لا تصمتوا

 

خالد الخوالدي

 

الأغلبية العظمى يمدحون الصمت حيث ستجدون الأحاديث النبوية والقصائد الشعرية والكتاب والمثقفين وغيرهم ممن يقدمون وجبات جاهزة لأهمية الصمت وأفضليته وأبلغ ما قيل قول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم(مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ).

 

فليقل خيرًا أو ليصمت، توضح توضيحا صريحا أهمية الكلمة وقيمتها ووقعها ورونقها ودورها المعنوي في حياة الأرواح، فالكلمة الطيبة تصنع أمة وتصلح مجتمعاً وتعمل على إصلاح هذه الحياة، وتقود إلى السعادة والألفة والمودة، الكلمة الطيبة التي قال عنها رب العزة ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)﴾ سورة إبراهيم.

 

إنَّ وقع الكلمة في حياة الإنسان كبير ولا يمكن وصفه، فالكلمة ميثاق ورباط وقوة ونصر وحب ومودة وألفة وثقافة وعلم وأدب، وقد ميَّز الله سبحانه وتعالى الإنسان عن باقي خلقه بالعقل وترجمة ما يفكر به العقل والقلب هو اللسان الذي له ميزه الكلام لذا أهم ما في الإنسان كما جاء في الحديث قلبه ولسانه، والكلام هو الكتاب الذي يعبر عن مكنونات الإنسان فكما يقال (الإنسان مخبوء تحت لسانه إذا نطق عرف)، ومن هنا فإن الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وكل كتاب الدنيا لا يُمكن أن يقولوا إن الكلام محرم وإنما قالوا وركزوا على الكلمة الطيبة التي هي عكس الخبيثة، لذا تكلموا بالكلام الطيب ولا تصمتوا خاصة في العلاقات الزوجية التي حطم الصمت الكثير من أركانها.

إنَّ الصمت في الحياة الزوجية إما أن يكون صمتاً مؤقتًا فرضته مشكلة عابرة أو صدمة نفسية ليعود بعدها الزوجان إلى صفاء حياتهما ودفء علاقتهما، أو قد يكون صمتا طويلا فرضه ثقل السنين وتراكم الأزمات المشتركة وكثرة الانتقادات من الطرفين أو أحدهما، وكلما زاد الصمت حدة تزيد معه وحشة الحياة المشتركة والوحدة والغربة التي يعانيها أحدهما أو كلاهما، وأحياناً قد يسيء أحد الزوجين فهم صمت الآخر ولا يستطيع الوصول إلى حل لإخراج صاحبه من صمته بينما قد يكون هذا الصمت بمثابة هروب حذر من عالم مليء بالمنغصات لعالم هادئ رحب لفترة من الزمن حتى يعود للشخص توازنه النفسي، وما نتحدث عنه هنا ليس هذا الصمت العلاجي العابر إنما الصمت الدائم الذي ينذر بقطيعة نفسية عاطفية بين الزوجين بحيث لا يعود بينهما حديث يحمل المودة والألفة واللطف فتنطفئ من حياتهما قناديل الدفء والتجاذب، ورغم أنَّ هذا الصمت القاتل نفسيا والمدمر عاطفيا قد يعاني منه كلا الزوجين، إلا أن الزوجة في الأغلب هي من تتجرع بؤسه ومرارته بحكم أن الزوجة بحاجة أكثر للاحتواء والحديث معها والإصغاء لها ومنحها مساحة الفضفضة، بينما قد يجد الزوج في ردهات المكاتب وجلسات السمر ما يعوضه عن الحديث في المنزل، ويبرز أيضاً نوع آخر من الصمت يجر الحياة الزوجية إلى حتفها وانطفاء شرارة الحياة فيها وهو الصمت العاطفي بحيث إن الزوج متحدث لبق في كل أمور الحياة إلا ما تحتاج الأنثى لسماعه قد يتحدث أمامها بالهاتف لساعات لكن لا يتحمل الحديث معها لدقائق أو يتحدث معها في شؤون المنزل والصغار والاحتياجات العامة دون أن يهمس لها بما يطفئ لوعة العاطفة بأعماقها.

تظل الحياة الزوجية أقدس علاقة على هذا الكون، والمُحافظة عليها تُعد من أهم الأسس التي تبنى عليها المجتمعات حيث تقع على الأسرة مهمة كبيرة في إخراج جيل متعلم ومتربٍ ويحمل الصفات الأخلاقية التي تعين المجتمعات والحضارات على الاستمرار والاستقرار والنمو والتقدم، وتمثل المرأة الركن الأساسي والمحرك الرئيس لهذا الكيان العائلي فمن هنا يجب على الرجل أن يكون العون والمساعد والداعم والمساند من خلال الكلمة الطيبة والعاطفة الصادقة والإحساس الشاعري الذي يشعرها بكيانها وأنوثتها حتى تعطي أكثر وتستمر الحياة العائلية في سعادة ومحبة ومودة إلى الأبد، ودمتم ودامت عمان بخير.

Khalid1330@hotmail.com