قطرات المطر

د. حارث الحارثي

قرأت قبل قليل بيان المديرية العامة للطيران المدني والمركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة، عن وجوب الحذر وأخذ الحيطة مع توقع أمطار غزيرة قادمة للسلطنة.

وأثناء قرائتي للإنذار سمعت أصوات أطفالي يلعبون خارجا:"بابا تعال شوف الفرق" تقولها ابنتي الصغيرة وعيناها تلمعان فرحا" طلبت الخروج للخارج للعب تحت قطرات المطر. فكترت في ذهني "الجو بارد في الخارج والرياح نشطة, قد يمرض الأطفال"، وكنت على وشك منعهم من الخروج واللعب ولكن تذكرت نفسي واستعدت لحظات طفولتي. عندما كان يهطل المطر، كنت أفرح كثيرا وأنا ألعب خارجا ولا أعود للمنزل إلا متبللا، فرح عارم يعتريني وأنا أحاول إمساك قطرات المطر بأصابعي فتنساب برقة على كفاي.

"كيف أمنعهم من السعادة والفرح التي لم يحرمني أبواي منهما؟". تساؤل لم أجد إجابة عليه فابتسمت لابنتي وقلت لها "إلعبي ولكن لا تؤذي نفسك". كأب أعلم أنه الأمر الصحي ولكن لا أستطيع تمالك نفسي والقلق عليها وعلى إخوانها. انتبهت لأصواتهم وهم يلعبون بالطين, وبختهم قليلا ولكن تذكرت نفسي مجددا. تذكرت والدتي وهي تنظر إليها بعيناها الحنونتين وأنا عائد من اللعب وكل ملابسي متسخة بالطين. نتغير كثيرا مع تقدمنا في العمر ولكن يظل الطفل بداخلنا يحب اللعب بالمطر ومسابقة الريح. "هل علي الإنضمام لأطفالي تحت المطر؟"

لا أعلم ولكن أتمنى أن أعود مثلهم, سعيدا وبريئا بعينان صافيتان, تفرحني أبسط الأشياء ولا يتمكن العالم كله من أن يحرمني من لحظات سعادتي. "سأنضم إليهم وسأدعي أنني أراقبهم فقط" ولن أدع ملامح السعادة تظهر على محياي. سأدع الطفل بداخلي يلعب تحت المطر ويفرح كما يستحق.

هطول المطرلم يكن خبرا سعيدا في كل فترات حياتي. أثناء مناوبتي في قسم الطوارئ في مستشفى خولة كان هطول المطر بمثابة الإنذار لنا بأن نستعد للكوارث القادمة. تصادم بين سيارات أو غرق في أودية أو صعق بالكهرباء. كنت أعد الدقائق وأتمنى أن تتوقف الأمطار لكي لا يصاب أحد بسوء, أتمنى أن لا تحمل أمطار اليوم غير السعادة والفرح لكل الأطفال والكبار على أرض وطننا الجميل. أتمنى أن يأخذ الكل حذره وأن يستمتع كما كنا نفعل ونحن أطفال, في منازلنا وبين أحبائنا.

حفظكم الله جميعا من كل الشرور وأسبغ عليكم السعادة والفرح بعدد قطرات المطر.

 

تعليق عبر الفيس بوك