وادي الحواسنة.. بين رقرقة الغيول وغرغرة الموت

عفراء علي الحوسنية

منطقة آية من الجمال، تتلاقح فيه عراقة الماضي مع حداثة العصر، يروي أجدادنا فيضا من الحكايات عنه، وعن تاريخه الموغل في القدم؛ والأطلال الباقية شواهد حية ترويه. يبعُد هذا الوادي عن مركز ولاية الخابورة قرابة سبعين كيلومترا، ويبدأ من قرية عِيَص، وينتهي بقصبية الحواسنة، وتفيض مياهه في بحر عمان، يتميز بجمال الطبيعة، والمناظر الخلّابة طوال الطريق، ويستقطب السياح من كل حدب وصوب، يقضون فيه فسحا من الأوقات الممتعة، لاسيما في الأوقات الخصبة والمعتدلة.

على جانبي طريق وادي الحواسنة واحات خضراء، وأشجار النخيل الباسقة سمة غالبة عليها، إضافة إلى أشجار الليمون والمانجو والسدر، وتكثُر فيه أيضا الأشجارالبريُّة؛ مثل: الحرمل والراك والسرح والسيداف والشوع...وغيرها. وفي هذا الوادي أحواضٌ عدة؛ مثل: حوض الساحر وحوض النجم وحوض الهميمي، الذي يرسم لوحة متحركة فريدة من نوعها في الأجواء الماطرة.

يربط طريق هذا الوادي منطقة الباطنة بمنطقة الظاهرة، وسابقا تسلكه القوافل المحملة بالبضائع؛ كالقهوة والبرّ والعسل والبهارات والتمور والصوف، ويتبادل التُّجار هذه البضائع فيما بينهم.

فيما مضى قلَّة من يسلكون هذا الطَّريق؛ لوعورته؛ واحتياج سالكيه لسيارات الدّفع الرباعي لعبوره. أما اليوم، فالطريق معبد، وسالك لجميع أنواع السيارات وللجميع؛ فحتى النساء تسلكه إلى مقار أعمالهن في جميع المؤسسات: المدارس والمستشفيات ومراكز الشرطة...وغيرها.

غابت الشمس وخيم الظلام، وسكنت مفردات الطبيعة، وزاد صوت سهير الليل في كهوفه وشقوقه، وبدا وادي الحواسنة، كأنه قطعة ظلام، لا يستبين كنهه، ولا ماهيته، فازداد طريقه وحشة إلا من بعض بيوت متناثرة على جانبيه هنا وهناك، ومن بعض سالكي الطريق الذي يحثون خطاهم للوصول إلى أحبتهم، أو مقار عملهم، ليتفاجأ مالك والمعصتم وخالد وطالب ونايف وياسر وغيرهم رحمهم الله، بتدهور سياراتهم من علو كبير، فتفيض أرواحهم إلى خالقها، فتنكت جراحُ الفقد الأحزان في قلوب منتظريهم، الجراح التي لن تندمل، والأحزان التي لن تزول. لقد هزت هذه الحوادث المجتمع، وتألم الجميع لها، وقبلها، وبعدها حوادث عدة، فيتكرر مشهد انحراف عدد ملحوظ من المركبات، وسقوطها في هُوَّة سحيقة؛ فتُزهَق أرواح بريئة تعد من خيرة شباب الوطن، هؤلاء الشباب خسارة كبيرة لأسرهم ومجتمعهم ووطنهم.

إن المحافظة على النفس من الضرورات الخمس في الإسلام: الدين والنفس والعقل والعِرْض والمال.. وهي مسؤولية  فردية وجماعية، والسؤال الذي يفرض نفسه: كم من الأرواح ستكون ثمنا؛ لتتحرك الجهات المعنية؛ فتقوم بوضع سياجات حماية على جانبي الطريق ذات الأماكن المرتفعة، مع وجود انعطافات خطرة. وهل هذه السياجات مكلفة إلى الحد الذي لا يمكن إنجازها في المناطق ذات الارتفاع الكبير؟

لنجعل وادي الحواسنة منطقة جاذبة وآمنة، تستوحي جمالها ليس من مفردات الجمال الطبيعية وحسب؛ بل من سكن النفوس واستقرارها وأمنها، ولتكن رقرقة الغيول، وتغاريد العصافير، وحفيف الشجر، وهدير الرياح حديث الطبيعة مع سالكي هذا الطريق؛ بدلا من دوي أنات الوجع، وغرغرة الموت، وشهقات الروح.

وليكُن الحذر قرينَ كل سالك لهذا الطريق، ولتتحرك الجهات المسؤولة، وتنظر إلى ازدياد الحوادث في هذا الطريق، وكثرة الوفيات بعين الاعتبار والاهتمام؛ لتزيل كل ما من شأنه أن يكون خطرا على حياة المواطن، مع الاعتراف بالجهود المبذولة والدائمة لخدمة المواطنين في كل بقعة من بقاع هذه الأرض الحبيبة.

تعليق عبر الفيس بوك