان. عمل الأمير زيد ومعه المفوضية السامية بكل إمكانياته ليتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته لإيقاف هذه الحروب والانتهاكات ومساعدة الضحايا وحث الدول ومجلس حقوق الإنسان على تحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية. وكانت تقاريره التي يقدمها أمام مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة وثائق مهمة استند عليها المجتمع الدولي لمعرفة الحقيقة، لكن المصالح الأنانية للدول المعنية حالت دون معالجتها بجدية واستمرار الحروب الأهلية والعدوانية وأعمال الإرهاب بما يترتب عليها من جرائم وانتهاكات.
التحدي الثالث تمثل في ما ترتب على التطورات التي أحدثها الأمير زيد في التعاطي مع المنظمات الحقوقية والنشطاء الحقوقيين خصوصا أنّ هؤلاء في طليعة ضحايا الحروب والنزاعات والأعمال الإرهابية من ناحية وكذلك هم ضحايا السياسات والإجراءات التي تتخذها الدول فيما تدعيه أنه لمواجهة التطرف والإرهاب. وقد عمل الأمير زيد والمفوضية على حث الدول ومجلس حقوق الإنسان على حماية المنظمات والنشطاء الحقوقيين، وتابع مكتبه هذه الانتهاكات وتواصل مع الحكومات للحد من هذه الانتهاكات. وفيما يتعلق بدور المنظمات الحقوقية في مؤسسات وآليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومنها المفوضية السامية والمقررون الخاصون ولجان المعاهدات التعاقدية، فقد سعى الأمير زيد إلى تعزيز هذا الدور وحث الدول على أن تكون شريكا للمنظمات الحقوقية في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان. وعملت المفوضية لتشمل برامج التدريب والمساعدة الفنية التي تقدمها للدول وممثلي الدول والمجتمع المدني. وبالنسبة لتعامل الأمير زيد مع وفود المنظمات الحقوقية المشاركة في أعمال الأمم المتحدة في جنيف فقد كان يحرص على الاجتماع بهم والاستماع لهم رغم استياء العديد من الدول من ذلك وموقفها السلبي تجاه المفوض السامي.
نستطيع الاستطراد في ما أحدثه الأمير زيد من تغييرات وسياسات وإجراءات عززت من دور المفوض السامي والمفوضية السامية لحقوق الإنسان والمواقف الشجاعة التي اتخذها في المنعطفات التاريخية وأثرت بالتالي على مواقف الأمم المتحدة في ظل أوضاع معاكسة تميزت بالحروب والاضطرابات والانتهاكات الواسعة لحق الشعوب ولحقوق الإنسان، لكن التحول الأخطر هو فوز دونالد ترمب بما يحمل من برنامج وما يمثل من قوى يمينية وعنصرية بالرئاسة الأميركية بما لذلك من تأثيرات كارثية على أمريكا والعالم، وما تبعه صعود اليمين في أوربا كرد فعل على تبعات التدفقات المليونية من اللاجئين والأعمال الإرهابية للمنظمات الإرهابية والمتطرفة باسم الإسلام. كل هذا وغيره أحدث أوضاعا لا سابق لها في ازدراء حقوق الشعوب وانتهاكات حقوق الإنسان بشكل لا سابق له منذ الحرب العالمية الثانية
قد يكون ذلك هو ما جعل الأمير زيد يقدم بشكل مبكر قبل أيام على أخبار مساعديه في المفوضية السامية ثم إعلان ذلك من قبل المفوضية بأنه لن يسعى لتجديد ولايته التي تنتهي في 31 أغسطس 2018 مما شكل صدمة داخل الأمم المتحدة والعالم وخصوصا الوسط الحقوقي، الذي يعتبر ذلك خسارة جسيمة لضحايا الانتهاكات شعوبا وأفراد والنشطاء الحقوقيين ومنظماتهم ولجميع المخلصين دولا ومؤسسات ومنظمات وشخصيات تسعى لوضع حد لهذا الانحدار الرهيب والنهوض بحقوق الإنسان. وقد يكون خطابه الشامل في افتتاح دوره مجلس حقوق الإنسان في سبتمبر 2017 والذي هو من أطول خطاباته وأكثرها تفصيلا، شاملا أكثر من ثمانين دولة بالاسم بأنها تنتهك حقوق الإنسان بشكل خطير، هو إشارة مضمرة أنّ هذه الدول لا تتعاون معه وتحبط جهوده وجهود الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان.
سيفتقد الأمير زيد ضحايا القمع والتسلط والتمييز والاستبداد والانتهاكات لحقوق الشعوب والأفراد، وسيفتقد نشطاء حقوق الإنسان المطاردين والمضطهدين الأمير زيد وهو يستقبلهم في مكتبه بعواطفه الحميمية أو يحاورهم في الاجتماعات التي تنظم على هامش اجتماعات مجلس حقوق الإنسان.