الشعوب القدرية والمعارك الهامشية

 

علي المعشني

 

تمرُ الشعوب في أطوار نموها بمراحل هشاشة كبيرة ناتجة عن إخفاقات وإحباطات عميقة في حياتها وتجاربها ومساحتها الزمانية، وحين تعجز هذه الشعوب عن معرفة أسرار تلك الإخفاقات وأسباب تجاوز عثراتها تلجأ إلى الخرافات والأساطير والقدرية السلبية العارية كمخرج لها من أزماتها النفسية ولجبر مشاعرها ومواساة نفسها لتبرير ضعفها وذلك عبر تهويل المؤثرات تلك عليها.

ويرتفع منسوب تلك الوصفات التاريخية في حياة الشعوب في مراحل الانحطاط والضعف والوهن والتخلف وتوالي الهزائم والشلل التام عن مواكبة العصر وصناعة التاريخ، حيث تكون تلك المشاعر مُركبة في حالات الشعوب ذات الرصيد الحضاري والأمجاد الغابرة كحال الأمة العربية، فتنقسم الناس بين غارق موغل وأسير للتاريخ يتغنى به ويقدسه وبين جالد للذات وباسط لروح الهزيمة وثقافة البؤس والفجيعة بزعم الاستنهاض!! وأصوات عقلانية خافتة لاصدى ولا أثر لها بين الضجيجين الأسير والبائس وهي أشبه بأصوات في البرية. من هنا يلجأ العدو دائمًا في حال مواجهته للشعوب القدرية إلى جعلها توغل أكثر وأكثر في أحلامها الوردية وتنغمس إلى حد الذوبان في الماضي لتفقد الحاضر والمُستقبل معًا وشعوبنا العربية اليوم هي خير من يُجسد ويمثل حالة الشعوب القدرية التي تمسك بتلابيب الماضي وتناجي الأمجاد الغابرة بامتياز ودون وعي منها فتعيش خارج التاريخ والتأثير الحضاري وتفقد مناعتها في مواجهة الخصوم، وقد زادها الخصوم من جرعات القدرية ليتجنبوا نهوضها أو إشعارها بحقيقة حالتها اليائسة لتخوض حروبًا ومعارك هامشية لاتعيد حقًا ولا ترقى بشعب.

تنتشر بيننا اليوم كل مظاهر القدرية المُعبرة عن حالة السقوط المريع للأمة وتنتجها عقولنا بجدارة لتغنينا عن إلتماس أسباب النهوض ومواكبة تطور الأمم واستعادة الأمجاد، حيث مازلنا نناجي ونناشد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه والقائد صلاح الدين الأيوبي في قبريهما كي يُبعثا أحياء ليستعيدا القدس وفلسطين وكأننا أمة بكل قدراتها وقواها اليوم لا تستطيع فعل شيء من ذلك!! ومازلنا نعتقد بأنَّ الطبيعة بكوارثها وزلازلها وفيضاناتها يمكن أن تقاتل الأعداء بالنيابة عنَّا وكسلاح فتاك وماض من كراماتنا، وأننا نمتلك الأمراض والدعاء لنفتك بخصومنا، لهذا لجأ الخصوم والأعداء في الداخل والخارج إلى تسويق وترويج ذلك ليقعدونا عن فعل أي شيء يليق بالعقل ويستنهض الهمم. ففي عام 2001م وحينما شنت أمريكا حربها على أفغانستان بزعم الثأر والقصاص لأحداث 11سبتمبر راجت أكذوبة الجمرة الخبيثة لتُحارب أمريكا بالنيابة عنَّا وككرامة من كراماتنا تجاه من نغضب عليه وينتهك حرماتنا، فكُنا نتابع يوميات الجمرة الخبيثة وما أحدثته في الأمريكان ونسينا فاحشة تدمير بلد مسلم وقتل شعبه بدمٍ باردٍ وبمزاعم كاذبة، ولم نتساءل عن حقيقة الجمرة الخبيثة وهل هي واقع أم أسطورة وخرافة من تأليف المخابرات الأمريكية لإلهاء الشعوب القدرية وإقعادها عن فهم الحقيقة ونٌصرة الحق!؟ واليوم يقرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني فتنسى الشعوب القدرية احتلال فلسطين وقضيتها وتتسلح بماضيها لبرهنة افتراء ترامب وخيبة قراره ومسعاه، وهذا معناه أنَّ النهاية الحتمية لهذا البالون السياسي الأمريكي ستحدث بإعلان أمريكا وفي الوقت المناسب التراجع عن قرارها وسينطلق العرب في احتفالات تاريخية بعروبة القدس والقبول بالتطبيع والجلوس على طاولة المفاوضات مع الكيان الغاصب ونيل الفتات مقابل دويلة سوبر ماركت في أراضي فلسطين 1967م، دولة أشبه بسلطة رام الله ومخرجات اتفاق أوسلو، حيث لاسيادة ولاسلطة ولا استقلالية عن الكيان والرقابة الأممية مع مظاهر الدولة من نشيد وعلم وحكومة، وهذا هو الفخ النهائي المراد من بالون اختبار ترامب والإدارة الأمريكية للتصعيد والابتزاز ثم التنفيس والتراجع المدروسين لجني مكاسب أكبر من الشعوب القدرية والتي تاهت بوصلتها ووجهتها لمعارك هامشية مكلفة وغير ذات جدوى أو طائل. ويبقى السؤال المُلح: إلى متى نناجي القبور ونترقب الحلول والنصرة من السماء وجند الله ونحن خاذلون لأنفسنا ومحجمون عن نصرة الله!؟

قبل اللقاء: سأل أحدهم ذات يوم أحد علماء الدين عن سبب نُصرة الله لبيته الحرام حين أراد أبرهة الحبشي هدم الكعبة حيث أرسل عليه وعلى جيشه الطير الأبابيل كما هو معروف في التاريخ، وفي المقابل لم يحدث أي شيء حينما قام أحد الصهاينة بحرق المسجد الأقصى عام 1968م !!؟

فكان جواب الشيخ العالم: في عام الفيل لم يكن هناك مسلم واحد في مكة فتكفل الله بحماية بيته، بينما حين أحرق المسجد الأقصى كان عدد المُسلمون في العالم يناهز المليار ونصف المليار نسمة!!

وبالشكر تدوم النعم..

Ali95312606@gmail.com